الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

باسكال سكالديجي يكتب: ضواحى فرنسا مشتعلة.. الشباب فى خطر والمسئولية تقع على عاتق القادة وكبار الموظفين!

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لا يمكن تفسير الوضع فى الضواحى المحترقة دون فهم الاختلالات فى السياسة الاجتماعية ورعاية الأطفال فى فرنسا ككل، والتى قوضها الداخل حرفيًا من خلال التأثيرات الضارة المتعددة والشركات التى تعد أعداء للكفاءة والصالح العام.. فى الغالبية العظمى من البلدان، يقوم الوالدان والأسرة بمهمة تعليم الأبناء وجعلهم قادرين على التصرف بأنفسهم. وهذا السلوك وتلك العادات تختلف باختلاف البلد والثقافة. وعلى الرغم من وجود بعض القواسم المشتركة، إلا أنه لا يوجد تعليم شامل. ويكشف كل ذلك حقيقة أن الأشخاص الذين يعيشون فى نفس البلد يتشاركون فى نفس التعليم مما يسمح لهم باحترام نفس القوانين والقواعد.
فى فرنسا، عندما يفشل الوالدان لأسباب مختلفة: المرض، الغياب، المشاكل الاجتماعية، فإن مؤسسة المساعدة الاجتماعية للطفولة ASE هى التى تتولى المسئولية بفضل المعلمين المتخصصين المعتمدين من الدولة، وعندما يكون الشاب منحرفا، فإن مؤسسة الحماية القضائية للشباب PJJ هى التى تتولى المسئولية بفضل المعلمين المدربين داخليًا من قبل وزارة العدل (فهم ليسوا معلمين متخصصين معتمدين من الدولة).
هاتان المؤسستان لهما خصائصهما الخاصة وممثلوهما الذين لديهم تدريب مختلف يجب احترامه.. إنها مؤسسات متكاملة وتمكن من رعاية جميع القاصرين المحتملين فى فرنسا، بشرط احترام خصوصيات كل منهم وفى الحقيقة، فإن قاضى الأطفال هو الذى يحيل (فى معظم الحالات) الشاب إلى إحدى هاتين المؤسستين، حسب المشكلة المطروحة. الأمر متروك لهذه المؤسسات لفرض الإجراء التعليمى (أو العقوبة التعليمية) التى أعلنها القاضى.
والمشكلة بالفعل على هذا المستوى لعدة أسباب:
- مؤسسة الحماية القضائية للشباب PJJ، التى ترى أن أماكن الإقامة فيها ممتلئة بشكل كبير أقل بقليل من ١٠٠٪، لا تتردد فى إحالة المخالفين القصر إلى مؤسسة المساعدة الاجتماعية للطفولة التى لا يتمتع موظفوها بالكفاءة على الإطلاق.
- عدم الامتثال للعقوبات والتخفيضات المختلفة فى العقوبات ورفض اختصاصيى التوعية طلبات إقامة وتأهيل القاصرين لضمان راحة البال يساهم بشكل كبير فى عدم مساعدة هؤلاء القصر وحل مشاكلهم. فلا يريد المربى أى نزاع مع الشاب وإلا يعتبره رؤساؤه فاشلا. أيضًا، لا يضع المربى حدودًا (أساس كل التعليم) للشباب، الذين سيفرضون إرادتهم بعد ذلك على المعلمين. كل شيء يرجع إلى الشاب، فهو لا ينتظر، ويطالب ويريد كل شيء على الفور. وفى الحقيقة يسعى الشاب، من أجل بناء نفسه لعمل أى شيء وللأسف بطريقة وحشية لا يمكن إصلاحها.
- يستجيب اختصاصيو التوعية بشكل منهجى لطلبات القاصرين، ويتصرف رؤساء الخدمات والتوجيهات بنفس الطريقة حتى لا يكون هناك توتر. وفى نفس الوقت يستنكر الإخصائيون الاجتماعيون الممارسات التعليمية الكارثية بدلا من إصلاحها !
كيف نفسر أن قاصرًا (أو أى شخص آخر) يتم تصويب المسدس تجاهه ولا يمتثل؟ 
فى الحقيقة تخطر ببالنا عدة إجابات: القاصر فاقد للوعى، تحت تأثير المخدرات، أو أنه لا يصدق الشخص الذى يهدد باستخدام سلاحه، وفى النهاية يعتقد أن السلاح مزيف!
