رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

اقتصاد

أحمد محمد عماد الدين السبكي يكتب عن صراع العمالقة

أحمد محمد عماد الدين
أحمد محمد عماد الدين السبكي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

عندما دقت الساعة منتصف الليل إيذانا ببداية يوم الخميس السادس من يوليو 2023، جاء إلى عالمنا الرقمي وافد جديد من عائلة الوسائط الإجتماعية وهو تطبيق "ثريدز- Threads"، والذي أطلقته شركة "منصات ميتا – Meta Platforms"، والذي هو بالأساس تطبيق مرتبط بتطبيق آخر هو "إنستجرام"، ويتيح لمستخدمه متابعة جميع الحسابات على انستجرام.

طبقا للمعلومات المتاحة عن التطبيق على موقع "ويكيبيديا"، فإنه بعد استحواذ إيلون ماسك على تويتر، ناقش موظفو "ميتا بلاتفورمز" فكرة توسيع ميزة جديدة تسمى "ملاحظات إنستغرام"، وهي ميزة قائمة على النصوص وتهدف لإضافتها إلى إنستغرام، كما ناقش الموظفون فكرة تطبيق منفصل يركز على النصوص. وقد تم البدء في تطوير تطبيق "ثريدز" في يناير 2023، وكان يعرف في الأصل باسم "مشروع 92"، وقد كُشِف عن المعلومات الأولية حول "ثريدز" في مارس، كما نشرت مجلة "ذا فيرج" تفاصيل اجتماع داخلي للشركة في يونيو ثم ظهرت تفاصيل أخرى عن التطبيق فيما بعد. وقامت "ميتا بلاتفورمز" بنشر التطبيق في متجر تطبيقات آبل في 3 يوليو، وتم إطلاق "ثريدز" رسميًا في 5 يوليو في 100 دولة، باستثناء دول الاتحاد الأوروبي بسبب عدم اليقين بشأن السياسات التنظيمية الخاصة به، ولا سيما حول قانون الأسواق الرقمية للاتحاد الأوروبي الذي يضع قواعد وقيود حول كيفية مشاركة الشركات الكبيرة مثل ميتا للبيانات بين الأنظمة الأساسية التي تمتلكها، وبذلك يمكن أن تعد مشاركة البيانات بين ثريدز وانستغرام جزءا من المشكلة بالرغم من إعلان شركة "ميتا بلاتفورمز" عن أنها تحافظ دائما على حماية خصوصية البيانات وأن هذا المبدأ أمر أساسي لجميع أعمالها.

في اليوم الأول لإطلاقه، اجتذب التطبيق أكثر من 10 مليون مشترك في أول 7 ساعات، وأكثر من 30 مليون مشترك في أول 18 ساعة، ووصل عدد مستخدميه بعد مرور أربعة أيام (أي يوم الأحد 10 يوليو) إلى 100 مليون مستخدم، ليكون أول تهديد حقيقي لتطبيق تويتر المملوك لإيلون ماسك. حيث أنه في العادة تجذب التطبيقات الجديدة أو الاتجاهات الجديدة من يُطلق عليهم "متبنوا الجديد – Early adaptors"، ثم يأتي بعد ذلك المتبعون أو Followers، ثم بعد ذلك المتحفظون. وفي حالة هذا التطبيق، هناك العديد من الواثقين بإمكانية الشركة التي أطلقت التطبيق، حيث أن هناك ملياري مستخدم لتطبيق الانستجرام الذي يرتبط به التطبيق الجديد.

