الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

إنه حقًا «طوفانٌ» جَرَفَ أوهامًا كثيرة وأسقطها

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 بدد «طوفان الأقصى»؛ الذي قام به شباب المقاومة الفلسطينية البواسل؛ كثيرًا من التصورات الذهنية الزائفة التي نجحت الآلة الإعلامية للصهيونية العالمية في ترويجها في منطقتنا العربية والعالَم حتى باتت محفورة في عقل ووجدان كثير من الناس؛ أبرزها أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقْهَر. تلاشت هذه الأسطورة وانمحت على يد المقاتلين الفلسطينيين؛ واتضح مدى زيفها. إذ شنَّ أبطال «كتائب القسام» – الجناح العسكري لمنظمة حماس – في السابع من أكتوبر من هذا العام 2023 هجومًا مباغتًا وناجحًا على المستوطنات الإسرائيلية المحيطة بقطاع غزة، وتمكنوا من قتل وأسر أعداد كبيرة من الإسرائيليين في ساعات محدودة مما أربك القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية، فأصيبت بالشلل والذهول، وفقدت صوابها؛ وسلكت وكأن مسًا من الجنون قد أصابها!!  

          هدم «طوفان الأقصى» نظرية الأمن الإسرائيلية، وقهر الجيش الذي زعم قادته إنه أقوى جيش في منطقة الشرق الأوسط، وإنه يفوق في قوته الجيوش العربية مجتمعة. ومن الحقائق الدامغة التي سوف يُخَلِّدها التاريخ، والتي لن تمحوها المذابح الدموية المجرمة التي تمارسها إسرائيل بوحشية ضد سكان قطاع غزة: «إن جيش الاحتلال الإسرائيلي هُزِمَ في السابع من أكتوبر 2023 على يد أبطال طوفان الأقصى هزيمة غير مسبوقة». 

          كما كشف «طوفان الأقصى» عن زيف الدعاوي التي راجت عن أن إسرائيل دولة سلام، لقد اتضح إنها لا تزيد عن كونها مجرد عصابة مجرمة، محترفة القتل والتدمير، ولا تعرف للسلام معنى، تُلْقِي بأطنان القنابل – التي تعادل أكثر من قنبلة ذرية – على سكان غزة بغية إبادتهم جميعًا، مرتكبة بذلك أبشع الجرائم والمذابح التي لم يعرف لها التاريخ مثيلًا. تقصف إسرائيل المستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء دون رحمة أو شفقة، وتحاصر أكثر من 2 مليون فلسطيني داخل القطاع؛ بهدف حرمان سكانه من الماء والغذاء والدواء والوقود؛ وكلها ضرورات حياة، مع القصف العنيف الذي لا ينقطع ليل نهار. ولقد أدرك الرأي العام العالمي حقيقة إسرائيل الإجرامية، وكيف أنها شنت حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني؛ فخرج مئات الآلاف في تظاهرات حاشدة في كافة عواصم العالَم ومدنها، منددةً بالمذابح الإسرائيلية. هكذا أسقط «طوفان الأقصى» حمامة السلام الإسرائيلية المخادعة، وعرَّى وهم السلام الإسرائيلي الزائف الذي مازال يدافع عنه بقوة بعض المتصهينين. 

أسقط «طوفان الأقصى» ورقة التوت التي كانت تستر عورة بعض قادة العالَم الغربي؛ الذين أشبعونا حديثًا عن حقوق الإنسان. لقد أيقظنا ذلك الطوفان من سباتنا الدجماطيقي، وأدركنا إننا نعيش اليوم في عالَم بلا ضمير؛ عالَم فقد إنسانيته، ظل يدعو ردحًا طويلًا من الزمن لقيم إنسانية رفيعة، ويؤكد قدسية الحياة البشرية، وينادي بالعدل والمساواة، واحترام حقوق الآخر، ويدافع عن حقوق الإنسان في العيش بحرية وأمن وسلام. ورأينا العالَم الغربي «الحر» و«المتمدين» ينتفض دفاعًا عن تلك القيم داعمًا لدولة أوكرانيا ومساندًا لها إزاء الهجوم الروسي ضدها؛ في حين وجدناه يتخذ موقفًا مؤيدًا لإسرائيل ومتواطئًا معها في حربها الوحشية على سكان غزة. إذ انخرطت الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول الغرب في دعم العدوان الإسرائيلي، وقدمت لإسرائيل مساعدات عسكرية واقتصادية وسياسية؛ ورفضت وقف إطلاق النار تأييدًا لحق إسرائيل في إبادة الشعب الفلسطيني في غزة وإرغامه على ترك أرضه. إذا لم يكن هذا الموقف من جانب بعض أبرز دول الغرب يسمى «ازدواجية مفضوحة في المعايير»؛ فماذا يمكننا أن نُطْلِق عليه؟! 

فنَّد «طوفان الأقصى» أكذوبة أن إسرائيل دولة صغيرة وضعيفة وفي حاجة إلى دعم حكومات وشعوب العالَم لحمايتها من عدوان دول وشعوب المنطقة. وسعت إسرائيل منذ قيامها للاستحواذ على تعاطف الرأي العام العالمي معها الذي نظر إليها دومًا بوصفها ضحية العدوان العربي الدائم!! ولقد نجح «طوفان الأقصى» في إظهار مدى شراسة إسرائيل وإجرامها من خلال مئات المذابح التي ارتكبتها في حق السكان الآمنين؛ إذ قتلت حتى الآن أكثر من 12000 فلسطيني من بينهم 4500 من الأطفال و3000 مازالوا تحت الأنقاض، وهدمت مئات الآلاف من المنازل والبنايات منها مراكز صحية ومدارس ومبانٍ إدارية، وقامت بتسويتها جميعًا بالأرض على رؤوس ساكنيها من النساء والأطفال. 

أثبت «طوفان الأقصى» أن المقاومة هى القلب النابض للأمة العربية، وأنها تمثل الإرادة الحقيقية لشعوب المنطقة.        

* أستاذ المنطق وفلسفة العلوم بآداب عين شمس