الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

نحيا حياة لا تشبه الحياة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

قال الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش: "كل ما حلمنا به حياة تشبه الحياة". وجميعنا يعلم أن الفلسطينيين لا يحيون حياة تشبه الحياة الآن. إن المقومات الأساسية للحياة كلها غير موجودة. بينما يوجد الموت في كل شيء. فهم يحيون الموت أو إنذارات الموت بكل تفاصيلها. في كل لحظة. لا يوجد كهرباء ولا ماء ولا طعام ولا حتى دواء يساعد على الإعاشة في غياب مقومات الحياة. تجاهد مصر طوال الوقت على تمرير صناديق للحياة المعلبة لهم طوال الوقت لأنها تريد لهم الحياة بكل تفاصيلها، لكننا لا نحيا وحدنا في المكان.

    لقد تسرب الشعور بالذنب لحياة كل إنسان على كوكب الأرض تقريبًا. إذا مارس أي منا أي شكل من أشكال الحياة البسيطة يتذكر أن هناك من يقتلون بحرمانهم منها، إذا أكل أو شرب أو شعر بالأمان، وهي أمور بديهية للحياة البشرية وليست هبات خارقة يمكن أن يمن بها أحد على آخرين. يكفي أنهم وحدهم ينتظر كل منهم دورًا مأساويًا في كوميديا سوداء. لا يملكون سوى خيارًا واحدًا "إذا كان من الموت بد فمن العار أن تموت جبانًا". 

    علينا أن نعبش أيضًا. علينا أن نأكل ونشرب ونتحرك ونعمل ونتنفس ونراقب أطفالنا وهم يلعبون ويضحكون ويختارون ثيابهم الجديدة. إننا نرسل لهم الدعم لكن هذا الدعم يحتاج للكثير من الخطوات التي لا نملكها كي يصل إليهم. لكن الشعور بالذنب يقتلنا يتسرب إلى حياواتنا وكأنه حجاب واقٍ من الحياة ذاتها. نعيش متألمين، لكن لا نحب أن نعرب من أننا يجب أن نعيش. الصور القاتلة والمشاهد الدموية تطارد الجميع داخلهم وليس فقط على الشاشات المضيئة وأوراق الصحف المطبوعة. صارت رأس كل منا نشرة أخبار مصاحبة لا يتوقف فيها عداد الضحايا وعداد مرات العجز عن إنقاذ كل منهم. إنها مأساة قدر لنا أن نحياها، وأن نحملها للأجيال القادمة. نعم هناك أفكار مضيئة يمكننا أن نصدرها كإحياء قضية بشكل قوي، وتصوير حقائق فظيعة للعالم كان لا يراها كما هي على أرض الواقع، وربما كانت تصدر له حقائق مغلوطة أو منقوصة بشأنها. إلا أننا مازلنا نتألم. ولا نعلم كيف نتوقف عن الألم. إننا ننخرط في الحياة اليومية فنجدنا ننخرط في حياتهم لا حياتنا دون أن ندري. 

    من كان يظن أن الحياة يمكنها أن تتحول إلى فيلم رعب مستمر طوال الأربع وعشرين ساعة؟!. لا يوجد رعب أكثر من انتظار الموت كل لحظة. من يقتلك معك كل لحظة، بل ويدعي أن من حقه قتلك وأنت لم تفعل شيئًا. يا إلهي بيتي لم يعد بيتًا بل مسرحًا للمعركة. من يمكنه أن يوافق على أن تصبح البيوت هدفًا للقنص وبها أحلام الأطفال العذراء؟! حين أحاول الكتابة كل أسبوع لا أدري ماذا أقول غير أنه فعلًا هؤلاء قوم لم يحلموا إلا بحياة تشبه الحياة. فهذه حياة لا تشبه الحياة على الإطلاق. وصارت حياتنا في معظمها حياة موازية للحياة. فأين هي الحياة؟! سامحونا إن كنا نكتب كلامًا يشبه الكلام.