الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

مصريات

«ملوك مصر القديمة».. رحلة بدأت منذ 3 آلاف عام من "الدير البحري" وانتهت في "متحف الحضارة"

مومياء الملك توت
مومياء الملك توت عنخ آمون
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

قبل نحو 2900 عامًا، وتحديدًا في عام 969 ق م، توفي الكاهن بينوزم الثاني، وهو كبير كهنة آمون بطيبة «الأقصر»، وكان قد أعد لنفسه قبرًا منيعًا بعيدًا عن أيدي اللصوص نابشي القبور المصرية القديمة، فكما نعرف أن القبر المصري القديم هو كنز لمن يعثر عليه، حيث يتم دفن المتوفي ومعه كل ما يخصه، ومن هنا تفتق ذهن الكهنة عن فكرة لحماية أجساد الملوك جميعًا وليس بينوزم فقط، ومن هنا بدأت الرحلة. 

قرر الكهنة جمع كل أجساد ملوك مصر القديمة، في مقبرة واحدة وهي مقبرة بينوزم الثاني، وذلك لأنها قبرًا منيعًا بعيدًا عن أيدي وأعين اللصوص، فقد كانت المقبرة تقع أعلى معبد حتشبسوت على البر الغربي للنيل في الأقصر، في منطقة بعيدة عن أعين وخيال اللصوص، ففي ذلك الوقت 900 ق م، كانت الإمبراطورية المصرية قد تدهورت وساءت أحوالها وانتشرت جرائم سرقة ونبش القبور وخصيصًا الملكية، ولنا أن نتخيل هذا المشهد المهيب الرهيب قبل 2900 عامًا، والكهنة يجتمعون ويقررون فتح مقابر الملوك قبرًا قبرًا، ثم نقل التوابيت الملكية والمتعلقات إلى مقبرة واحد، منظر جنائزي رهيب يحتاج إلى مخرج عبقري واسع الخيال ليس أقل من ستيفين سبيلبيرج كي ينتجه على شاشات السينما. 

بدأت الرحلة، وبالفعل استطاع الكهنة أن يجمعوا في هذا القبر ما يقرب من 50 تابوتًا من بينهم ما يقرب من 13 ملكًا وملكة، وبقية التوابيت لأمراء وأميرات وكهنة، وهناك توابيت لم يتم تحديد هوية أصحابها، وظل القبر حافظًا للعهد محتفظًا بالسر حتى عام 1871م، وقد نشط في هذا الزمن "القرن الـ19" لصوص الآثار، ومنهم عائلة شهيرة احترفت هذه المهنة، حيث استطاع 3 أشخاص منهم التوصل لقبر بينوزم، ولنا أن نتخيل، إذ بهم يفاجئون، وهم الذين قد يكون قد قضوا عمرهم ولم يروا سوى تابوت أو اثنين ملكيين، بـ50 تابوتًا عليهم الشارات الملكية التي كان يحفظها اللصوص عن ظهر قلب. 

وهنا بدأت هذه العائلة باستخراج كل ما تستطيع أن تصل إليه أيديهم من أثاث جنائزي أو لفائف بردي أو حلي أو أي متعلقات، وبدأت حركة بيع تلك المقتنيات لهواة الآثار سواء المصريين أو الأجانب، وبدأت تلك القطع تظهر في السوق الأوروبية، حتى وصلت لفافة بردي من تلك البرديات إلى أحد هواة الآثار بأوروبا. 

على جانب آخر كانت السلطات المصرية بدأت تلاحظ أن أسواق الأنتيكات في أوروبا وخاصة باريس بدأت تظهر فيها قطع غير مسجلة، وقطع ذات طابع ملكي، وهذا ما دفعها إلى تكثيف تحرياتها، ونشر رجالها في صعيد مصر لمحاولة فك هذااللغز. 

نرجع هنا إلى الرجل الذي اشترى البردية، والتي يبدو أنها كانت بردية ذات طابع خاص، حيث بدأ في تعقبها، حتى توصل إلى مصدرها بمصر، وهم الإخوة الثلاثة، وبدأ يساومهم كي يدلوه على المقبرة، وكان مستعدًا أن يعطيهم ما يريدون من مال، ولكن يبدوا أن الأمر قد بات وشيكًا وانكشاف المستور اقترب، فبعد أن رفض الأشقاء الثلاثة عرض الأوروبي، ذهب هو إلى حاكم إقليم قنا وفضح سرهم. 

