الأربعاء 01 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

مصريات

قبة الإمام الشافعي.. ضريح بحر العلوم

صورة قديمة لقبة ضريح
صورة قديمة لقبة ضريح الإمام الشافعي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في الفترة بين عامي 2015 و2021، قامت وزارة السياحة والآثار، بالتعاون مع مبادرة "الأثر لنا"، بمشروع ترميم قبة ضريح الإمام الشافعي؛ وقبلها ترميم مسجد الإمام الملاصق للقبة بتمويل من وزارة الأوقاف. 

شملت أعمال الترميم الخارجية ترميم الجص المزخرف، فيما تضمنت الأعمال الداخلية ترميم الأخشاب الملونة، والتكسيات الرخامية الملونة بالإضافة إلى الإصلاحات الإنشائية للمباني، وأعمال ترميم الأسقف والتبليط.

كما اُجريت مجموعة من أعمال الترميم الخاصة مثل ترميم التوابيت الخشبية والمقصورات والتكسيات الرصاص، والعشاري. كما تضمنت أعمال الحفائر وتحديث نظام الإنارة وإضافة لوح توضيحية، وتضمن المشروع أيضًا توثيقًا شاملاً للمبنى وتفاصيله الزخرفية.

وأثناء معالجة مشكلة الهبوط الأرضي قام المرممون بعملية إحلال تربة تستدعي إزالة متر من الأرضية القديمة، أثناء ذلك اكتشفوا بقايا ضريح أقدم للإمام الشافعي يعود للعصر الفاطمي، إضافة إلى العثور على ألف قطعة من العناصر المزخرفة.

وقبل أيام، قام وزير السياحة والآثار والقائمة بأعمال السفيرة الأمريكية بالقاهرة، بافتتاح مركز خدمات الزوار بالدور العلوي من القبة الضريحية. لتكتمل بذلك مراحل مشروع الترميم.

قبة الإمام الشافعي من الداخل

ضريح الشافعي

تقع القبة الضريحية بجوار مسجد الإمام الشافعي، وقام بتشييدها السلطان الأيوبي الكامل محمد أعلى قبر الإمام محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع، والملقب بـ "الشافعي"، إكراما وتعظيما له، مكان ضريح فاطمي سابق بعد دفن والدته هناك عام 1211.

ولد الشافعي في غزة عام 767ه، ونشأ في مكة المكرمة ودرس على يد الإمام مالك صاحب المذهب المالكي في الفقه السني، ثم استقل بمذهبه الخاص. وقد قدم الشافعي إلى مصر عام 813 ه، وألقى دروسه في جامع عمرو بن العاص، وتوفي عام 819 ه. ودفن في تربة أولاد ابن عبد الحكم في القرافة الصغرى.

وفي عام 1178، تم الانتهاء من عمل التابوت الخشبي الذي يعلو التربة، وهو مزخرف بحشوات هندسية منقوشة نقشاً غاية في الإتقان، وكتب عليه آيات قرآنية وترجمة حياة الشافعي واسم صانعه "عبيد النجار" بالخطين الكوفي والنسخ الأيوبي؛ أما القبة الخشبية الحالية، فهي من التجديدات التي قام بها السلطان قايتباي عام 1480، كما جدد الضريح أيضا السلطان قنصوه الغوري، وقام والي مصر علي بك الكبير أيضا بتجديده.

ضريح الإمام الشافعي

محاولة نقل رُفات الشافعي

نقل المؤرخ تقي الدين المقريزي في خططه، أن الوزير السلجوقي نظام الملك الحسن بن علي بن إسحاق بن العباس الطوسي الملقب بـ "خواجة بزك" (توفى 485 هـ)، لما أنشأ المدرسة النظامية في بغداد -وهي مدرسة متخصصة في الفقه الشافعي- أراد أن ينقل رُفات الإمام الشافعي من مقبرته بالقاهرة إلى المدرسة النظامية ببغداد، فطلب ذلك من أمير الجيوش بدر الجمالي، وزير الخليفة الفاطمي المستنصر بالله معد بن الظاهر (توفى 487 ه)، وجهز له هدايا جليلة.

