الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوادث وقضايا

ننشر نص كلمة المستشار سامي قبل حلف "السيسي" اليمين الدستورية

 المستشار ماهر سامي،
المستشار ماهر سامي، نائب رئيس المحكمة الدستورية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حصلت "البوابة نيوز"، على نص كلمة المستشار ماهر سامي، نائب رئيس المحكمة الدستورية، قبل حلف عبدالفتاح السيسي، اليمين الدستورية، رئيسًا للجمهورية.
"باسم الإله الواحد، الذي نعبده جمعيا، وهو حق وعدل، وخير وسلام، ورحمة ومحبة.
باسم هذا الوطن العظيم،  مصرَنا الغالية، الذي لا نكاد نحس قداسته إلا بعد أن يضيع منا، فنُفيقَ من غفوتنا، ونبدأَ نرتاع ونلتاع، وتتوه خطانا، نركض في كل اتجاه بحثًا عن الوطن المفقود، ونكتشفُ أن الوطن تسرب من بين أيدينا، انسياب الماء من بين الأصابع، وأن أديمها قد تشقق من لفحات الهجير، وصفرت راحاتُنا من أثر لوطن، ما عاد هنالك وطن، حتى أعلن البعضُ وفاته، لكن مصرَ أبدًا لا تموت.
باسم الشعب المصري الذي لم يدرك البعضُ قدرَه بحق فأسقطه من حسابه زمنًا طويلًا، وظنهَّ غافلًا أو غافيًا أو عاجزًا أو يائسًا، بعد أن طال صبرُه، وصمتُه، فإذ بالمارد ينتفض ثائرًا هادرًا تتفجر عروقُه بالغضب والتمرد والرفض متوهجا بالعزيمة والإصرار أن يسترد الوطن الغائب ويستعيدَ له كرامتَه وكبرياءَه وكيانَه.
باسم أرواح الشهداء التي تُطلِ علينا في هذه اللحظة من عليائها في السماء، وتحلق فوقنا، تصوب عيونها نحونا بنظرات وادعة تسكنها الغبطة والرضا بما قدمته لمصر، هذه التي امتزجت دماؤها الذكية بتراب أرضها الطاهرة، فمات أصحابُها كي تحيا مصر، ونعيشُ نحن، بعد أن حفروا لنا في الزمن الآتي يومًا مشهودًا جئنا اليوم لنحتفلَ بهِ معا.

