الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

صورة خارطة المستقبل المصرية في الصحافة الإماراتية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

قام الباحث الزميل دكتور هشام عبدالغفار أستاذ الصحافة المشارك بكلية المعلومات والإعلام والعلوم الإنسانية بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا بدولة الإمارات بإعداد دراسة مهمة عن صورة الانتقال السياسي في مصر (خارطة المستقبل) في صحافة دولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك في الفترة من 30 يونيو 2013 وحتي إقرار الدستور الجديد كخطوة أولى في خارطة المستقبل في يناير 2014.

وقد اهتمت الصحافة الإماراتية بالانتقال السياسي في مصر في إطار اهتمامها بالعوامل الهيكلية لعدم استقرار أنظمة ما بعد الربيع العربي، حيث أن عدم الاستقرار في رأي الخبراء المتخصصين في العلوم السياسية هو سمةٌ ملازمةٌ لمرحلة ما بعد الثورات والانتفاضات الشعبية بما يصاحبها من انهيارٍ لنظمٍ سياسيةٍ وإسقاطٍ لنُخبٍ حاكمة، ولايعود هذا الاهتمام الواضح فقط إلي الدور المؤثر الذي قامت به دولة الإمارات العربية المتحدة في دعم السلطة الانتقالية في مصر، بل يرجع أيضا إلي أهمية هذا الانتقال السياسي علي مستويات متعددة كان من أبرزها مستوى العلاقات الخليجية المصرية التي تحولت بعد سقوط حكم الإخوان من الحالة التقليدية الرتيبة و النمطية إلي حالةِ الدفء والحركية بما فرض علي الصحافة الإماراتية أن تخصص لهذا الانتقال السياسي مساحاتٍ واسعةٍ لتحليلِ أبعادِه وتفسيرِ دلالاتِه وسبرِ أغوارِ أحداثِه الدينامية وتفاعلاته التي تنطوي علي صراعات عميقة ومحتدمة بين أطراف متعددة مما أدي في التحليل النهائي إلي صورة إعلامية تظهر عناصرها في محتوى خطاب الصحافة الإماراتية إزاء أحداث الانتقال السياسي في مصر.

ويمكن القول إن أحداث الانتقال السياسي في مصر خلال هذه الفترة مثلت في جوهرها بؤرة لتقاطع عدة مستويات من الصراع اشتركت فيه عديدٌ من الأطراف الدولية و الإقليمية ، وانعكس ذلك في جدل اعلامي واسع علي مختلف المستويات الدولية والاقليمية والمحلية حول الأحداث في هذه الفترة وما إذا كانت تمثل ثورة أو انقلاباً من ناحية ، وحول تداعيات هذه الأحداث التي اقتربت من التدويل من ناحية ثانية، وحول مستقبل جماعة الإخوان المسلمين ونهاية النموذج الذي تمثله و تأثير ذلك علي منطقة الخليج خاصة من ناحية ثالثة.

وترجع أهمية الانتقال السياسي في مصرللصحافة الإماراتية أيضا إلى عمق العلاقات الأخوية الخاصة بين مصر والإمارات علي المستويين الحكومي والشعبي، وتأثير طبيعة النظام السياسي في مصر علي التوازنات الأمنية في منطقة الخليج. ومن هنا تجلت أهمية صورة الانتقال السياسي في مصر خلال الفترة من 30 يونيو 2013 حتي إعلان نتائج الاستفتاء على الدستور الجديد في 18يناير 2014 في خطاب صحيفة الخليج الإماراتية أكثر الصحف اليومية الإماراتية اهتماما في مقالاتها بهذا الانتقال السياسي والمعروفة بتوجهها القومي العربي الذي التزمت به في كافة مراحل نشأتها
وتطورها.

واعتمدت الدراسة علي منهج المسح الشامل لكل مقالات الرأي في خطاب صحيفة الخليج الإماراتية خلال فترة الدراسة التي أشرنا إليها سلفاً، وقد تم اختيار صحيفة الخليج الإماراتية بناءً علي دراسة استطلاعية للصحف اليومية الإماراتية خلال فترة الدراسة قام بها الباحث بينت نتائجها أن هذه الصحيفة هي أكثر الصحف اليومية الإماراتية التي تناولت في مقالاتها الانتقال السياسي المصري خلال فترة الدراسة، وقد يعود ذلك إلى توجهها القومي العربي الذي يميز سياستها التحريرية. وقد اقتصرت هذه الدراسة على مقالات الرأي فقط ، لأنها حتي وإن انطلقت من حادثة أو
واقعة ما تتجه نحو إصدار الأحكام العامة أكثر من أي شكل صحفي آخر.

