الجمعة 31 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

تقارير وتحقيقات

"الرمال السوداء" كنز من كنوز مصر المهدرة.. العائد الاقتصادى من موقع واحد فقط من الـ11 موقعًا ستعود على مصر بأكثر من 255 مليون جنيه سنويًا

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تحتضن الشواطئ المصرية بمساحات شاسعة كنزا اسمه "الرمال السوداء"، تلك الرمال المتوافرة على سواحل مصر المطلة على البحر المتوسط من رشيد إلى رفح بطول ٤٠٠ كيلو متر، وتنتشر بفعل التيارات البحرية والأمواج في تلك المناطق إلى جانب تواجدها في الكثبان الرملية، وترجع أهميتها الاقتصادية لاحتوائها على نسبة كبيرة من المعادن ذات الأهمية الاقتصادية التي يمكن أن تعود على مصر بملايين الدولارات سنويا.
هذه الرمال دخلت أخيرا في مجال اهتمام الحكومة، حيث قرر المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء في اجتماع عقده الليلة الماضية إنشاء شركة وطنية مصرية خالصة تحت مسمى"الشركة المصرية للرمال السوداء"، تكون بمساهمة مجموعة من الجهات الحكومية المعنية بهذا الموضوع من بينها هيئة الطاقة النووية، وهيئة المواد النووية، وبنك الاستثمار القومي، والشركة المصرية للثروات التعدينية، ومحافظة كفر الشيخ، دعوة المساهمين في إنشاء الشركة خلال الأسبوعين القادمين، للإعلان عنها وبدء نشاطها في استغلال الرمال السوداء الموجودة في محافظة كفر الشيخ، لما لها من جدوى اقتصادية عالية، وباعتبارها ثروة قومية معدنية نادرة.
وترجع تسمية الرمال السوداء بهذا الاسم لأنه يغلب عليها اللون الداكن لاحتوائها على كثير من المعادن الثقيلة كخامات الحديد، حيث تحتوى على نسبة صغيرة من المعادن المشعة، والمعادن النادرة كالذهب، كما تحتوى على نسبة عالية من عنصر "التيتانيوم"، الداخل في صناعة هياكل الصواريخ والطائرات ذات الارتفاعات العالية لمقاومة الظروف الكونية. ويستخرج منه الألمنيت عالى الجودة والمستخدم في صناعات الأصباغ وتغليف أنابيب البترول تحت سطح الأرض وتبطين الأفران، إضافة إلى استخدامه في المفاعلات النووية لكبح جماح التدفق النيترونى داخلها.
والرمال السوداء هي رواسب شاطئية سوداء ثقيلة تتراكم على بعض الشواطئ بالقرب من مصبات الأنهار الكبرى وتتركز بفعل تيارات الشاطئ على الحمولة التي تصبها الأنهار في البحر، وطبقا لآخر مسح جوى قامت به هيئة المواد النووية مصرية فإن مصر تعد واحدة من أهم وأغنى الدول التي تتوافر بها الرمال السوداء، إذ توجد عند منطقة الرأس السوداء بالقرب من رشيد، ويوجد ما يقرب من 11 موقعا على السواحل الشمالية تنتشر بها تلك الرمال بتركيزات مرتفعة، وكشفت آخر دراسة جدوى قامت بها شركة (روش) الاسترالية عن أن العائد الاقتصادى من موقع واحد فقط من الـ11 موقعًا ستعود على مصر بأكثر من 255 مليون جنيه سنويًا، أي ما يعادل أكثر من 5ر46 مليون دولار، فاستغلالها يوفر على مصر ملايين الدولارات التي تنفقها في استيراد واحد فقط من تلك المعادن كالزكون الذي يعتبر أحد العناصر الأساسية في صناعة السيراميك التي تزدهر بها مصر،‏ إضافة إلى معادن أخرى أهمها الحديد والجرانيت والمونازيت ومعدن التيتانيوم الذي يستخدم في صناعة أجساد الطائرات والغواصات وقضبان السكك الحديدية‏.‏