يقول: خرج أمير الجيوش في موكبه، ومعه أعيان الدولة، ووجوه المصريين من العلماء، وغيرهم، ولما نبش القبر، ثار المصريون، وقاموا برجم بدر الدين الجمالي بالأحجار، إلا أنه أخمد ثورتهم، وبعث يُعلم الخليفة المستنصر بما حدث، فأعاد جوابه بإمضاء ما أراد نظام الملك، وقرأ جواب الخليفة على الناس عند القبر، ليكملوا الحفر حتى انتهوا إلى اللحد، فخرجت من اللحد رائحة عطرة، ووجدوا جثمانه على حالته، فاستغفروا مما كان منهم، وأعادوا ردم القبر كما كان وانصرفوا.

وكان هذا اليوم من الأيام المذكورة، وتزاحم الناس على قبر الشافعي يزورونه مدة أربعين يوماً بلياليها، حتى كان من شدة الازدحام لا يتوصل إليه إلا بعناء ومشقة زائدة.

ويوضح المقريزي أن أمير الجيوش كتب محضراً بما وقع، وبعث به، وبهدية جليلة، مع كتابه إلى نظام الملك، فقُرئ هذا المحضر والكتاب بالنظامية ببغداد، وقد اجتمع العالم على اختلاف طبقاتهم لسماع ذلك، فكان يوماً مشهوداً ببغداد، وكتب نظام الملك إلى عامة بلدان المشرق من حدود الفرات إلى ما وراء النهر بذلك، وبعث مع كتبه بالمحضر وكتاب أمير الجيوش، فقُرئت في تلك الممالك بأسرها، فزاد قدر الإمام الشافعي عند كافة أهل الأقطار وعامة جميع أهل الأمصار بذلك.

ويضيف المقريزي: ولم يزل قبر الشافعي يُزار ويتبرك به، إلى أن كان الأحد لسبع خلت من جمادى الأولى سنة ثمان وستمائة (608 هـ) فانتهى يوم بناء هذه القبة التي على ضريحه، وهي القبة الحالية التي أنشأها تعظيماً للشافعي، السلطان الأيوبي الكامل ناصر الدين محمد بن السلطان الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب، خامس سلاطين الدولة الأيوبية، وبلغت تكاليفها 50 ألف دينار مصري بحسب المقريزي.

الأضرحة التي تضمها القبة

القبة الضريحية

في مقدمة التركيبة الخشبية الحالية لضريح الإمام الشافعي، والتي تعود للعصر الأيوبي، كتابة بالخط الكوفي نصها: "بسم الله الرحمن الرحيم.. وأن ليس للإنسان إلا ما سعى.. وأن سعيه سوف يرى.. ثم يجزاه الجزاء الأوفى. 

هذا قبر الفقيه الإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبد يزيد بن الهاشم بن المطلب بن عبد مناف.. ولد سنة خمسين ومئة.. وعاش إلى سنة أربع ومائتين.. ومات يوم الجمعة آخر يوم من رجب من السنة المذكورة ودُفن من يومه بعد العصر".

وأهم ما يميز القبة الضريحية للإمام الشافعي هي "العشاري" فوقها، وهو مركب صغير من النحاس مثبت في هلال القبة، تتدلى منه سلسلة حديدية. وقد اختلفت الآراء في سبب وجوده، فقيل لوضع الماء والحبوب للطيور، وقيل إنه رمزاً لعلم الإمام الشافعي، باعتباره بحراً للعلوم، وقيل في قبة الشافعي عدة أشعار، منها ما كتبه الأديب الكاتب ضياء الدين أبي الفتح موسى بن ملهم.

وترتفع القبة عن أرضية الضريح مسافة 27 مترا، ويوجد فى زوايا مربع السقف 3 صفوف من المقرنصات تشكل المنطقة الانتقالية من المربع إلى دائرة القبة؛ وقد بنيت من الخشب لتخفيف كتلة البناء الهائلة التي يحملها مربع القبة.

وتتكون القبة من ألواح من الخشب مثبتة على 4 أربطة على ارتفاعات مختلفة وتنقسم إلى 5 مناطق. وهي من طبقتين: طبقة داخلية خشبية، وأخرى خارجية من الرصاص. وبالقبة 16 نافذة للتهوية.

 أما الواجهات الخارجية للضريح فتتكون من 3 طوابق، الطابق الأعلى وقد غطيت الألواح الخشبية بصفائح من الرصاص، أما الطابق الأوسط يزخرف واجهاته صف من الحنيات على شكل محاريب محارية مشعة، أما الطابق الأسفل فقد فتحت في كل واجهة من واجهاته الأربع نافذة.