رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

«زعيم الأمة».. ناصر الأزهر والكنيسة وداعم الهوية المصرية والعربية

الزعيم جمال عبد الناصر
الزعيم جمال عبد الناصر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

حمل الزعيم الراحل جمال عبد الناصر مسئولية الدولة المصرية بشكل مُباشر منذ أن تولى مقاليد الحكم في خمسينيات القرن الماضي، ولعل الملف الديني الإسلامي والقبطي أبرز الملفات التي لقيت اهتمامًا بارزًا من «الزعيم» في فترة حكمه، لتعزيز الهوية المصرية وترسيخها بعد نجاح ثورة يوليو، فلم يكن تفكيره مُقتصرًا على الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية فحسب، بل كان يُؤمن بأهمية دور «الأزهر والكنيسة» في بناء المجتمع وتعزيز وحدته الوطنية، ويُبرهن على ذلك العديد من القرارات التي اتخذها «ناصر» بشأن دعم المؤسستين، وهو ما نستعرضه في السطور التالية، لنُجيب على تساؤل هام مُفاده: «كيف كانت علاقة الزعيم الراحل بـالأزهر والكنيسة؟».

ازدهرت المؤسسات الدينية المصرية بشكل واضح وملحوظ عربيًا وإقليميًا في عصر الزعيم الراحل، فمن الناحية الإسلامية، نجح «عبد الناصر» في تعزيز الهوية الإسلامية في مصر وتعميق الوعي الديني لدى المواطنين، فبعد أن تولي مقاليد الحكم في ١٩٥٦، وجد نفسه أمام مجتمع مصري متنوع من النواحي الدينية والثقافية، ما دفعه للتأكيد على الهوية الإسلامية للدولة وتعزيز الانتماء الوطني بين المصريين، فنظم العديد من الفعاليات والمناسبات الدينية، مثل الاحتفال بأعياد الأضحى والفطر والاحتفال بالمولد النبوي الشريف.
كانت هذه الفعاليات تجمع الناس من مختلف الطبقات والمناطق، وكانت فرصة لتعزيز التلاحم الاجتماعي وتقوية الروابط الدينية بين المواطنين.

 

جمال عبد الناصر والأزهر 

الزعيم والأزهر الشريف

كان قائد ثورة يوليو يعتبر الأزهر الشريف مركزًا هامًا للتعليم الديني والفكر الإسلامي، فدعم هذه المؤسسة الدينية العريقة وعمل على تعزيز دورها في المجتمع، وشهد الأزهر تحولات هامة في فترة حكم عبد الناصر، حيث تم تطوير وتحويل جامعة الأزهر إلى جامعة حديثة تدرس فيها العلوم الشرعية والطبيعية والإنسانية، إلى جانب توفير المزيد من المنح الدراسية للطلاب الوافدين من دول مُختلفة ليتلقوا تعليمًا دينيًا متميزًا ويعودوا إلى بلدانهم مُحملين بالمعرفة والقيم الإسلامية. 


إذاعة القرآن الكريم

صباح الأربعاء ٢٥ مارس ١٩٦٤، بدأ بث أثير إذاعة القران الكريم بمعدل إرسال ١٤ ساعة يوميًا، بعد موافقة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وجاء هذا القرار لتصحيح الأخطاء والتحريف المقصود لبعض الآيات بالطبعة المُذهبة التي ظهرت في الستينيات، التحريف المتعمد في الطبعة المذهبة دفع وزارة الأوقاف ممثلة في المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، والأزهر الشريف ممثلًا في هيئة كبار العلماء؛ لاتخاذ خطوة بشأن صد هذا الهجوم الممنهج على القرآن بتسجيل المصحف المُرتل برواية حفص عن عاصم، وكانت أول نسخة مُسجلة من المصحف المُرتل بصوت القارئ الشيخ محمود خليل الحصري؛ عبر أقراص مدمجة يتم توزيعها على دول العالم الإسلامي كافة. وقد أيد جمال عبد الناصر خطوة الأزهر والأوقاف ردًا على تحريف آيات القرآن الكريم وحماية المصحف الشريف من التشويه المقصود. 


