الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

رولان لومباردى يكتب: الأزمة فى النيجر (1).. الانقلاب الأخير فى نيامى يفيد روسيا.. ودخول الأمريكيين فى الأزمة عامل أكثر سلبية تجاه الأفارقة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

بالنسبة لفرنسا ودبلوماسيتها وخاصة رئيسها، فإن الأزمة الحالية فى النيجر هى نكسة دولية جديدة بعد العديد من الأزمات السابقة والمتكررة. بطبيعة الحال، فإن الانقلاب الأخير فى نيامى سيفيد روسيا مرة أخرى. ومع ذلك، عندما نوسع التركيز الجغرافى السياسى، فإن دخول الأمريكيين فى هذه القضية يظهر بوضوح أن الأمريكيين يسعون أيضًا إلى لعب دور سيكون بالتأكيد أكثر سلبية من دور الروس لـ«حلفائهم» الفرنسيين والأوروبيين، وأيضا تجاه الأفارقة.. فى هذا الجزء الأول من المقال نتطرق إلى مسئوليات فرنسا فى هذه المنطقة.
ليست هناك حاجة للعودة إلى الأسباب العميقة والمتعددة للأزمة الحالية فى النيجر.. لقد شرحها متخصصون بارزون فى أفريقيا (لكن لم يتم الاستماع إلى آرائهم سوى عدد قليل فى الإليزيه ووزارة الخارجية.. وبين هؤلاء المتخصصين، على سبيل المثال، مديرة منظمة IVERIS ليزلى فارين، التى طرحت مؤخرا تحليلا حديثا ورائعًا وأيضا المحلل المختص بالشأن الأفريقى أوليفييه دوزون.. حتى أن البعض من هؤلاء المحللين أعلن عن هذه الأزمة فى مارس الماضى، مثل برنارد لوجان، أحد أفضل الأفارقة الفرنسيين، لكن تم نبذه أيضًا لأسباب أيديولوجية أساسًا.
وأيا كانت الأحداث، اليوم فى النيجر وأمس فى مالى وجمهورية أفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو.. وفرنسا، القوات الفرنسية والشركات الفرنسية، مرفوضة!
ومع ذلك، كما كتبت فى مارس ٢٠٢٣ فى تحليل بعنوان «نحو نهاية ما قبل الساحة الفرنسية فى أفريقيا» وبعد الإهانات التى لا تعد ولا تحصى للرئيس الفرنسى خلال جولاته الأفريقية الأخيرة وكما ذكرنا فى عموده الأسبوعى يوم النائب السابق لو ديالوج جوليان أوبير، عندما قال إن «المسئولية (عن هذه النتيجة) هى أولًا وقبل كل شيء مسئولية الرئيس ماكرون، مستهدفة بشكل صريح ولا يمكن لباريس أن تلوم نفسها إلا إذا سارت فى القارة الأفريقية بنفس النظرة الساذجة مثل تان تان، الصحفى الكرتونى الشهير فى مجلة Petit-Vingtième، منذ ستين عامًا».
فى الواقع، يمكن تفسير هذه الانتكاسة الجديدة للمقيم فى الإليزيه وفريقه بكلمتين: عدم الكفاءة الفاضحة والأيديولوجية!
وفى الحقيقة، عدم كفاءة الرئيس وحاشيته، جعلهم منفصلين تماما عن حقائق إفريقيا والعالم بشكل عام.
أولًا، باعتباره صورة فرنسا، فإن إيمانويل ماكرون بعيد عن الواقع ولا يعرف على الإطلاق قواعد العلاقات الإنسانية، وقد فقد مصداقيته بشكل مثير للشفقة مع الأفارقة والزعماء والشعوب أيضًا؛ بغطرسته ومواقفه وأساليبه غير اللائقة فى كثير من الأحيان، وحدوده غير اللائقة، حتى أنه أثار رفضًا حقيقيًا حتى ازدراءً بغيضًا فى هذا الجزء من العالم الذى لا يزال يحترم القوة والرجولة.
بالإضافة إلى شبكات التواصل الاجتماعى التى تساعد والشباب الأفريقى على الإلمام التام بالأخبار الفرنسية، كيف يمكن للأفارقة أن يحترموا رئيسًا وحكومته، دائمًا ما يكونون أقوياء مع الضعفاء وضعفاء مع الأقوياء.. هؤلاء الذى أظهروا مرة أخرى افتقارهم للحزم فى مواجهة أعمال الشغب الأخيرة التى ضربت فرنسا فى يونيو الماضى والتى لم تتوقف إلا بعد الحظر المفروض على أباطرة المخدرات فى الضواحى والجمعيات المجتمعية؟
كيف يمكن أن يقبلوا الدروس الأخلاقية الأبدية حول الديمقراطية والحكم الرشيد فى حين نرى الفساد من جانب بعض المسئولين فى النظام «الماكرونى» الذى احتفظ على مدى ست سنوات من الرئاسة بسجل تاريخى فى عصر الجمهورية الخامسة فى مجال «القضايا"؛ بـ١٨ إدانة و٨ لوائح اتهام موجهة ضد عدد من المسئولين و١٣ تحقيقًا يجرى حاليا؟
ويرحب البعض اليوم بنهاية حقبة فرنسا أفريقيا Françafrique بالأمس ولكن الآن تم استبدالها بـ"روسيا – أفريقيا» أو «الصين – أفريقيا"ّ!.
ومن المسلم به أن شبكات فوكارت وباسكوا كانت تعانى، ولكن فى ذلك الوقت، كانت فرنسا على الأقل يتم احترامها.. الاحترام الذى هو أساس أى سياسة خارجية فعالة وأضاف جوليان أوبير فى مقاله أنه «حيث عمل فوكارت مع ٦٠ مساعدًا فى وحدة إفريقيا – إضافة إلى المراسلين غير الرسميين - وأجرى حوارًا مباشرًا مع رؤساء الدول، فإن باريس اليوم تدعم شخصين فى نفس الوقت؛ فكيف يمكننا أن نأمل فى الحصول على نفس الجودة الاستراتيجية؟ إذا كان علينا البحث عن مذنب حقيقى، فهو عدم القدرة على التعامل المعلومات والتصرف بشكل وقائى، وليس أن نتصرف دائما كرد فعل على الأحداث».