ورغم أن مصر تملك أكبر احتياطي من الرمال السوداء في العالم‏، إلا أن تلك الصناعة متوقفة فيها منذ ٤٤ عاما وليس هناك سوى بعض الدراسات النظرية تضاف إليها محاولات غير ناجحة لإقامة مشروع لاستغلال الرمال السوداء في مصر وفصل المعادن التي توجد في الرمال للاستفادة منها في إقامة صناعات ضخمة وهو ما دعا وزارة الكهرباء للتأكيد على ضرورة استغلال هذه الثروة التي يقدر الاحتياطي التعديني المؤكد من الرمال السوداء بنحو 285 مليون طن تحتوى على متوسط قدره 4ر3 بالمائة من المعادن الثقيلة بطول 22 كيلومترًا في القطاع الغربى الذي يقع شرق البرلس كما يوجد احتياطي تعديني مؤكد في القطاع الشرقى بنحو 48 مليون طن تحتوي على متوسط 1ر2 بالمائة من المعادن الثقيلة به بخلاف امتدادات مستقبلية للخام وهى أرقام اقتصادية بشكل جيد طبقا للدراسات التي أجريت وأكواد التعدين الدولية.
يمكن إنشاء مجمع صناعي متكامل لفصل المعادن من الرمال السوداء، كل معدن يقام عليه صناعة حيث يمكن إقامة مجمع صناعي لأكثر من 22 صناعة كصناعة البويات القائمة على معدن كالألمنيت إضافة إلى إنشاء صناعة الحديد الزهر والسبائك والكريستال والصناعات الحربية، ما يساعد على تنمية محافظة كفر الشيخ.
واستغلال رواسب الرمال السوداء المصرية التي تمثل أكبر احتياطي في العالم‏، وكان يتم في الأربعينيات بواسطة شركة الرمال السوداء المصرية حتى تم تأميمها العام ‏1961‏ تحت اسم الشركة المصرية لمنتجات الرمال السوداء‏،‏ فإنه منذ ذلك التاريخ أخذت الشركة في التعثر وتوقف الإنتاج وتمت تصفيتها العام ‏1969‏ تحت اسم مشروع تنمية واستغلال الرمال السوداء‏.‏
تنتشر التركيزات العالية من المعادن ذات الأهمية الاقتصادية في الرمال الشاطئية في أربع مناطق على ساحل البحر المتوسط حول مصبات فرعى نهر النيل رشيد ودمياط الحاليين أو الفروع السبعة القديمة المطمورة وهى السهل الساحلي على جانبي مصبي فرعي رشيد ودمياط‏،‏ كما تحتوي التلال الرملية الشاطئية التي تقع شرق بوغاز بحيرة البرلس على كميات هائلة من تلك المعادن، وكذلك السهل الساحلي الممتد من شرق بحيرة البردويل حتى مدينة العريش شمال سيناء يمثل رابع هذه المناطق‏.
ويقدر الاحتياطي الجيولوجي لرواسب الرمال السوداء المصرية بنحو مليار ومئة مليون متر مكعب من الرمال الجافة تكفى لتشغيل مصنع لاستخراج المعادن الاقتصادية لمدة مئة وخمسين عامًا بطاقة استهلاك للخام مقدارها ألف متر مكعب في الساعة على مدى أربع وعشرين ساعة في اليوم‏،‏ أي ‏24000‏ متر مكعب يوميًا‏،‏ وعلى مدى ‏300‏ يوم تشغيل في السنة‏، وتملك منطقة رشيد أكبر احتياطي من الرمال السوداء إذ يوجد بها500‏ مليون متر مكعب، ويوجد في منطقة دمياط 300‏ مليون متر مكعب، فيما تملك منطقة بلطيم احتياطي يقدر بنحو 200‏ مليون متر مكعب، إضافة إلى 100‏ مليون متر مكعب في منطقة شمال سيناء وتترتب هذه المواقع حسب الإمكانات والمميزات التصنيعية حيث يتقدمها منطقة بلطيم تليها منطقة رشيد ثم منطقة دمياط ثم منطقة شمال سيناء‏.‏
والنيل هو مصدر إنتاج الرمال السوداء قبل العام 1962 توقف بعدها من ترسيبها مع آخر فيضان بعد إنشاء السد العالي، وتتمركز مناطق تواجدها في شمال الدلتا وخاصة في الشرق من فرع رشيد حيث تتجه التيارات من الغرب إلى الشرق آخذة حمولة النهر من الغرب لترسبها شرقا بما فيها من طمي ورمال لتترسب الرمال الثقيلة وتظل الناعمة عالقة فتترسب الرمال السوداء والكوارتز على مدى السنين حسب كثافة المعادن وحسب طبيعة الشاطئ والأمواج والتيارات والمد.