تأسيس مدينة البعوث الإسلامية

ومنذ تولي «ناصر» للحكم في مصر، كان لديه رؤية طموحة لتعزيز العلوم الإسلامية وتعميق المعرفة الدينية. كانت إحدى أهم مبادراته الرائدة إنشاء مدينة البعوث الإسلامية، والتي أثبتت بفعاليتها العلمية والثقافية أنها أحد المشروعات النموذجية في فترة حكمه، وأصبحت المدينة معلمًا علميًا وثقافيًا يلهم الأجيال المستقبلية ويعزز الفهم الحضاري للإسلام. 
ففي عام ١٩٦١ أطلق «عبد الناصر» فكرة بناء مدينة البعوث الإسلامية كمركز علمي مُتميز يجمع بين العلوم الدينية والعلوم الحديثة، وتم اختيار موقع المدينة في مدينة نصر بالقاهرة، حيث تم تخصيص مساحة شاسعة لاحتضان مرافق البحث والتعليم والثقافة الإسلامية.
وكان البحث العلمي والتعليم في مدينة البعوث الإسلامي أولى أهميات المدينة الإسلامية وتشجيع البحث العلمي والتطوير الثقافي في المجالات الإسلامية؛ ليأتي تباعًا إنشاء المراكز البحثية المتخصصة في دراسات القرآن الكريم والحديث النبوي والفقه والتاريخ الإسلامي؛ هذا إلى جانب تأسيس مكتبة ضخمة تضم مئات الآلاف من المخطوطات النادرة والكتب القيمة في مختلف التخصصات الإسلامية. 
وشكلت مدينة البعوث الإسلامية مركزًا ثقافيًا مهمًا يحتضن العلماء والباحثين والطلاب من جميع أنحاء العالم الإسلامي. كانت تلك المنصة المثلى لتبادل المعرفة والأفكار وتعزيز التفاهم الثقافي بين الدول الإسلامية المختلفة، وقد زادت شهرة المدينة باعتبارها وجهة محبوبة للدارسين الأجانب الراغبين في فهم الإسلام والاستفادة من مقوماته الحضارية. 

كيف كانت علاقة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بـ الأزهر والكنيسة

وعكف الرئيس جمال عبد الناصر على تعزيز العلاقات الثقافية والعلمية بين مصر وبين الدول الإسلامية وغير الإسلامية؛ وقد تمت دعوة العديد من العلماء والمفكرين العالميين لزيارة مدينة البعوث الإسلامية والمشاركة في المؤتمرات والندوات العلمية التي أقيمت فيها؛ تلك الجهود المبذولة لتحسين التواصل والتعاون الثقافي أسهمت في نشر صورة إيجابية عن الإسلام والحضارة العربية في العالم، فحسب إحصائيات لمجلس الكنائس العالمي فإن بعثات الأزهر فى عهد «عبد الناصر» سجلت أعلى نسب دخول في الدين الإسلامي.

ولقيت مدينة البعوث الإسلامية رواجًا كبيرًا في المجتمع المصري وفي الدول الإسلامية عمومًا فكانت وجهة للطلاب والدارسين الذين يطمحون لتعلم العلوم الإسلامية الحديثة وتوسيع آفاقهم العلمية؛ بفضل تلك المبادرة الجريئة من «عبد الناصر» لإنشاء المدينة، والتي أسست جيلًا جديدًا من العلماء والأكاديميين الذين ساهموا في تحقيق التقدم العلمي والثقافي في المجتمعات العربية والدولية والإقليمية، وحرص «الزعيم» على دعم التعليم ومحو الأمية، ففي عام ١٩٦٢ أقر مجانية التعليم من الابتدائية حتى الجامعة، لجعل التعليم إلزاميًا ومجانيًا لكل أفراد الشعب وليس فقط الأغنياء، بالإضافة إلى جعل مادة التربية الدينية إجبارية في النجاح أو الرسوب، وذلك لأول مرة في تاريخ مصر. 

