الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

الأنبا باخوم يكتب.. عيد انتقال العذراء مريم

الأنبا باخوم  النائب
الأنبا باخوم  النائب البطريركي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

عيد انتقال سيّدتنا مريم العذراء. هذا العيد هو أقدم الأعياد المريمية، وتم إعلانه رسميا من قداسة البابا بيوس الثاني عشر، عام 1950. فيه نحتفل مع كل الكنيسة بانتقال السيّدة العذراء مريم، أم الله، والدة المخلص، بنفسها وجسدها إلى السماء. ونتأمّل تكليلها ملكةَ السماء، منتصرةً مع ابنها الإلهي للأبد، في السماء، في الفردوس.
لكن، ما هي السماء، وما هو هذا الفردوس؟ عندما طلب اللص الذي صُلب مع المسيح: "أذكرني يارب، إذا جئتَ في ملكوتك"، أجابه يسوع: "اليوم تكون معي، في الفردوس" (لوقا 23: 42-43). نعم هذا هو الفردوس، أن نكون مع المسيح. الفردوس ليس مكاناً مادياً، أو أكلاً أو شُرباً، أو متعةً جسدية.  
هو علاقةٌ دائمة ومتجددة أبدياً مع المسيح، ولا حتى الموت يفصلنا عنها. 
وهذه هي نقطتنا الأساسية: في بعض الاوقات يحيا الإنسان وكأنه لن يموت أبدا، معتقداً بأنه هو مصدرُ حياته، وأن جهده وعلمه وقدراته تستطيع وحدها أن تمنحه الحياة والسعادة. فيعمل ويعمل وفي لحظة كما يقول صاحب كتاب "الجامعة" (2 : 4-11): " قمتُ بأعمالٍ عظيمة: بنيتُ لي بيوتاً. اقتنيتُ عبيداً وإماءً. وكان بيتي عامراً بالبنين.. وما حرمتُ عيْنَيَّ شيئاً تمنَّتاه، وما منعتُ قلبي شيئاً من الفرح … ثم التفتُ إلي جميع ما عمِلتْ يَدايَ، وإلي ما عانيْتُ من التعبِ في عمله. فإذا كلُّ شيءٍ باطلٌ وقبضُ ريح."
نعم، هناك لحظة يجد الإنسان نفسه وحيدا، لا أحد ولا شيء ينفعه، لا أخ ولا صديق، لا حبيب ولا ابن، لا ممتلكات ولا شهادات. هكذا في الوحدة، أو المرض، أو عدم معنى الحياة. وعندما يدرك الإنسان هذا، يسقط في هوة الإحباط. ولا يجد أمامه إلا أن يتمنى الموت، ليحرره من باكورة الموت الآتي. فيحيا كميتٍ هاربٍ وخائفٍ من الموت، وقد يُنهى حياته بنفسه.  
لذلك، عندما تحتفل الكنيسة بعيد انتقال سيّدنا مريم العذراء، تعلنُ الرجاء لنا ولكل إنسان: السماءُ مفتوحة، الفردوسُ موجود، والموت منهزم. فقد انكسرت شوكته، ولم تعد له الكلمة الأخيرة. وها نحن نؤمن ونعرف أن مريم العذراء في السماء الآن. وهى تعلن لنا مع جوقة القديسين: هذه الأرض ليست وطنكم الدائم، فارفعوا أعينكم وانظروا إلى السماء. 
نعم، فلننظر إلى السماء، حيث مريم مكللة. وعلينا أن نعيش راجين أن نكون هناك يوما في صحبتها المجيدة. وبهذا يصبح للأرض معنى وقيمة أكبر. فلا تستطيع صعوبات الحياة اليومية وقسوتها، ان تزرع فينا بذور اليأس، أو تسرق منا فرحة حياتنا ودعوتنا ورسالتنا.
فيا رب، يا من رفعت مريم العذراء بالنفس والجسد إلى هذا المجد، امنحنا نحن أيضا في حياتنا الأرضية، أن نشتاق إليك ونرجوك، وعند لحظة موتنا، نجدك أنت تستقبلُنا للأبد، بشفاعة أمنا العذراء مريم، سيدة السماء. آمين.
عيد مبارك.