الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

صوت فلسطيني من قلب غزة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

منذ بدء العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، ودخوله شهره الرابع، يئن سكانه البالغ تعدادهم نحو 2 مليون و300 ألف نسمة، من شتى أنواع المعاناة التي تعجز كلمات هذا المقال فى وصفها، أو حتى تنجح فى التعبير عن حجمها وما يصاحبها من مشاعر القهر والظلم التي لا توصف. وللأسف فشلت وسائل الإعلام المختلفة أو على الأقل تغاضت عن نقل معاناة المواطن الفلسطيني المدنى العادي الذى لا ينتمي لفصيل هذا أو ذاك، المواطن الذي يرغب فى الحياة والعيش فى أمن وسلام، بعيدًا عن ويلات الحروب وأخطار المعارك. لم يهتم أحد بالمواطن الفلسطيني الذي يريد بناء بيت وتكوين أسرة ترغب فى العيش دون ترهيب وتخويف، حاله كحال أي مواطن آخر يعيش على بقعة من بقاع البسيطة، ولد  ليعيش وليعمر الأرض، ليس فقط ليقاوم حتى يستشهد. نعم المقاومة واجب وطني، لكن الحياة واجب إلهي/ إنساني، العيش فى أمان وهدوء واستقرار حق بشري كفله رب العالمين لعباده الذين خلقهم وأحسن خلقِهم. 
حقيقة الحالة الفلسطينية، هي حالة متفردة عن باقي حالات مقاومة المحتل، كما أن التركيبة الجينية الفلسطينية مختلفة عن أي جينات مقاومة أخرى، ومع ذلك ترغب تلك الجينات فى الحياة والاستمتاع بها كباقي البشر. فلنتخيل شخصًا يبني منزله، ويعمره بالزوجة والبنين والبنات، ويشيد مشروعه الخاص ليكبر وينمو أمام عينيه يومًا بعد يوم، لتأتي لحظة ما، وقرار ما، يهدم كل ذلك ليذهب هباء منثورا، فينهار المنزل ويُقتل الأولاد، ويتدمر المشروع. كم حالة فلسطينية هكذا، كيف يشعرون، كيف يتألمون، كيف يعانون؟ لماذا لا ترفع أصوات هؤلاء الفلسطينيين الذين يرغبون فى العيش على منصات الإعلام المختلفة، وفقط يطلب منهم الصمود والمقاومة فى مواجهة المحتل الغاشم، يطلب منهم الاستشهاد والموت تحت الأنقاض، فقط لتصورهم الكاميرات وهم فى أكفان ونعوش وسط صمت وعمى  دولى، لماذا فقط يموت الفلسطيني والعالم كله يتفرج عليه عبر شاشات التلفاز والكومبيوتر، لماذا فقط الفلسطيني، يشاهد العالم دماره وتشرده، ولا يجد سقفًا ولا لحافًا يستر به نفسه وأولاده سوى عنان السماء والجميع يشاهد ويصمت، ويطالبه فقط بالصمود....يجب أن يصل أصوات هؤلاء الفلسطينيين، الذين فقط يطلبون العيش كباقي البشر، غير محروم من أبسط وأقل إحتياجاته الأساسية، لذا يجب أن نوصل أصواتهم لهذا العالم ليسمع ويرى لعله يعي ويتحرك...صديقي الأستاذ يوسف أبو فهمي، أحد هذه الأصوات الذي يريد أن يسمعه العالم، فبعد أن كان مواطنًا فلسطينيًا ميسور الحال، لديه منزله الدافئ الآمن، وسيارته الجيدة، ووظيفته المحترمة، بات بين ليلة وضحاها نازحًا مشردًا بين المخيمات ينتقل من منطقة لأخرى بأسرته هائمًا على وجهه لا يعرف مصيره، إلى أن أستقرر به الحال فى خيمة بدائية بمدينة رفح، تبعده مترات معدودة عن الحدود المصرية، التي يشاهدها فقط ليطمئن قلبه، ليعاوده الأمل أن يستقر فى منزله المدمر مرة أخرى. أبو فهمي بعث لي برسالة صوتية من رحم المعاناة، يريد أن يصل بصوته إلى العالم ليسمع صراخه وأنينه، ليس هو فقط بل صوت الآلاف من الفلسطينين، ضحايا الحرب والقرارات الخاطئة. 
في البداية يتحدث أبو فهمي وصوته يعلوه نبرات الحزن والبؤس، لم أعتاد سماعها منه، بأنه أضطر منذ أكثر من شهرين إلى مغادرة منزله ومعه ألاف المدنيين الفلسطينيين من مدينة غزة نحو جنوب القطاع بعد تهديدات القصف والإرهاب الإسرائيلي، على أنها مناطق آمنة، وهو ما لم يحدث، وأضاف، واصلنا النزوح مع الألف النازحين إلى أن استقرينا فى خيم إيواء بمدينة رفح نتيجة لحرب ليس لنا فيها ناقة ولا جمل، وأصفًا نفسه بأننا ضحايا الحرب المجنونة بدون أي سبب. 
عن المعاناة التي يعيشها أبو فهمي وأقرانه من الفلسطينيين تتمثل فى فقدان كل شئ، حيث لا يوجد أبسط مقومات الحياة الأساسية، فالكهرباء أصبحت حلمًا بعيد المنال، وتقريبًا نساها الفلسطينيون النازحين منذ السابع من أكتوبر، ووصف وجود المياه فى قطاع غزة بالمأساة، وأن توفير جزء  بسيط من المياة لكي تلبي فقط أدنى متطلبات الأسرة الفلسطينية. ووصف الحال الآن بأن الفلسطينيين لا يملكون سوى الصمود الإجباري، والصبر على الوضع المأسوي، مهاجمًا الإعلام الذي يطالب الفلسطينيين بالصمود، ولا يرى أنهم يموتون من نقص الأدوية والغذاء ومن البرد القارس، خاصة وأنهم فى ذروة فصل الشتاء، فالأطفال والنساء يموتون من شدة البرد ونقص الدواء أو بالأحرى عدم وجود دواء، فضلا عن استغلال البعض فى رفع أسعار الغذاء بشكل غير مسبوق والتي تجاوزت ال20 ضعف عن سعرها الأصلي ليصل كيلو البطاطس على سبيل المثال لأكثر من 150 جنيها مصريا، ولم ينخفض هذا السعر إلا بعد دخول البطاطس المصرية لقطاع غزة، فيما يتم بيع طبق البيض بنحو 12 دولار أي بأكثر من 600 جنيها مصريا. كما أنتقد أبو فهمي موضوع المساعدات الانسانية التي تدخل القطاع، والتي لا تلبي احتياجات 10% منه، ويرى أن مصر والقيادة المصرية ي الوحيدة القادرة على رفع المعاناة والظلم عن الشعب الفلسطيني المقهور. 
وإلى هنا وصلت معاناة صوت فلسطيني مقهور من قلب قطاع غزة، يرغب فى الحياة ولا يريد أن يتحول من نازح إلى مهجر،  وتكرار مأساة 1948، لذا لا سبيل لمنع حدوث ذلك سوى التحرك العربي الجماعي، لوقف الآلة الحربية الإسرائيلية الغاشمة، لإنقاذ ما تبقى من صمود لدى الشعب الفلسطيني المحب للحياة كغيره من الشعوب.