تسبب كتاب "فى الشعر الجاهلي" لعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين فى حدوث ضجة عارمة.. الكتاب أثار معارضة شديدة قادها رجال الأزهر ضد الدكتور طه حسين، حيث اتهموه فى إيمانه، لأنه احتوى على نقد جديد للغة العربية وآدابها يخالف الأسلوب النقدي القديم المتوارث وقد تم سحب الكتاب من الأسواق لتعديل الفصول الأربعة من الكتاب التي أثارت الرأي العام.
ليس هذا فقط.. بل قررت وزارة إسماعيل صدقي باشا عام ١٩٣٢ فصل الدكتور طه حسين من الجامعة كعميد لكلية الآداب.
لكن.. بعد أكثر من عشرين عاما فاجأ الدكتور طه حسين الجميع برحلته لأداء فريضة الحج عام١٩٥٥.. وقد نشر الكاتب المتميز محمد عبد الشافي القوصي فى كتابه الممتع والرائع "رحلات الأعلام إلى البلد الحرام" كثيرا من تفاصيل وأسرار رحلة عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين لأداء فريضة الحج والتى استغرقت تسعة عشر يوما.
كان لهذه الرحلة صدى واسع في كل مكان وكان استقباله فى المملكة العربية السعودية مهيبا وعرسا لا مثيل له كما قيل.. استقبله العاهل السعودي الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود والأمراء والأعيان والوجهاء والأدباء وكثير من الإعلاميين واحتفت به المؤسسات الثقافية والهيئات العلمية جميعها..كما استقبلته هناك بعثة الأزهر الشريف وكان من بين أعضائها آنذاك الشيخ محمد متولي الشعراوي، حيث كان يعمل أستاذا بكلية الشريعة.
يذكر مؤلف كتاب "رحلات الأعلام إلى البلد الحرام" أن الدكتور طه حسين تعجب من تلك الحفاوة الكبيرة وهذا الاستقبال الرسمي والشعبي المهيب فقال: معذرة إليك يا صاحب السمو، ومعذرة إلى الذين تفضلوا فاستجابوا لهذه الدعوة من الزملاء والزائرين، معذرة عن هولاء المواطنين الذين أخطأوا موضع التكريم ووجهوه إلى غير من كان ينبغي أن يوجه إليه.. أقول لهم: دعوا أخاكم هذا الضعيف وما قدم إليكم من خير قليل واصنعوا خيرا مما صنع وأخطر مما صنع واريحوه من إطالة الثناء لأنها تخجله وتشعره بأنه يسمع ما ليس له الحق فيه.
كما انه أثناء أدائه لفريضة الحج تعرض لكثير من الأسئلة في مختلف القضايا.. ومن تلك الأسئلة التي طرحت عليه:
*ما إحساسكم حين تجردتم في ملابس الإحرام؟ وبماذا دعوتم الله في المسجد الحرام؟
وكانت إجابة عميد الأدب العربي بأسلوبه الأدبي المميز وبهدوئه المعروف:
** أؤثر أن يترك هذا الجواب على هذين السؤالين لما بين الله وبيني من حساب، وإنه لعسير، أرجو أن يجعل الله من عسره يسرًا.
وسؤال آخر:
*ما الشخصية التي استهوت عميد الأدب العربي؟
أجاب ببساطته المعهودة:
**أولا: رسول الله صلى الله عليه وسلم..
وثانيا: عمر بن الخطاب..
وثالثا: على بن أبى طالب...
لقد قرأت باعجاب وانبهار ما كتبه الصحفي الكبير علي حافظ، رئيس تحرير جريدة الشرق الأوسط الاسبق من أن : "طه حسين شوهد أثناء وقوفه عند الحديبية وهو يأخذ حفنة من التراب ويقبلها".. وعندما سئل عن ذلك قال: "لعل الرسول صلى الله عليه وسلم وطئ هنا".
ختاما.. كل التقدير والاحترام لك يا حضره عميد الأدب العربي الغائب الحاضر
ورحمك الله واسكنك فسيح جناته يا من أنرت العقول وتفوقت ونبغت برغم كل ما واجهته فى حياتك من متاعب شديدة وآلام قويه وصعوبات كثيرة كان اقلها فقد بصرك وأنت طفل صغير!.