من حالة نفسية إلى حالة اجتماعية.. فى الحالتين الأوليين، يكون المجال النفسى على المحك. ويكون المجال الاجتماعى على المحك.. المواقف المتطرفة؛ لذلك يستمر فى متابعة فكرته.. لماذا لم يعد الشاب يصدق الإنسان الكبير الراشد على الإطلاق؟ هذا بالتأكيد لأن الراشد لم يعد موثوقًا به، فهو لا يحافظ على كلمته. لذلك فهو لا يسمح للشاب أن يبنى نفسه على نموذج الموثوقية لأنه ليس لديه المثال المناسب أمامه. لذلك، فإن نظام التعليم الفاشل هذا برمته، ولا سيما مؤسسة الحماية القضائية للشباب PJJ - المنوط بها الاعتناء ورعاية القصر المنحرفين- هى التى جعلت القاصرين لا يؤمنون بالبالغين بشكل عام وبالعدالة بشكل خاص. لسوء الحظ، ليس من المفترض أن تكون فى فرنسا هياكل بديلة للعدالة. لذلك يمكننا أن نخشى أن الهيكل البديل الذى يحل محل العدالة وهو فى الحقيقة هيكل آخر غير قانوني! وذلك من خلال عدم الوفاء بوعودهم، وعدم تنفيذ القرار القضائى، والتستر على انحرافات الشاب أمام قضاة الأطفال، يقوض اختصاصيو التوعية مصداقية العدالة (والكبار بشكل عام) فى نظر القصر. هؤلاء القاصرون يدركون جيدًا أنهم لا يحترمون ما أمر به القاضى وطالما أن العقوبة فى حالة عدم الاحترام لا تسقط. المربى هو شريك الشاب فى انحرافه ويخدع أيضًا القاضى الذى أمر بالتدبير التربوى.
وعندما لا يكون المعلم والمتخصص النفسى الراشد قادرًا على فرض الحدود التى وضعها هو نفسه، فإن العقد الاجتماعى لا وجود له. ويضع الشاب حدوده الخاصة التى لا تعتمد على القانون بل على مزاجه ورغباته واختياره كما يلجأ الشاب إلى من يثق به، شخص يمكنه أن يعطيه ما وعد به.. وأمام كل ذلك يضحى المربى بالقاصر بأنانية شديدة ويقضى على طموحاته المهنية وهدوءه المفترض. كما يخفى هذا المربى حقيقة أن العيش معًا يعنى وجود قواعد مشتركة وأن الأكبر سنًا (بالمعنى الحرفى للمصطلح) يربى الصغار، بحيث تكون هناك حياة مشتركة. وفى الحقيقة، مكان المعلم الذى ظل شاغرًا يتم الاستيلاء عليه من قبل التربويين الآخرين، غير المتخصصين، ولم يعد يستجيب لتطبيق الحكم القضائى، بل يستجيب لقانون الأقوى، الذى يسمى بالعامية قانون الغابة.
تمتلك فرنسا جميع الهياكل اللازمة لتعليم الشباب الذين يواجهون صعوبات بشكل جيد، لكنها لا تستخدمها بحكمة لأن هياكلها منحرفة من الداخل.. فى الحقيقة، فرنسا لديها كل الهياكل اللازمة لتعليم الشباب الذين يعانون من صعوبات عائلية أو منحرفين تعليمًا جيدًا ولكن للأسف، من الواضح أنها لا تستخدمها بحكمة وبشكل صحيح لأن بنيتها مختلة من الداخل. فى الواقع، يجب على الجميع البقاء فى مكانهم، وممارسة المهنة التى تدربوا عليها؛ لذلك يجب على كل مؤسسة أن تتولى مسئولية الشباب المطابق لمهاراتها المهنية.
ويجب أن تظل مؤسستا ASE وPJJ وسيلتين عامتين لتثقيف الشباب وليس وسائل عامة لضمان الترويج الاجتماعى الخاص لبعض موظفيها المستعدين لفعل أى شيء من أجل الحفاظ على حياتهم المهنية. لذلك يجب أن نوقف تطبيق نظرية «لا يوجد أى موجات من الانحرافات»، ويجب معالجة الاختلالات ومناقشتها بصراحة ويجب وضع الحلول.. لا شك أن الممارسة الحالية القائمة على السكوت عن الاختلالات تساهم فى إبقاء هؤلاء الشباب فى موقف التحدى أمام المجتمع.. هؤلاء الشباب لا يؤمنون بالكبار.. وهذا الموقف هو ثمرة ممارسة تربوية كارثية منتشرة منذ سنوات، ولسوء الحظ، لا تزال مستمرة حتى اليوم.
معلومات عن الكاتب: 
باسكال سكالديجى، موظف حكومى وخبير فى السياسة الاجتماعية ورعاية الأطفال.. ينضم للحوار بهذا المقال الذى يتعرض خلاله لنقطة مهمة مرتبطة باحتجاجات فرنسا، وذلك من واقع خبرته فى المجال الاجتماعى.