وبالفعل، يشير النائب السابق أيضا إلى أن «رئيس الجمهورية ليس مشهورًا عنه الاستماع إلى جميع الآراء ويحب أن يحيط نفسه بالمدنيين الذين يعرفون فقط السفارات والمراكز الثقافية فى القارة ويتضح هذا من خلال الإصلاح الداخلى للمديرية العامة للأمن الداخلى فى يوليو ٢٠٢٢ الذى أراده (وفرضه) ماكرون: فقد أدى إلى إلغاء مديرية المخابرات ومكاتبها القطاعية (لا سيما مكتب غرب أفريقيا) والتى كان يديرها عسكريون بالجيش وتم إنشاء «مراكز مهمات» (بما فى ذلك مركز لمنطقة الساحل) يقودها دبلوماسيون يهتمون بقضايا الديمقراطية والأقليات وملفات المرأة أكثر من اهتمامهم بالجغرافيا السياسية «.
وعلى سبيل المثال، علينا أن نتذكر أن الكاميرون قد احتجت مؤخرًا فى يونيو الماضى على وصول «السفير الفرنسى لحقوق المثليين والمثليات ومزدوجى الميول الجنسية والمتحولين جنسيا» والذى كان سيشارك فى «مناقشة مؤتمر» حول تعريفات النوع والتوجه والهوية الجنسية فى فرنسا فى معهد الكاميرون (IFC) فى ياوندى وبعد ذلك يشارك فى عرض فنى لبعض الفنانين المتعاطفين مع هذا الملف».
وبعد الانقلاب فى النيجر، وفقًا لصحيفة لوكانار إنشينيه Le Canard enchaîné، خلال مجلس الدفاع الأخير، كان الرئيس الفرنسى غاضبًا من رئيس المخابرات الخارجية DGSE الذى لم تتوقع فرقه أى شيء مما حدث؛ لكن هذا غير صحيح، فبفضل بعض التسريبات، نعلم الآن أن الجيش الفرنسى والخدمات الخاصة قد نبهت بالفعل السياسيين والدبلوماسيين إلى خطر حدوث انقلاب فى النيجر من خلال ملاحظات تم «تجاهلها» من قبل وزارة الخارجية والإليزيه.
وفى فترة غضبه من أجهزته، تخلى المقيم فى الإليزيه عن مسؤولياته، كما يفعل المديرون السيئون! نعم، يبدو أننا، فى الأماكن المرتفعة، نفضل القلق بشأن حقوق الإنسان أو حقوق المثليين أو نظرية النوع فى العالم أكثر من الاهتمام بالاستراتيجية والأمن الفرنسية!
لا يمكننى أبدا أن أكرر هذه الجملة دائما: العلاقات الدولية ليست مجرد اتصالات (وهذا اعتقاد خاطئ!) أو توقيع العقود التجارية أو حتى أيديولوجية! إنها قبل كل شيء مسألة علم نفس وطريقة التعامل مع الآخر!.
باختصار وباعادة استخدام كلمات برنارد لوجان: إذا كان كبار موظفى الخدمة المدنية الحاليين و«المتخصصين» عندنا قاموا بتطبيق المزيد من نظريات «الإثنولوجيا» (علم فهم الأعراق والأصول المختلفة والمسائل العرقية) أكثر من «الأيديولوجيا» وأيضا إذا قرأوا أصحاب الفكر والمؤلفين القدامى؛ فإن كل ذلك سيمنعنا بالتأكيد من الاستمرار فى أخطاء التحليل والتنبؤ وفوق كل شيء منع فرنسا من أن تصل لمثل ما وصلت إليه اليوم.. فلم يحدث ذلك على مدار التاريخ بأن تصبح باريس بعيدة تمامًا عن إفريقيا والشرق الأوسط.
معلومات عن الكاتب: 
رولان لومباردى رئيس تحرير موقع «لو ديالوج»، حاصل على درجة الدكتوراه فى التاريخ، وتتركز اهتماماته فى قضايا الجغرافيا السياسية والشرق الأوسط والعلاقات الدولية وأحدث مؤلفاته «بوتين العرب» و«هل نحن فى نهاية العالم» وكتاب «عبدالفتاح السيسى.. بونابرت مصر»..يتناول، فى افتتاحية العدد، الأزمة المستعرة فى النيجر.