الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عزيزي الشتاء.. رفقًًا بنا!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

اعتدتُ أن أستقبل كل شتاء على مضض.. لا أحب الشتاء، ولا أظن أنه يحبني. تفاصيل الشتاءات الماضية في حياتي كانت تأخذ الكثير وتعطي القليل. غاب أعز الأحبة في مطلع الشتاء كما يغيب سطوع ضوء الشمس. يأتي الشتاء فيزيد الظلام. ينام الكثيرون مبكرًا. يطول الليل. يبرد الوقت. حينه تكون وحدك أكثر إن لم تكن تجيد النوم أنت أيضًا. وتبدأ في ممارسة شيء يُسمى الحنين. 

   هذا الحنين لا يسمن ولا يغني من جوع. هو فقط يضعك أمام الإحساس بغياب هؤلاء الأشخاص الذين لم يعودوا هنا وتلك الأشياء التي لم تعد تجدها وهذه الأماكن التي لن تكون فيها مرة أخرى. المشكلة أن ممارسة الحنين ليست اختيارية على الإطلاق. أنت لست مخيرًا. هي نوبة مثل نوبات الأزمة القلبية. كيف يمكن لك أن توصي هذا القلب بأن يهدأ دون أن يدفأ؟! وكيف يدفأ حين لا يجد من يدفئه وما يملؤه؟!. 

   أعلم أن الكثيرين من محبي الشتاء يجيدون ممارسة الكثير من الأنشطة في ظلام الغيم وبرودة الطقس الكسولة، إلا أنني أعلم أن الصيف الحار النشيط يحتضن أجمل المهرجانات وأروع إطلالات البحر بموجه المتهادي على الشاطيء دون جنون المد العالي. إن الطبيعة تعاني في الشتاء وهم يستمتعون بالمعاناة. إن السحب تئن تحت حمولات الماء، ثم تصطك ببعضها صاعقة نظيراتها بكهرباء البرق. تصعق. لا أزهار في كثير من النباتات في الشتاء. تختفي الكثير من الطرقات تحت ندى كثيف للصباح. نعاني كي نستيقظ. حتى نحن نعاني. فأي جمال في تلك المعاناة؟!.

   استطعت أن أصادق الموسيقى في الشتاء. لكنها موسيقى حيوية تشبه الصيف. موسيقى أحاول بها استئصال بطء إيقاع الشتاء من أوردتي. موسيقى تحبني لأنها توقظني. حتى القهوة التي أعشقها تتغير رائحتها تحت درجات الرطوبة الكبيرة العالية والضغط الجو الخانق في كثير من الأحيان. يتحول لونها لدرجة أفتح. تبرد سريعًا وكأنها تزهد البقاء في فنجانها بمجرد أن تلامس جداره الناعم البارد. يرحل دخانها سريعًا. وتبدو أسطورة احتساء القهوة الساخنة خلف الزجاج البارد مشهد سريع من فيلم لا يبقى منه بعد دقيقات سوى فنجان بارد يشخص بعينه الوحيدة في وجهك طالبًا أن تحفظ ماء وجهه وتشرب حمله الثمين دون أن تزعجه كثيرًا باتهامات لا يد له فيها. اشرب القهوة سريعًا جدًا وإلا ستجدها هي الأخرى تعاني.

  هذا الشتاء سمعت كما سمعتم تقارير جوية تؤكد أنه سيكون من أبرد فصول الشتاء التي تمر بنا نتيجة للتغيرات المناخية التي تخضع لها الكرة الأرضية. مع ظروف اقتصادية ليست أفضل ظروف يمر بها العالم كله اقتصاديًا. أضف إلى ذلك شريط الأخبار العالمية الذي يتحدى محاولاتك للعيش بسلام في كثير من الأحيان في بلدان تجاورك مباشرة. هذا الشتاء لن ينساه أحد. لأنه مختلف في تفاصيله. ليس هذا فحسب. نحن أيضًا هذه المرة مختلفون وليس هو المختلف وحده. فمن منا يدخل هذا الشتاء دون أن يكون شهر أكتوبر ونوفمبر غيراه تغييرًا جذريًا نتيجة لتغير العالم حولنا. لطالما تخيلتُ ذكاء الدببة لأنها تختار البيات في الشتاء. إنها بذلك لا ترى العالم إلا وهو في أبهى ألوانه وحلله. تخضع للنوم طويلًا دون أن تنزعج بمحاولات استيقاظ يومية مؤلمة تحت نير وجع الخروج من دفء الأغطية. 

   مرحبًا بالشتاء طالما سنحيا معًا لأشهر. ورفقًا بنا فنحن رفقاء رحلة نحاول الوصول معًا دون خسائر إلى الربيع. أنا ابتسم لمجرد أن كتبت كلمة "الربيع". فكيف إذا جاء الربيع. كل شتاء ونحن بخير.