الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

كيف يصبح الإعلام مؤرخًا أمينًا بلا أقوياء؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

  استطاع الإعلام أن يقدم طرقًا مختلفة لحفظ الأحداث خلال فترة التطورات الإعلامية الحديثة. تميزت هذه الطرق بقدرتها على إعادة ما حدث بكل تفاصيله، صوتًا وصورةً وروحًا. وهو مالم يكن متاحًا قبل ذلك بذات الجودة. يمكنك الآن أن تعيش ما حدث بالأمس أو في الشهر الماضي أو في العام الماضي بكل تفاصيله من خلال استخدام وسائط العرض المناسبة لذلك. إلا أن هذا يجعل من كل إنسان يصنع المحتوى مشروع مؤرخ كما أشرنا لذلك في المقال السابق. 

   يضعنا هذا أمام كيفية التعامل مع هذا المحتوى كتاريخ للغد أيًا كان هذا المحتوى. يتفق معظم المؤرخين على أن الرؤية الذاتية لأي كاتب من أكثر ما يخشاه الأفراد حين تتم كتابة التاريخ. لذا نجد المحققين في المؤرخين يبحثون في نشأتهم وعلاقاتهم العامة والشخصية مع ذوي الفكر والنفوذ في عصورهم. وهو أمر كان يفيد حين كانت أساليب النشر محدودة. إذ يمكن مصادرة كتاب أو إغلاق صحيفة أو برنامج لمجرد أنها تنشر معلومات كاذبة تعود لتدخل ذاتية المؤلف فيما يقدمه. لكننا الآن في عصر يمكن أن نصل فيه لحد عدم معرفة الناشر الحقيقي فما بالكم بالمؤلف الحقيقي. لذا أصبح أمر معرفة مصادر ذاتية المؤلف من الصعوبة بمكان. يمكن حل ذلك إلكترونيًا بأن يسمح بوضع بصمة إلكترونية على بعض المحتويات، رغم ما قد يسببه ذلك من جدل حول حرية النشر والاعتداء على خصوصياته. يعد هذا النقاش في حد ذاته صحيًا لأنه قد يؤدي لتحديد المحتوى الذي يعد شخصيًا ويحتاج للخصوصية وذلك الذي لا يعد كذلك لدى غالبية المتناقشين الذين يجب ألا يتم تحديدهم بأي صفات على الإطلاق. لم يعد المؤلف أوالناشر شخصًا له خصائص محددة حتى نحدد أشخاصًا للنقاش. 

   تأتي المرحلة التالية بعد إنتاج النص ونشره في مراحلها الأولية، متمثلة في حفظه. نعلم أن لكل تاريخ أرشيف خاص به، أو وعاء لحفظه. هذا الوعاء له إمكانيات لحفظه. رأينا سالفًا في الأفلام القديمة كيف كان الباحثون في التاريخ يذهبون للمكتبات ويشاهدون الأخبار الصحفية محفوظة في الميكروفيلم والميكروفيش، وتجد الباحث يتجول بين تلك الأخبار على شاشة العرض المضيئة. هذه الأخبار كان يتم فحصها قبل حفظها وكتابات ملحوظات حولها تفيد الباحث حول طبيعة نشرها، وربما إمكانية الثقة فيها. غابت الآن المكتبة وملحوظاتها وقدرتها على مساعدة الباحث عن التاريخ. ومن هنا نحتاج لبديل لهذا. جميعنا نستخدم الآن تعبير "Google it" إشارة إلى البحث عن المعلومة على جوجل حين تنعدم أو تقل المعلومات حولها. لا شك أن هناك إمكانيات لكل محرك بحث فيما يخص تمييز المعلومات التي يمكن أن تكون درجة مصداقيتها عالية والعكس. لكن يواجه العالم أجمع الآن إشكالية من يحدد المصداقية العالية. ليس هناك هيئة تحرير لما يكتب على الإنترنت. ولا يمكن قص ما ينشر في الأساس على الإنترنت ولا تقليل تأثيره حين ينتشر بين مجموعات كبيرة من البشر بناء على رأي شخص بعينه. يستطيع الآن كل من يتعرض للمضمون الإعلامي أن يقوم بدور المحقق لصلاحية الإعلامي كمؤرخ للحدث وفق معاييره الشخصية، بل ويمكنه أيضًا أن يضع أوعية الحفظ التي يراها، والتي يمكن أن تنتقل لمن يلونه بالتالي بذات أساليب الحفظ ومزاياها وعيوبها. 

   إن هذا التصور السابق للوضع الحالي مع القدرات الكبيرة لمحركات البحث عن أشياء لا يمكن السيطرة على انتشارها وحفظها، يعني أن الوعي صار ضرورة ملحة للتعامل مع وضع ضوابط تنفيذية. إن الوعي الآن لم يعد مجرد مقررات تعليمية يتم تلقينها أو ندوات يطوف المتخصصون بها على أسماع المستهدفين. إن التسويق الحديث يعمل على تحقيق أهدافه الآن بطريقة المشاركة. إن تسويق أي فكرة لا بد أن يتم على يد من تريده أن يتلقاها. يكون ذلك ببرامج يتم نشر المحتوى فيها عن طريق الأشخاص الذين نريده أن يصل إليهم. نعتد لذلك طرقًا مدروسة توصل إليها البحث في مجال التسويق بميادين الواقع. 

  نخلص من كل ما سبق إلى أن الإعلام يسجل التاريخ الآن بطرق غير تقليدية. يجب على كل المسؤولين أن يحرصوا على حفظ التاريخ عبر وضع ضوابط تؤمن الثقة بمن يؤرخ وأخرى خاصة بكيفية التأريخ والحفظ ذاته. لا يوجد مفر هنا من أن تكون البداية معرفية تكنولوجية قانونية في ذات الوقت، لأن الشفاء من ذات الداء، وكل يفهم لغته. يكون كل ذلك مع مشاركة فعلية للمواطن في صناعة وعيه بيده. وأما قصة أن التاريخ يكتبه الأقوياء، فمن هم الأقوياء في عصرنا هذا؟. يعد هذا السؤال الأخير مستحيل الإجابة في الوقت الحالي لاستحالة توفر معطيات الإجابة عليه الآن. 

*أستاذة الإعلام بقسم الصحافة – كلية الآداب جامعة المنصورة