وقد كان للقيود المفروضة من إدارة تويتر والتي تم وضعها منذ أن تمكن إيلون ماسك من شراء الشركة في أكتوبر من عام 2022، الأثر الكبير في تفكير مطوري شركة "ميتا" لتطوير التطبيق الجديد. فقد كانت القرارات غير المدروسة والتي تسببت في عزوف المستخدمين والمعلنين عن المنصة والمتمثلة في القيود اليومية على سرعة متابعة الحسابات التي يمكن للمستخدم الواحد متابعتها، وبالإضافة إلى هذه القيود اليومية، توجد نسب متابعة تسري فور متابعة عدد معين من الحسابات، فيمكن لكل حساب على تويتر متابعة ما يصل إلى 5000 حساب، لكن وبمجرد الوصول إلى ذلك الرقم، قد يحتاج صاحب الحساب إلى الانتظار حتى يزداد عدد متابعي حسابه قبل أن يتمكن من متابعة مزيد من الحسابات. وأيضا ظهور رسائل مفادها عدم قدرة المستخدم على متابعة المزيد من الأشخاص في الوقت ما نتيجة لعدد من الأسباب التي قد تكون الوصول إلى حد المتابعة اليومي، أو متابعة الكثير من الحسابات بسرعة كبيرة، أو الوصول إلى حد نسبة المتابعة، والطلب بمعاودة المحاولة بمجرد زيادة عدد متابعي الحساب، أو طلب إلغاء متابعة بعض الحسابات لمتابعة حسابات جديدة. كل هذه القيود أدت إلى تذمر مستخدمي تويتر، الأمر الذي التقطته إدارة شركة "ميتا" وانتهزت الفرصة التي أهدتها إليها شركة تويتر وبدأت في تطوير التطبيق الجديد.

وبالرغم من وجود تشابه في الأساس الذي بُني عليه التطبيق مع توتير، فهو يتيح نشر نصوص قصيرة يمكن للمستخدمين الإعجاب بها وإعادة نشرها والرد عليها، فقد أستفاد التطبيق الجديد أيضا من ثغرات الخصائص الفنية لتطبيق تويتر، وسد العديد من هذه الثغرات فأتاح مشاركات تتكون من 500 حرف، أي 280 حرفا أكثر من تويتر، مع إمكانية إرفاق الصور ومقاطع الفيديو لمدة تصل إلى 5 دقائق، فأصبح التطبيق لا يعتمد فقط على ارسال نصوص، ولكن أيضا على ارسال صور ولقطات فيديو.

وعلى الرغم من أن ثريدز تطبيق مستقل بذاته، فإن المستخدمين بوسعهم تسجيل الدخول باستخدام بياناتهم على إنستغرام ومتابعة نفس الحسابات، ما يجعل التطبيق إضافة يسيرة لأكثر من ملياري مستخدم نشطين شهريا على تطبيق مشاركة الصورامام تعثر تويتر، ولكن هذه الميزة الأساسية أعتبرها البعض أيضا مشكلة أساسية في التطبيق حديث الوجود، حيث أن ارتباطه الأساسي بحسابات إنستجرام أدى إلى وجوب حذف المستخدمين حساباتهم على إنستجرام أولا إذا رغبوا في حذف حساباتهم على ثريدز، وقد أعلن آدم موسيري (الرئيس التنفيذي لإنستجرام) على ثريدز أنهم "يبحثون في وسيلة لحذف حساب ثريدز بشكل منفصل".

وهنا يتبادر لنا سؤال هام، هل انتهكت شركة "ميتا بلاتفورمز" حقوق الملكية الفكرية الخاصة بتطبيق تويتر عندما أطلقت تطبيقها الجديد؟ من الوهلة الأولى وطبقا للفروق المعلنة بين التطبيقين، فإنه في الغالب لم ينتهك التطبيق الجديد حقوق الملكية الفكرية، وعلى ذلك فإن الصراع بين التطبيقين سيكون على تحسين الخدمات المقدمة وسرعة الاستجابة لمتطلبات مستخدمي التطبيق وكيفية جذب المزيد من المستخدمين وشركات الاعلانات، وجذب المشاهير لاستخدام التطبيق. ولكن في نفس الوقت وطبقا لما ذكره الخبراء في مواقع إخبارية ذات ثقة عالية (مثل سكاي نيوز عربية)، فإن هناك رسالة أوصلها أحد محامي تويتر وهو "أليكس سبيرو" إلى زوكربيرج بأن موقع التدوينات القصيرة "تويتر" يهدد بمقاضاة "ميتا بلاتفورمز" بسبب التطبيق الجديد، ويطلب منه اتخاذ إجراءات فورية لمنع استخدام أي أسرار تخص منصة تويتر، ويدعي أن شركة "ميتا بلاتفورمز" قد استعانت بموظفين سابقين في شركة "تويتر" لاستنساخ التطبيق، وإن هذا الأمر يعتبر حصول على أسرار تجارية بطريقة غير قانونية.

