الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

نهاية العالم.. واللّون الأخضر ليس إلا الأسود الجديد!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 

نهاية العالم قريبة ليس لأن الله غاضب على البشر ولكن لأن البشر خربوا الطبيعة التي حبانا بها الله وقضوا على فرصهم في الحياة الآمنة. هذا كان فحوى تقرير استرالي أعده مركز أبحاث أكاديمي يسمى مركز الاختراق الوطني لاستعادة المناخ حيث حذّر من خطورة تغير المناخ وكيف أنه وصل الآن إلى نهاية اللعبة، حيث يتعين على البشرية الآن الاختيار بين اتخاذ إجراءات غير مسبوقة، أو قبول أنه "قد فات الأوان وتحمل العواقب". 

إن تحرك الدول الصناعية الكبرى لم يعد رفاهية لأن مواجهة آثار التغير المناخي يتطلب إرادة حقيقية وتبنّي سياسات ناجعة وليس مجرد خطب في المؤتمرات وشعارات طنّانة. انتقدت بولا ميكليس الناشطة الفرنسية في مجال البيئة في مدونتها تحت عنوان "اللون الأخضر ليس إلا الأسود الجديد" شعار اللّون الأخضر الذي ترفعه الدول الصناعية؛ فهو مجرد دعاية للترويج لانتقال العالم إلى مرحلة جديدة من الحفاظ على البيئة. لعلّ نتائج ترتيب الدول في مؤشر أداء التكيف المناخي الذي تم الإعلان عنه في مؤتمر المناخ بشرم الشيخ العام الماضي (2030 CCPI) تؤكد أن الأسود - وليس الأخضر- أصبح اللون السائد في الكرة الأرضية.

المؤشر يوضح أن هناك ثلاث دول فقط من مجموعة العشرين لها أداء عالٍ في الحد من الانبعاثات. وحصلت اثنتا عشرة دولة على مستوى منخفض أو منخفض جدًا. وتتحمل مجموعة العشرين مسؤولية تاريخية في التخفيف من آثار تغير المناخ، حيث يصدرون نحو 80% من انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم، لكن في المقابل مازالت "استجابتهم الجماعية تفتقر إلى الطموح والمصداقية". والعبارات الأخيرة ذكرها أمين عام الأمم المتحدة "غوتيريش" في قمة مجموعة العشرين الأخيرة بالهند، وهي عبارات رغم صدقها أقل من الحقيقة. ويظل العالم عالقا عند أنصاف التدابير التي لن تمنع الانهيار الكامل للمناخ. 

لا أحد يدري إلى متى يستمر كبار المتسببين في الانبعاثات بدون إرادة حقيقية لبذل جهود إضافية لخفض الانبعاثات ودعم الاقتصادات الناشئة. سبق أن طالب "جوتيريش" زعماء مجموعة العشرين بتوفير حزمة تحفيز لتلك الاقتصادات بقيمة 500 مليار دولار على الأقل سنويا، كما دعا إلى وضع آلية فعالة لتسوية الديون وفترات إقراض أطول وأسعار فائدة أقل وبشروط أكثر عدالة للدول الفقيرة. وهذا ينطبق أيضا على المؤسسات المالية التي أصبحت سمعتها بين الشعوب الفقيرة كأداة لإفلاس الدول وليس إسعافها.

التقرير الأسترالي صادر من جهة علمية موثوق بها وهو أشبه بناقوس الخطر الذي يحذر صانعي السياسات في الدول الكبرى من فوضى عارمة ويدعوهم لتعبئة عالمية هائلة للموارد، الآن وليس غدا، لبناء نظام صناعي خالٍ من الانبعاثات. والمطلوب ألا تقل التعبئة عن الحرب العالمية الثانية. والنداء الأخير موجه الآن لـ "كوب 28" المقرر في الإمارات لعلّ قمتها المقبلة تنجح في إقناع الدول بالاستجابة لهذه الاستغاثة!

إن الكوارث الطبيعية هي أكثر الظواهر التي تذكرنا بهشاشتنا وضعفنا. كتبت الناشطة الفرنسية في مدونتها أن الإنسان يأكل ما يعادل حجم بطاقة ائتمان من البلاستيك كل أسبوع؛ هذا يعني المزيد من الأمراض المستعصية. والحقيقة هي أننا لا نعرف ما يخبئه المستقبل من كوارث وجوائح، ولا أحد يستطيع التنبؤ على وجه الدقة، ولكن ما نعرفه جيدا أننا إذا اعتمدنا أفضل أسلوب للحياة الآمنة بيئيا، يمكن تحقيق أقصى قدر من التغييرات وتحسين فرصنا في المستقبل. 

منذ بداية السبعينات، حذّر مجموعة من العلماء من أنموذج العالم الغربي وكيف أنه محكوم عليه بالفشل وأصدروا تقرير "ميدوز" نسبة للعالم دينيس ميدوز، وفيه "نظريات الذروة" و"حدود النمو" التي تنبّه إلى أنه بمجرد الوصول إلى ذروة استهلاك المواد الخام، مثل النفط والفحم، لن ترتفع أسعارها فقط بل ستؤدي أيضًا إلى عواقب بيئية وخيمة، مثل العواصف والفيضانات والجفاف والمجاعات. وهذا ما حدث بالفعل حيث ازدادت الكوارث بعد تراجع الموارد البيئية، ثم تراجع الاقتصادات التي كانت من المتوقع أن تصل إلى ذروتها في عام 2020. ولحقت الأضرار نتيجة لذلك بكل من يعيش على هذه الأرض من بشر وحيوانات ونباتات وتربة وحشرات، بما في ذلك العوالق التي تعيش في قاع المحيطات وتزودنا بالأكسجين. ولم تتراجع الدول الصناعية الكبرى عن الإضرار بالنظم البيئية. بينما تكافح "أمنا الأرض" من أجل استعادة توازنها الطبيعي مرة أخرى. الغريب حقا أن الدول الغنية تتسابق لضخ استثمارات ضخمة للبحث عن احتمالية أن تكون كواكب أخرى بيئة صالحة لإيواء البشر على سطحها بينما تضنُّ بأموالها لإصلاح ما خربته في الأرض. والأكثر تضررا من هذا الخراب هم دائما السكان الموجودون في أسفل الهرم الاقتصادي ويبلغ مجموعهم أربعة مليارات شخص يعيشون في فقر مدقع.

فهل النهاية الكارثية الكئيبة هي مصيرنا المحتوم؟

الأمل يبقى موجودا، لكن لا يأتي من حقيقة أننا سنكون قادرين أم لا على الحفاظ على أنماط حياتنا الفخمة والمفرطة بأنواع الاستهلاك، بل من كوننا كائنات ذكية قادرة على مواجهة كوارث مثل تغير المناخ. إنه خيار الدول الغنية أن تبقي أعينها مغلقة وتعيش أنماط حياتها بأنانية أو أن تفتحها وتتحمل مسؤوليتها التاريخية في إصلاح ما أفسدته. قد يكون الأمر صعبا في البداية، لكنه الخطوة الأولى في رحلة الإرادة الواعية نحو بناء سياسات أفضل تليق بكوكب الأرض واتخاذ خيارات أفضل تليق بالكائنات الحية.

*صحفية متخصصة في الشؤون الدولية