السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الريس حامد.. صاحب الفضل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

هذه فرصة انتظرتها طويلًا لأرد به جزءًا من جميل أحد أبرز من ساهموا فى تشكيل وجدانى الصحفى والسياسي، منذ دخلت جريدة «الأهالي» متدربًا قبل أكثر من ٣٠ عامًا، مع سنوات دراستى الأولى فى الجامعة. 
بدأت وأنا أتعامل مع الجميع باعتبارهم- من حيث المبدأ- أساتذة كبارا، ومن بينهم من سبقنى إلى المكان بعدة شهور فقط، وسريعًا بدأت عملية «الفرز والتجنيب»، ويومًا بعد الآخر بدأت فى اكتشاف قدرات وإمكانيات كل هؤلاء «الأساتذة»، وتقلص عدد الأساتذة عن جد، على رأى الأشقاء فى بلاد الشام، واحتفظ البعض بمكانته لدي، وفقدها آخرون، وزادت مكانة البعض الآخر، وكان على رأس هؤلاء الأستاذ محمود حامد، وأعتبر نفسى من المحظوظين الذين تتلمذوا على يد هذا المعلم الكبير. 
رفقة الأستاذ «حامد» فى العمل تترجم عمليًا معانى الصفات الثلاثة لمهنة الصحافة.. «مهنة البحث عن المتاعب، والسلطة الرابعة، وصاحبة الجلالة»، فهى مهنة المتاعب من أجل الحصول على الخبر والكشف عن الحقيقة، أينما كان الحدث، فى أى ظروف، ومهما كان الثمن، وهى السلطة الرابعة فى المجتمع بعد السلطات الثلاث «التشريعية والتنفيذية والقضائية» الحاكمة فى أى دولة فى العالم، لأنها تمنع البعض عن ارتكاب المخالفات، وتدفع أحيانًا لتعديل بعض القوانين أو سَنّ تشريعات جديدة لتنظيم حياة المجتمع.
ويبقى لقب «صاحبة الجلالة» هو الأفضل والأهم لتلك المهنة رفيعة المقام، لأن المجتمع من خلاله يتوِّجها بوسام الفخر والاعتزاز، ويمنحها الرفعة والرقى بين كل المهن.
كان الأستاذ محمود حامد ينبهنا دائمًا أن هذه الصفات الثلاث بقدر ما تُعد تشريفًا للصحافة، فهى أيضًا تكليف لكل صحفى بنقل الحقيقة كاملة بكل صدق وشفافية وتجرُّد، وعلى من لا يستطيع الوفاء بالتكليف أن يتنحى جانبًا لمن يملك الإرادة أولًا والقدرة ثانيًا على الالتزام.
على الجانب الأخر ففى كل المواقع القيادية التى تولاها الأستاذ محمود حامد فى حزب التجمع كأحد مؤسسيه، أو فى جريدتى «الأهالي» و«أوراق عمالية» الصادرتين عن الحزب، كان يؤدى دوره بما يتفق تمامًا مع ما وضعه الأمريكى «جاك ويلش»، وهو من الشخصيات التى دخلت علم الإدارة من أوسع أبوابه، بتجربته الرائدة فى شركة «جنرال إليكتريك»، وكان له الفضل فى تحويلها من شركة صغيرة إلى شركة عملاقة للخدمات والمنتجات الثقيلة. وتمكن بفلسفته الإدارية من زيادة قيمتها السوقية من ١٢ مليار دولار فى عام ١٩٨١ إلى ٢٨٠ مليار دولار عام ٢٠٠١، وصنع واحدًا من أهم النماذج الإدارية الناجحة فى العالم، التى تدرّس اليوم لكل المهتمين بالإدارة والقيادة.
تجربة «ويلش» كان عمودها الفقرى ما أطلق عليه فى ما بعد نموذج «٤E للقيادة»، الذى تضمّن الصفات الأربع للقائد الاستثنائى وهى:
١ - يتمتع بالطاقة والنشاط المتّقد بشكل يفوق ما لدى الآخرين، وينهض كل صباح بحماسة شديدة لمتابعة أعماله. ويتحرك بسرعة ٩٥ ميلًا فى الساعة، فى عالم سرعته ٥٥ ميلًا فى الساعة.
٢ - يعرف كيف يحفّز الآخرين ويدفعهم للإنجاز، ويضع الرؤية ويدفع الأفراد للعمل، بناءً عليها.
٣ - يتمتع بروح التحدى والحزم، ويعرف كيف يصنع القرارات الصعبة، ولا يسمح لدرجة الصعوبة مهما بلغت أن تقف حائلًا بينه وبين تحقيق أهدافه، ولا يتردّد فى صناعة ما يطلق عليه قرارات «الحياة والموت».
٤ - تنفيذى يفعل ما يقول، ويعرف كيف يحول الطاقة والحماسة إلى أفعال ونتائج، ويعرف جيدًا كيف ينفذ ذلك.
بهذه الصفات كان الأستاذ «حامد» يقود فريق العمل- أى فريق عمل- وكان ينجز فى أوقات صعبة ما يعجز غيره عن إنجازه رغم توافر فسحة الوقت، وهو أحد الكبار الذين وضعوا جريدة «الأهالي» فى مصاف أهم الصحف فى مصر، وتأسيس مدرسة صحفية يسارية تحظى باهتمام واحترام الخصوم قبل الأصدقاء.
من أهم «الخصال» التى ألصقها بى هذا المعلم، ما اعتدته من الوصول لمكان العمل فى الموعد المحدد لذلك، ولا أغادر إلا بعد الانتهاء من التكليفات الموكلة لي، دون الوقوف أمام موعد الانصراف، وبهذا منحنى ما ميزنى فى كل الأماكن التى عملت بها، ومن خلاله أيضًا مررت على كل فنون العمل الصحفى فى كل الأقسام «الأخبار والتحقيقات والديسك.. وحتى سكرتارية التحرير»، ما أكسبنى خبرات قل ما تتوافر للكثيرين، ودائمًا أذكر له الفضل فى ذلك، كما أضرب به المثل لشباب الصحفيين علهم يستلهمون سبيل النجاح. 
أشكر الصديق سليمان شفيق الذى أعطانى شرف الكتابة عن واحد من أبرز " أسطوات " الصحافة فى مصر، وكل التقدير  للصديق عبد الرحيم على و«البوابة» على منحنا فرصة الاعتراف لأصحاب الفضل بأفضالهم، وكل الاحترام والإعزاز للأستاذ محمود حامد أو «الريس» كما كنا نناديه.