في اعتقادي الشخصي، أن شركة "ميتا بلاتفورمز" لابد وأن تكون قد أعطت أهمية كبرى لحقوق الملكية الفكرية حيث أنها شركة لديها خبراء متخصصون في هذا المجال على مستوى عالِ من الحرفية، وأن التشابه بين التطبيقين هو تشابه في الحدود التي تسمح بها القواعد والقوانين فيما يتعلق بتطوير تطبيق للتواصل الاجتماعي، وأنه مثل تطوير نوعية معينة من المنتجات التي تتشابه مع بعضها البعض في المفهوم ولكن تختلف تمام الاختلاف في الوظائف والتفاصيل، فنحن لدينا العديد من وسائل الاتصال التي تستخدم تكنولويجا الصوت من خلال بروتوكول الإنترنت "VOIP"، ولكنها مختلفة تماما عن بعضها البعض، كما أن لدينا العديد من تطبيقات الإدارة الموارد المؤسسية "ERP" ولكنها أيضا تختلف عن بعضها البعض في الكثير من التفاصيل، وهذا ما أعتقد أنه تم اتباعه في تصميم التطبيق الجديد. وسوف يظهر في القريب العاجل إن ما كان هذا التهديد الذي أثارته إدارة "تويتر" هو من قبيل محاولة إيقاف انضمام مزيد من المستخدمين إلى الوافد الجديد، أم أنه تهديد حقيقي سوف يتسبب في تراجع التطبيق إلى حد اختفائه.

إن ظهور هذا التطبيق الجديد إلى الوجود، يعطينا العديد من الدروس، أولها كيفية استفادة شركة ما من أخطاء منافسيها، فلولا وضع القيود على مستخدمي برنامج تويتر، لا أعتقد أن شركة ميتا كانت لتفكر في تقديم البديل على الأقل في هذا التوقيت. كما يعطينا درسا في أن سرعة الاستجابة لمتطلبات السوق هو من أهم عوامل النجاح، فكل التغييرات التي حدثت في شروط استخدام تويتر ظهرت في نهاية عام 2022 وبداية من شهر نوفمبر 2022، وقد بدأ خبراء شركة ميتا العمل على تطوير منتجهم في شهر يناير 2023 كما ذكؤت العديد من وسائل الإعلام، كما يوضح لنا أن التغييرات غير المدروسة بدقة في تصميم منتج أو شروط تقديم خدمة يمكن أن تدمر أو على الأقل تضعف هذه الخدمة ويمكن أن تؤدي إلى احجام عملائها عن شرائها أو استخدامها، ولذا فإن إدارة أي جهة لابد وأن تدرس جيدا آثار أي قرار تريد اتخاذه، حتى لا ينفض عملائها عنها.

وفي الختام، أرجو أن نستفيد في منطقتنا من دروس مثل هذا التنافس، وأن نضع نصب أعيننا كيفية انتهاز الفرص لتقديم منتجات أو خدمات جديدة تستغل ثغرات المنافسين، سواء في المنتجات أو الخدمات، ولذلك يجب على شركات تطوير البرمجيات في مصر أن تدرس وبكل عناية منافسيها المختلفين وترى كيف يمكن تقديم منتج ينافس في الاسواق المختلفة. كما يمكن أن يكون ذلك درسا جيدا لصناعة مثل السياحة في مصر، بحيث ندرس كيفية استغلال مواردنا الحالية ونقديم حزم من البرامج السياحية نجذب بها سائحين جدد من أسواق أخرى.

بقلم:
أحمد محمد عماد الدين السبكي
عضو مجلس إدارة غرفة صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات
نائب رئيس هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات "إتيدا" السابق.