تشهد المحكمة الدستورية العليا يوما خالدا في تاريخها، تجرى فيه مراسمُ أداء اليمين الدستورية للسيد الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي حظي بإجماع الشعب المصري، وحاز ثقتَه واجتمعت إرادتُه على اختياره رئيسا للبلاد.
يقول المستشار الجليل الراحل الدكتور عوض المرّ رئيس المحكمة الدستورية العليا الأسبق الذي تحمل القاعة التي نجلس فيها الآن اسمه، في إحدى مدوناته الرفيعة عن ثوابت المبادئ الدستورية: «إذا لم تُوِفّق الثورةُ أوضاعَها مع المفاهيم والقيم الدستورية، وظل نشاطُها ومناهجُها في العمل تعبيرًا عن توحِشها من خلال السلطة التي تستبد بها، وبنقضها ما توقعه الشعب منها، فإن طاعتها لا تكون واجبةً عليه، وإنما يكون له الحقُ في التمرد عليها، وعصيانها، وإزاحتها عن مقاعد السلطة لضمان حقوقه التي تكفلها النظمُ الديمقراطية» وتلك هي "الثورة على الثورة".
إن الذي وقع في 30 يونيو نموذجُ حي يُجسّد ما تحدَّثَ عنه شيخ القضاء الدستورى الراحل، ذلك أن الشعوب لا تمنح بيعة أبدية، ولا شرعية أبدية لحكامها ولا تفويضًا مفتوحًا لأحد منهم.
لقد استطاعت ثورة 25 يناير المجيدة أن تهِزَّ أركانَ النظام السابق وتدك عروشه، وقلاعه المتصدعة المتهاوية وترسم ملامحًا جديدة لوجه الحياة في مصر، لكن أصحابها لم يمكثوا طويلًا في الميدان، فرحلوا عنه بعد أن تفرقت بهم السبل، وقبل أن يحققوا ما ثاروا من أجله فوقعت الثورة أسيرة في قبضة جماعة انقضت عليها، وفتكت بها ومزقتها أشلاء مثلما مزقت الوطنَ كلَّه.
لم تكن ثورة 30 يونيو مغامرة أوحت بها دَفقة انفعالات وطنية جارفة، ولا هي انقلابًا عسكريًا كما روج بعض المرجفين، ولكنها ثورةُ شعب ضاق بما حلّ به من خراب، وتعرض له من غدر وظلم وحكم جائر، حتى لم يبق في قوس الصبر منزع.
في لحظة الخطر الداهم الذي ألمّ بالوطن وهدده بالسقوط ينذر بدماره بعد أن تطايرت إليه شراراتُ لهيب الفتنة وشرورُ أعداء الوطن احتضن الجيش الشعب مصغيًا لدقات قلوب المصريين التي احترقت بزفرات الغضب والألم، فخفق قلب القائد وجنوده متوحدًا مع نبض الجماهير، وانصهر الشعب والجيش في سبيكة واقية تزيح أمامها القهر والاستبداد.
هذا هو 30 يونيو الذي نقطف اليوم إحدى ثماره في هذا الاحَتفال.
يعود إلينا في أوبة ظافرة سالمة القاضي الجليل عدلي منصور رئيس المحكمة الدستورية العليا، وإلى مقعده على المنصة العالية الشامخة التي وهبها سنواتِ عمرهِ كلَّها، تحف به أنبلُ مشاعرِ الحب، والعرفان، والتقدير التي يحملها المصريون لهذا الرجل المحترم بكل ما تُشيعه هذه الكلمة من معان.
وهذا القاضي الفاضل العادل الذي افتقدته المحكمة، فقد أوحشتنا بحق، بعد غياب ما يربو عن العام لم تضن به المحكمة الدستورية على الوطن حين منحه ثقته، واختصه بمهمة تاريخية مقدسة في فترة من أصعب فترات نضاله، وكلفه بأدائها، في وقت كانت المحكمة في أشد الحاجة إلى وجوده فيها، لكن حاجةَ الوطن إليه كانت مصيرية. ولا أريد أن يسرقني الحديث فأَزيد حتى لا أقع في دائرة المحاذير الشائكة خاصة عندما يكون الكلام عن زميل عزيز، وأخ كريم، وصديق نبيل نعتز بصداقته جميعًا.

سيدى رئيس الجمهورية
أيها الجندي الثائر ابنَ مصرَ البار، فقد اخترت الوقوف إلى جانب شعبك عندما لاذ بك تصد عنه غائلة العدوان الغادر متحملًا مخاطر ومهالك هذا الاختيار المصيري في سبيل إنقاذ الوطن ونجاة شعبه.
وحفظ لك هذا الشعبُ بامتنان موقفكَ الجسورَ الفدائي والتف حولك، واحتمى بك، وتوسم فيك الأمل في ميلاد جديد للوطن، وأعطاك ثقته الغالية بمشيئة حرة، وإرادة مستقلة، واختيار طليق كي تمضي معه تستكمل تحقيق حلمه في مستقبل أوفرَ حرية وأعز كرامة وأكثر عدلًا وأمنًا ورخاء.
تحيةُ شكر وعرفان، وتهنئة بالثقة الغالية التي أولاكم الشعب إياها، ودعوة صادقة إلى المولى ـ جلّ جلاله ـ أن يمنحكم التوفيق، وينعم عليكم بالصحة والسلامة، ويلهمكم الرشاد والسداد، ويبارك جهودكم الوطنية المخلصة من أجل رفعة مصر ـ وطنًا وشعبا.

حفظ الله مصر، وحمى شعبها، ووقى الاثنين شر الفتن والدسائس وجنبها بغي الظلم والظالمين. إنه نعم المجيب.