الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عاطف عوض.. سطر مبهج فى تاريخ الفن

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 

 

هناك من يأتون إلى الدنيا ويغادرونها بلا أثر أو تأثير، وهناك من يعرفون حقيقة الدنيا فيجتهدون فى زراعة أثر طيب فى دنياهم وفى نفوس البشر.. ومن هؤلاء فى حفر أسمائهم بأحرف من النور زميلى وصديقى الصدوق الأستاذ الدكتور عاطف عوض، فكلانا من أبناء أكاديمية الفنون، وهو أحد أعلام معهد البالية، وعميده السابق، والذى كان له بصمات واضحة فى تجديده وتجميله، بشكل يليق بدوره فى نشر الفن الرفيع برقى وأناقة.

كنت أشعر أثناء مراحل تجديد معهد البالية، وإهتمام الدكتور عاطف بكل دقائق الأمور، وكأنه عريس يجهز بيته بكل الحب والإهتمام، ولم يبخل بوقته وهو المخرج ومصمم الرقصات الذى يتهافت عليه الكثيرون، ولكنه فضل دوره الأكاديمي بجانب إعادة ترميم وتجميل المعهد، وفضل ذلك عن أى أعمال أخرى تدر عليه الكثير.. ومعهد البالية هو المبنى المواجه لمعهدى الكونسرفتوار، لذلك عندما إلتحقت بالمعهد، أتيحت لى فرصة التعرف على الكثير من الطلبة والأساتذة.. كانت بداية إنتمائى إلى أكاديمية الفنون وأنا طفلة لا تتعدى التسع سنوات، وكنا نلتقى فى طفولتنا بالعديد من مشاهير الفن فى معهد السينما أو الفنون المسرحية أو الباليه، ومنهم د. عاطف عوض، هذا النجم الكبير، وأحد صناع البهجة والجمال فى أغلب الأعمال الإستعراضية فى المسرح والسينما والتليفزيون، وخاصة فوازير رمضان لنجمة الاستعراض الفنانة الكبيرة شريهان، وغيرها من كبار النجوم.. وكان عاطف يتعامل مع الجميع بأدب شديد، فهو رغم شهرته الكبيرة لم يصبه مرض الغرور أو التعالى وظل بكامل إنسانيته، بشوش متواضع أنيق فى كل تصرفاته، وكما هو معلوم هو من أسرة فنية، فهو إبن الفنان الكوميدي الكبير محمد عوض الذى لقب بـ”فيلسوف الكوميديا“، والذى كان له دور وطنى بعد هزيمة 1967، من خلال مساعدة الجنود على الجبهة، وتوصيل ما يحتاجونه.. أما والدته السيدة قوت القلوب عبد الوهاب فهى سيدة جميلة أرستقراطية، خريجة كلية الآداب قسم اللغة الانجليزية بجامعة عين شمس، إلتقاها والده أثناء تمثيلها باللغة الإنجليزية فى مسرحية فى أحد مهرجانات الجامعات، وكان والده رئيس فريق التمثيل فى جامعة القاهرة.. وبعد زواجهما تفرغت لبيتها وزوجها، واهتمت بتربية أولادها وإدارة كل أمور أسرتها، واعتنت بأولادها وأحسنت تربيتهم وتأديبهم.

عرفت الدكتور عاطف عن قرب حين إشتركت معه ومع العمالقة الكبار كعضو لجنة تحكيم فى برنامج (أستوديو الفن) للمخرج الكبير وصاحب البصمة الذهبية فى المنطقة العربية فى مجال برامج المنوعات أستاذ سيمون أسمر رحمة الله عليه، وكان أعضاء اللجنة الأساتذة العمالقة الكبار (نيللى، سيد حجاب، سناء منصور، حسن شرارة، نيفين علوبة، صلاح الشرنوبي، عاطف عوض، أمينة شلباية، طارق مدكور، رشا يحيى) ولاحقا إنضم الفنانان الكبيران (شيرين ويحيى الموجى).. كانت تجربة غنية مثيرة، بمثابة دورة تدريبية فى بداية حياتى العملية، وأنا مازلت معيدة حديثة التخرج، وكانت بداية صداقة حقيقية مع عاطف عوض، الإنسان النبيل فى تصرفاته، المعتز بكرامته، المحب والمحبوب من الجميع، ورغم ارتباطى بكل هؤلاء العظماء وحرصى على دوام الصداقة والعلاقات الطيبة بهم جميعا، إلا أن صداقة الدكتور عاطف لى حملت معها رعاية ومتابعة ومساندة فى كثير من المواقف على مدار الأعوام! يقف فى ظهرى مشجعًا فى العديد من حفلاتى، وكان أول الحضور فى مناقشة الدكتوراه، وأيضًا فى حصولى على زمالة كلية الدفاع الوطنى، دائمًا مشجعًا ومبهجًا يبث الطمأنينة وقت الشدائد، ورغم ابتعادنا لفترات أحيانا، لظروف العمل وضغوطات الحياة، إلا أنه يظل الأقرب والأوفى والأبقى، والذى لا أخجل أن أقصده أو أطلبه فى أى وقت مهما إبتعدنا، وأجده دائمًا ناصحًا أمينًا مخلصًا لا يدخر وقتًا أو جهدًا.. وهو ما جعلني أصف صداقتى معه، بالعلاقة الآمنة التى يثق ويطمئن فيها كل طرف للآخر، وهو على يقين بأنه لن يخذله.. ومن أكثر ما يميز الدكتور عاطف أنه إنسان مسالم، حتى مع من يحاول أن يحاربه، فلا يجد مجالًا لصراع ويخرج عاطف عوض منتصرًا عليه بالأدب والأخلاق الفاضلة.. ومؤخرا مر الدكتور عاطف بأزمة مرضية شديدة، ومن عدة أسابيع خضع لعملية جراحية، وحاليًا يستكمل العلاج والذى ندعو الله أن يتمم شفاءه، ونراه بكامل الصحة والعافية، ورغم ألم محنة المرض إلا أنها أكثر الأمور كشفًا لحقيقة الأهل والأصدقاء، فوجدنا طوفانًا من البشر وفيضانًا من الحب يحاصر المستشفى ويحاوط عاطف بكل الحب والتعاطف، وهو مبتسم راض متناسيًا للمحنة، ومستمتعًا بمنحة الحب والاهتمام التى حظى بهما من الجميع.. وهذا التكدس البشرى أرغم المستشفى أن تمنع الزيارة عدة أيام، ولكنها لم تستطع منع المحبين من التردد والانتظار داخل المستشفى!.. الحمد لله عاد إلى منزله ويتماثل للشفاء، ودرعه الواقى والمقوى لجهاز مناعته كان عمله الطيب ومعاملته الحسنة، التى جعلت الجميع يتلهف للاطمئنان عليه، حبًا خالصًا ورصيدا مدخرًا على مدار كل سنوات عمره، وما هذا إلا حصادًا للحب الذى زرعه فى قلوب كل من يعرفه وحان الآن جنى ثماره.. ما أجمل وفاء الأصدقاء ونبل مشاعر الصداقة، وهنيئًا لك يا دكتور عاطف محبة البشر التى تعكس محبة الخالق لعباده.. لذا من أجل أهلك وأصدقائك قم يا عاطف يا صديقى بكامل عافيتك وانفض بقايا المرض!..أنتظرك واقفا فى ظهرى فى حفلى القادم ١٩ أكتوبر، كما أنتظرك مع باقى الزملاء والأصدقاء لنحتفل جميعًا بشفائك فى أكاديمية الفنون بيتنا الكبير.

*أستاذة بأكاديمية الفنون