وعلى الفور قامت سلطات الأمن بمداهمة بيت العائلة، وألقت القبض على أكبر الإخوة، وتم الضغط عليه بشدة كي يعترف بمكان المقبرة، وبعد مرور أزمة حبسه، رجع إلى إخوته، وطلب حصة أكبر من حصيلة بيع آثار المقبرة لأنه هو الوحيد بينهم الذي تعرض للحبس، فرفضوا، فدب الخلاف بينهم، فما كان منه إلا أن ذهب إلى حاكم إقليم قنا وأخبره بمكان المقبرة. 

وانتقل حاكم الإقليم بنفسه ومعه رجال الآثار للمقبرة، وفي إجراءات سريعة متتالية بدأت الرحلة الثانية للملوك الذين بعد أن كانوا مستقرين في مقابرهم، ورحلوا عنها إلى مقبرة بينوزم، الآن بدأت السلطات وفي خلال 48 ساعة باستخراج كل ما كان بداخل المقبرة والتي تم تسميتها بخبيئة الدير البحري أو المقبرة TT320 ، وتحت إشراف بركش باشا الأمين المساعد لمصلحة الآثار المصرية وكان هذا في عام 1881م، تم استخراج 50 تابوتًا، و"بركش باشا" هو عالم المصريات الألماني إميل بروجش.

في عام 1882م نزل إميل وماسبيرو إلى المقبرة، والتي كانت عبارة عن بئر دفن ينتهي بحجرتين يربطهما سرداب طويل طوله نحو 40 مترًا، والمقبرة مساحتها تقترب من 70 مترًا، وقد نقل ماسبيرو النقوش الموجودة على الجدران وتم ترجمتها ثم أعيد دراستها مرة أخرى عام 1983م. وكان ضمن التوابيت التي تم استخراجها من المقبرة، تابوت الملكة تتي شري، والزوجة الملكية أحمس نفرتاري، والملكة أحمس إنحابي، والزوجة الملكية نجمت، والملوك، سقنن رع تاعا الثاني، وأحمس الأول، وأمنحتب الأول، وتحتمس الأول، والثاني والثالث، ورمسيس الأول، والثاني والثالث والتاسع، وسيتي الأول. 

من ناحية أخرى في عام 1898م استطاع عالم الآثار الفرنسي فكتور لوريه اكتشاف خبيئة ثانية، ولكنها أقل عددًا حيث كان عدد التوابيت حوالي 13 تابوتًا، وكانت محفوظة في مقبرة الملك أمنتحب الثاني، وثم العثور فيها على توابيت الملوك أمنتحب الثاني، والثالث، وتحتمس الرابع، ومرنبتاح، وسا بتاح، ورمسيس الرابع، والخامس، والسادس، وسيتي الثاني، والملكة تي. 

وكأن شمل الملوك قد اكتمل، وفي عام 1886م، تم نقل المجموعة التي تم اكتشافها بواسطة اللصوص وهي خبيئة الدير البحري إلى متحف بولاق وتم فك لفائف بعض المومياوات بواسطة جاستون ماسبيرو أمام نظر الخديو توفيق، ثم نُقلت كل المومياوات إلى بولاق، وبعد افتتاح المتحف المصري في التحرير عام 1902م، تم نقل المومياوات الملكية إليه، وكان ذلك في عهد الخديو عباس حلمي الثاني، ثم نُقلت المومياوات الملكية إلى ضريح سعد باشا زغلول عام 1931م، في عهد الملك فؤاد الأول، وفي عام 1936م، عادت إلى المتحف المصري بالتحرير مرة أخرى واستقرت هناك، وافتتح جناح عرضها الخاص بالدور الثاني وظلت مستقرة به حتى 3 أبريل عام 2021م. 

وفي هذا التاريخ، 3 أبريل 2021م، أي بعد 2900 عامًا من دفنهم للمرة الأولى في مقبرة بينوزم، انطلق موكب الملوك والملكات في رحلته الأخيرة، من متحف التحرير، يحمل أجساد 18 ملكًا و4 ملكات حكموا مصر منذ آلاف السنين، في موكب مهيب تحدث عنه العالم بلا مبالغة، ليستقروا في مأواهم الأخير، وهو المتحف القومي للحضارة المصرية، وكان في استقبال الجثامين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بنفسه، وهو ما يُعبّر عن تقدير وإجلال الدولة المصرية لأجدادنا صناع حضارتها وبناة مجدها الخالد.  

222
222
20180909-142604-largejpg
20180909-142604-largejpg
120097963_3170529423048337_6584260172277283989_o
120097963_3170529423048337_6584260172277283989_o
1638873200035-42-17491569
1638873200035-42-17491569
5253796251672307670
5253796251672307670
nhhhhhhhhhhhhhttttttttttttff
nhhhhhhhhhhhhhttttttttttttff