وقد جاءت الأطروحات الخاصة بسمات الانتقال السياسي في مصر في خطاب صحيفة الخليج الإماراتية مبينةً لجوهره الصراعي، حيث تقول الدكتورة أمينة أبو شهاب: "سنة 2013 هي سنة الإخوان المسلمين ، ليس لأنهم جنوا فيها مكتسبات جديدة فائقة و قطعوا أشواطاً تاريخيةً في سبيل تحقيق أهدافهم، وإنما لأنهم طبعوا العام المنصرم بختم جماعتهم وفرضوا حضورها فيه وفي أحداثه، فشكل العام 2013 أكثر الفترات تأججاً في الحرب بينهم و بين تكوين الدولة المصرية وصراع الوجود الذي يعيشه الطرفان منذ وجدت الجماعة. الحرب في 2013 كانت علنية ومفتوحة الجبهات ولا يتوفر فيها للإخوان الآن أي وسيلة مؤثرة وماكرة و مجربة لاستدراج أجهزة الدولة ومشاغلتها و إنهاكها وصولاً لإضعاف شعبيتها وإدانتها دولياً".

ويصف محمود الريماوي الصراع الكامن في عملية الانتقال السياسي في مصر قائلاً: "حدث في مصر ما كان أقرب إلى الكوابيس : نُذُرُ حربٍ أهليةٍ متصاعدةٍ، انشطارٌ أهلي، اعتماد العنف وحده لمعالجة أزمة سياسية، تعطل الحياة العامة، واستهداف مرافق الدولة وخاصةً مراكز الشرطة، وتهديد مراكز دينية وكذلك رموز دينية إسلامية ومسيحية معاً، ولجوء حزبٍ بعينه إلى استخدام السلاح جهاراً نهاراً، وإعلان حالة الطوارئ و حظر التجول ليلاً. هذه التطورات مخيفة فهي أشبه بكرة النار التي كلما تدحرجت أكثر ازداد لهيبها وتطاير الشرر منها لتنشأ عنها كرات لهب   أخرى".

وجاءت أطروحات صحيفة الخليج الإماراتية لتبين طبيعة الانتقال السياسي في مصر باعتباره صراعاً بين قوى الدولة والمجتمع المدني المصري من ناحية والإخوان و مناصريهم من ناحية أخرى، حيث يوضح فيصل جلول تفاصيل هذا الصراع قائلاً: "كانت تجربة الحكم الإخواني في مصر أقل فعالية وأكثر ارتباكاً وربما دفعهم الخوف من الفشل إلي الإمساك بمفاصل الدولة لمواجهة المتضررين في كل قطاعات الدولة والجيش والشرطة والمجتمع المدني، والراجح أن يكون المرشد العام للجماعة قد ارتكب خطأً فادحاً عندما أصر على المواجهة مع كل هذه الفئات دفعةً واحدةً متسلحاً بشرعية الانتخابات وكأن الثقافة السياسية الديمقراطية للناس راسخة وطويلة ومجربة إلى الحد الذي يمكن أن يغفروا ما سمي بالأخونة وألا يتجرأوا علي الإطاحة بالسلطة الإخوانية في الشارع. لقد حرم العبء الأيديولوجي للإسلام السياسي الإخوان المسلمين من هامش المناورة في منعطفين كبيرين، الأول عندما تسلموا السلطة منفردين وتجنبوا الائتلاف كما فعلت النهضة في تونس، والمنعطف الثاني عندما سخروا من تظاهرات 30 يونيو و 3 يوليو، وبالتالي امتنعوا عن التفاوض مع الفريق السيسي علي صيغة سياسية تجعلهم شركاء مضاربين في سلطة قيد البناء".

وتبين صحيفة الخليج في افتتاحيتها أيضا سمات هذا الصراع قائلةً: "يريدون إسقاط الدولة ومؤسساتها التي اختطفوها لعامٍ كامل، و لما فشلوا يسعون الآن لتدميرها من خلال تظاهرات عنيفة يتم فيها الزج بالنساء والشيوخ والأطفال، وعمليات التخريب والاغتيالات التي تستهدف القيادات السياسية والعسكرية والمنشأت الرسمية، ولايتورعون عن ارتكاب المعاصي والآثام والتطاول علي مقامات سياسية ودينية وعسكرية بدافعٍ من الحقد و الكراهية. إنهم يدعون امتلاك الشرعية السياسية والدينية اعتقادً منهم أن التفويض الشعبي الذي حصلوا عليه قبل أكثر من عام هو تفويض
أبدي ، أو هو صك ملكية مصر منحهم إياه الشعب المصري الذي اختارهم علي حين غِرة و في غفلةٍ من الزمن.
ولما اكتشف حقيقتهم قرر سحب التفويض يوم 30 يونيو لتقويم ثورة 25 يناير وتعديل مسارها وتحقيق شعاراتها التي غدر بها الإخوان و أفرغوها من مضمونها، بل حاولوا استبدالها بشعاراتٍ ومضامينَ هجينة خارج ثقافة وقيم مصر والمصريين لأنها تضرب الوحدة الوطنية في الصميم وتلغي تراثاً مصرياً عظيماً يمتد لآلاف السنين بهدف إقامة دولة دينية ظلامية تعود بالمصريين إلي كهوف الجاهلية و تقودهم إلي الانخراط في مشاريعَ مشبوهةٍ خارج الموقع الحقيقي لمصر و دورها".
الدراسة لها عديد من النتائج المهمة وتستطيع عزيزي القارئ متابعتها بالتفصيل على موقع المركز العربي للبحوث والدراسات.