الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

الإخوانُ جماعةٌ سادت ثم بادت!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حاوِلْ قَدْر طاقتك أن تتخيل كيف يفكر الإخوان في هذه اللحظة الحرجة من تاريخهم؛ حيث لم يعد لهم مكان سوى الشوارع بعد أن طرد الشعب مندوبهم من القصر الرئاسي، وعطّل دستورهم، وحلّ مجلسهم التشريعي المفبرك، ولكنهم يغلقون كل أبواب الحوار، ويُصرّون على أن الشرعية معهم، وأنهم لن يقبلوا بأقل من عودة مرسي إلى الكرسي، وكذلك الدستور ومجلس الشورى، ومحاكمة قادة ما يسمونه الانقلاب العسكري ومن أيّدهم من المدنيين! وتتعجب: هل يمكن لمنتصر بالضربة القاضية بعد أن يُغلَّل بالعار أن يحقق أكثر من هذا؟!
هل هم حقًّا مقتنعون بحقهم في كل ما يطلبون؟ وهل يرون أن بيدهم القوة، داخليًّا وإقليميًّا وعالميًّا، على تحقيق مطالبهم؟
إن أمريكا، حليفتهم الأولى، بدأت تُصدر إشارات قوية تتراجع فيها عن الموقف العدائي من انتفاضة 30 يونيو، بل وتقول بصريح العبارة إن ما حدث كان استعادة للديمقراطية، وكان يُفتَرض أن يكون لهذه الطعنة النجلاء أثر في رجوعهم إلى الرشد ومراجعة حساباتهم، ولكنهم -على العكس- تمادوا في المزيد من التشدد! وكان عليهم منذ بدء الاعتماد على أمريكا أن يعرفوا أهم أسس العقلية الأمريكية التي تتسم بروح براجماتية تُسرِع فى إعادة تقدير الموقف إذا تعرض لتغيرات مفاجئة، وتتخذ سياسات بديلة لاستعادة مصالحها أو لوقف الخسائر! لأن أمريكا لم تؤيد الإخوان في الأساس إلا لتحقيق مصالح أمريكية، وهذا يعني المصالح الإسرائيلية أيضًا، وكانت الحسبة الأمريكية تعتمد على ما كان شائعًا من أن للإخوان تنظيمًا قويًّا وقواعد جماهيرية عريضة، فلما انكشف أنه تنظيم بلا عقل، وأنه لا شعبية هناك، بل إن جماهير الشعب المصري ترفضهم بشدة، صار الإخوان عبئًا على أمريكا!! ولكن الواضح الآن أن الإخوان لم يحسبوا حساب هذا اليوم!!
كما لم يرَ الإخوان، ولم ينتبهوا إلى أن هناك قوى عظمى أخرى، مثل الروس والصين، راحتا تصنفان الإخوان في قائمة الأعداء لوطنيهما، وأنهما كانتا تنتظران الفرصة للخلاص منهم؛ بسبب رعونتهم التي تجهل حقائق السياسة في العالم، حتى أنهم لم يفهموا أن خطابهم الزاعق له تأثير يقلق الروس من آثاره في أقاليم الحكم الذاتي في روسيا ذات الأغلبية المسلمة، وفي الجمهوريات الإسلامية على الحدود، كما لم يعرفوا أن وصولهم لحكم مصر بالتنسيق مع الأمريكان أنعش آمال المسلمين من طائفة يوجور بالصين في إقامة دولة تركمنستان الشرقية، فارتفع صوتهم في المطالبة بالانفصال عن الصين.
وهذا يفسر كيف سارعت روسيا والصين فورًا بتقديم عروض المساعدات العسكرية فور أن لوَحت أمريكا بقطعها.
يُضاف إلى هذا أن الخوف من الأثر الإخواني على نظم الحكم في الدول العربية كان متأججًا، وقد تجلت الفرحة من الخلاص منهم في ردود الفعل الإيجابية بعد الإطاحة بهم وإعلان الرغبة في مساعدة مصر فورًا بمليارات الدولارات.
وكان من الأجدى؛ بسبب تعقيدات الأوضاع محليًّا وإقليميًّا وعالميًّا، أن يزداد حرص الإخوان، وأن يكونوا أكثر أناة قبل اتخاذ أية خطوة، إلا أنهم كانوا على الطريق العكسي وبالسرعة الخطأ!
وهكذا، وبعد أقل من عام، كانت أرضية الإخوان قد انكمشت بشدة في الخارج، ولم يبق لهم في الداخل، بعد أن خسروا الجماهير العريضة، إلا الأعضاء ومن يعتصمون ويهتفون بالأجر، وبعض الدراويش المنساقين وراء خطاب يستغل الدين، وأقل القليل من الجماهير التي كانت تحتشد لهم في السابق قبل أن ينكشف فشلهم وفسادهم في الحكم.
نحن إزاء حالة غير طبيعية من التعامي والهلوسة، لا يرون الشعب الرافض لهم بالصوت العالي في كل ميادين مصر وشوارعها، وفي نفس الوقت يتوهمون أن الجماهير تلتفّ بالحب حولهم! وبرغم تهافت ما دعوا له من مليونيات، بدءًا من جمعة الرفض في 5 يوليو، وحتى جمعة ضد الإنقلاب في 2 أغسطس، مرورًا بأوهام مليونيات الزحف والصمود والإصرار وكسر الانقلاب وعودة الشرعية والفرقان وشهداء الانقلاب، إذا بهم يطلقون نكتة “,”مليارية“,” الدعاء على الظالمين! وكأنهم بدأوا في الاستظراف!
لا تعرف مبررًا وجيهًا ليقين راسخ لدى الإخوان أنهم أذكى من غيرهم في الداخل والخارج! ولقد أوردتهم هذه الحالة في مهالك سياسية، ظنوا أنهم يحكمون قبضتهم على الحكم، وتمادوا في توسيع مجال السيطرة دون اكتراث بالآخرين، ولم يأخذوا أي اعتراض بالجدية المطلوبة، متوهمين أنهم مسيطرون على الوضع بأكاذيبهم الساذجة.
وقد تبين الآن أن مسئولي الجماعة والمدافعين عنها كانوا هم أول من تسبب في فشلهم الذريع، وبدد فرصتهم الذهبية في النجاح في الحكم، ثم ها هم يدمرون ما تبقى من السمعة السياسية ومن فرصة تصحيح الأخطاء والسعي للانخراط في العمل السياسي والالتزام بالقانون العام.
إن لجوء الإخوان الآن إلى العنف هو تعبير عن ضعفهم، كما أن اعتمادهم جريمة قطع الطريق دليل على عجزهم عن حشد الملايين، فمَن لديه القدرة على حشد الملايين ليس مضطرًّا للتفكير في قطع طريق، وللأسف، فإنهم سيستمرون في جرائمهم لأنه لم يعد لهم من سبيل آخر على إعلان وجودهم. وهذا يعزز من وجوب أن تلتزم الدولة بفرض القانون عليهم مثلما يُطبَّق على غيرهم.
إن انتهاء صورة الإخوان بهذا الشكل وبهذه السرعة يستدعي إلى الذاكرة زاوية صحفية شهيرة كانت تنشرها مجلة “,”العربي“,” الكويتية أيام رئاسة مؤسسها العلامة الدكتور أحمد زكي، كان عنوانها “,”حضارات سادت ثم بادت“,”!!