وفي حقبة حكم «عبد الناصر» شيدت آلاف المعاهد الأزهرية والمدارس في ربوع مصر، كما تم في عهده افتتاح فروع لجامعة الأزهر في العديد من الدول الإسلامية، كما أن مبدأ المساواة ومجانية التعليم التي أقرها «عبد الناصر» أوصلت الفتاة لأول مرة إلى التعليم الديني، فتم افتتاح عشرات المعاهد الأزهرية للفتيات، إضافة إلى إقامة المُسابقات لتحفيظ القرآن وطباعة كتب التراث الإسلامية والدينية.



«عبد الناصر» والأقباط.. أخوة وصداقة

لم يُولي «الزعيم» الراحل الاهتمام دينيًا بالإسلام والأزهر فقط، فكان للكنيسة والأقباط نصيب كبير من دعم «عبد الناصر»؛ فبعد ثورة يوليو رفع الأقباط مطالب هامة ومحورية لتحقيقها في الجمهورية الجديدة، وكان أبرزها: «فصل الدين عن السياسة - رفع القيود الصارمة بشأن بناء الكنائس - التمثيل النيابي - إذاعة الشعائر الدينية – المساواة في الوظائف والترقيات والبعثات - منع الدعاية للتفرقة بين قطبي الأمة المصرية»، حسب مقال نشر بعنوان «الأقباط يطالبون بالمساواة والإنصاف عملًا لا قولًا» في جريدة «المصري».

ولقيت مطالب الأقباط اهتمامًا من «الزعيم»، فعلى مدار عدة سنوات كان لقرارات عبد الناصر أثرًا بشأن تلبية مطالبهم، ففي يوم الثلاثاء ٢٥ يونيو ١٩٦٨ أزاح الرئيس الراحل الستار عن لوحة رخامية كتب عليها بماء الذهب: «باسم الله القوي» في افتتاح مبنى الكاتدرائية بالعباسية، بعد أن استغرق بناؤها ٣ سنوات «وهي من تصميم المهندس عوض كامل وسليم كامل فهمى والمهندس ميشيل باخوم أشهر مهندس إنشاءات فى مصر». كما تم فض النزاع حول ملكية أرضها بين الكنيسة والحكومة، خاصة وأن موقعها مُميزًا بمنطقة العباسية، وكانت تُستخدم كمدافن وتحمل اسم الأنبا رويس.

جمال عبد الناصر والكنيسة 



فالنزاع على ملكية أرض الكنيسة لم يكن حديثًا وبدأ من قبل ثورة يوليو وتحديدًا عام ١٩٣٧، وانتهى بتدخل «عبد الناصر» بعد أن طلب وساطته البابا كيرلس السادس، للموافقة على بناء الكاتدرائية على الأرض محل النزاع، وهو الأمر الذي استجاب له «الزعيم» وأيده ودعمه بمساهمة الدولة بمبلغ ١٦٧ ألف جنيه فى بناء الكاتدرائية.

وكلف «عبد الناصر» سامى شرف مدير مكتبه، والمهندس عدلى أيوب، بالتوجه للكاتدرائية وتسليم البابا كيرلس شيك بالمبلغ، وبالفعل تم وضع حجر الأساس عام ١٩٦٥، حتى افتتاحها ١٩٦٨ في حفل حاشدٍ حضره الآلاف من المصريين والوفود الأجنبية وعلى رـأسهم إمبراطور إثيوبيا. وحسب تقارير نشرت آنذاك، فإن «عبد الناصر» أمر بعقد اجتماع أسبوعي كل يوم اثنين، بين سامي شرف وزير شئون رئاسة الجمهورية، والأنبا صمويل أسقف الخدمات، لبحث وحل أى مشاكل تطرأ للمسيحيين.

ووصف العديد من التقارير الصحفية والمؤرخون علاقة «عبد الناصر» بالكنيسة وأبنائها بالأخوية والصداقة، وأيد ذلك علاقة عبد الناصر الممتازة والصداقة مع البابا كيرلس السادس، وذكرت تقرير أن «الزعيم» سأل البابا كيرلس السادس عن عدد الكنائس التى يرى من المناسب بناءها سنويًا فرد البابا «من ٢٠ إلى ٣٠)، فكان رد «عبد الناصر» بأن يكون عدد الكنائس المبنية سنويا ٢٥ كنيسة، على أن يكون التصريح بها بتوجيه من البابا نفسه إلى الجهات الرسمية.