الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

إبراهيم نوار يكتب: عين على المستقبل.. قراءة فى تحليلات أمريكية وإسرائيلية لاتفاق الرياض وطهران

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ما يحدث فى الشرق الأوسط منذ صدر فى بكين إعلان  التهدئة بين السعودية وإيران، والاستعداد لاستئناف العلاقات بينهما برعاية صينية، يترك انطباعًا بأن المنطقة تضع وراء ظهرها عقدًا من الصراع والتوتر، حتى قبل أن تبدأ العلاقات الرسمية الطبيعية بين الدولتين.. الرئيس الإيرانى إبراهيم رئيسى تلقى دعوة من الملك سلمان لزيارة السعودية، حسب بيان رسمى صدر فى طهران. الدفء يعود إلى العلاقات بين الإمارات وإيران مع استعداد طهران لإرسال سفير جديد لها إلى الإمارات.  والبحرين تحاول اللحاق بالسعودية. الحوثيون يستعدون لتبادل الأسرى، ونائب رئيس مجلس الرئاسة اليمنى العميد طارق صالح يتحدث صراحة عن سكوت صوت المدافع فى اليمن، وإيران توقع اتفاقية أمنية مع العراق. 
ولا يتوقف الأمر عند التطورات على الصعيد الثنائى، بل إن المنطقة تشهد تخفيضًا لحدة الاستقطابات السياسية داخلها، حيث استقبل رئيس الإمارات وفدًا سوريًا برئاسة الرئيس بشار الأسد، واستقبلت القاهرة وزير الخارجية التركي. إلى هذا الحد فإن "المبادرة الصينية" تبدو حتى الآن بداية مرحلة سياسية جديدة، حيث تنتشر آثارها الإيجابية فى أركان المنطقة، بما يبشر بوضع أسس "فترة انتقالية" للخروج من وضع التوتر إلى التهدئة وصنع السلام. ما يحدث يؤكد صحة ما نقله ديفيد إغناشيوس فى صحيفة واشنطن بوست (١٦ مارس ٢٠٢٣) عن هنرى كيسنجر فى حوار أجراه معه بقوله: "الصين قالت إنها تريد المشاركة فى بناء النظام العالمى، وهاهى تفعل فى الشرق الأوسط، بالبدء فى إقامة نظام إقليمى متعدد الأقطاب" هذا الإستنتاج الكبير الذى سجله كيسنجر مهم جدا؛ لأنه يتناقض مع قول كثير من المفكرين الغربيين الذين يشككون فى مصداقية الدبلوماسية الصينية والنوايا الإيرانية، لدرجة إننا نستطيع الاستنتاج بأنهم يعتبرون أن التطورات فى الشرق الأوسط منذ ١٠ مارس حتى الآن هى مجرد "فجر كاذب" أو حالة وهم سقطت فيها المنطقة، لن تدوم كثيرا. هذا لا يعنى أن مرحلة الإنتقال ستكون سهلة أو خالية تماما من التوتر والتحديات، وإن كنا نشهد قيام آليات جديدة لتيسير الإنتقال وتقليل التوتر والمخاطر. 
وربما كان الارتباك فى تقييم جديد الشرق الأوسط، خصوصًا من جانب تل أبيب، وواشنطن، والعواصم الاوروبية الرئيسية، والتأخر فى إصدار ردود رسمية بشأنه، يعود إلى تضارب المواقف والتفسيرات للدور الدبلوماسى الصينى الجديد. ويتجه التقييم الرسمى فى العواصم الغربية حتى الآن إلى اعتبار أن أى إجراء للتهدئة وتقليل التوتر فى الشرق الأوسط هو شيئ إيجابي، لكنه يشكك فى دوافع ونوايا الصين، ويقلل من أهمية استئناف العلاقات بين السعودية وإيران، حيث يحصرها فى إطار ثنائى فقط. 
 


رؤية إسرائيلية للمبادرة
ثلاثة من أهم خبراء معهد دراسات الأمن القومى فى جامعة تل أبيب (INSS)، المتخصصين فى الشؤون الإيرانية والسعودية، هم "شيما شاين"، "يوئيل جوزنسكي"، و"إلداد شافيت"، إشتركوا فى إعداد ورقة مهمة للمعهد فى تقييم مبادرة الصين لإعادة العلاقات بين السعودية وإيران، تم نشرها على الموقع الإلكترونى للمعهد فى ١٤ مارس الحالي. وكان الإنطباع الأول عن إعلان بكين، هو أنه جاء بمثابة "مفاجأة"، خصوصًا وأن المحادثات التى أفضت إليه جرت بعيدًا عن الأعين، وأن الطرف الذى توسط فيها كان الصين. وقد سعت الورقة للإجابة عن سؤالين أساسيين، الأول هو ما يعنيه الإتفاق بالنسبة لإسرائيل والمنطقة، والثانى حول ما إذا كان الاتفاق سيمنع انضمام السعودية إلى "اتفاقات إبراهام"؟.
من وجهة نظر خبراء المعهد فإن المبادرة الصينية تعكس زيادة فى مستوى التفاعلات بين الصين ودول الخليج، فى مقابل الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن واشنطن رحبت بأى خطوة تؤدى إلى تقليل التوتر الإقليمي، فإنها لا ترى أن التدخل الصينى محل ترحيب.  كما أن هذا التطور ينسف جهود إقامة معسكر ضد إيران فى المنطقة. ويتفق الخبراء الثلاثة على أن الاختبار الرئيسى للاتفاق سيكون فى اليمن.
علاقة التهدئة بالخيار النووى السعودي
وفى ورقة أخرى للمعهد (١٩ مارس) كتبها يوئيل جوزنسكي، ناقش فيها الصدام بين "جهود" إسرائيل فى منع الانتشار النووى (!) وتوسيع نطاق عمليات التطبيع، فى الحالة السعودية، وكيف يمكن أن تتصرف إسرائيل، على ضوء التطورات الجارية. يقول الخبير الإسرائيلى أن السعودية تتقدم بخطوات حثيثة لكن ثابتة فى برنامجها النووى من خلال عدة مسارات. وبالنسبة لتأثير إعادة العلاقات السعودية مع إيران، يقول جوزنسكى أن ذلك لم يغير من الحقائق الأساسية فى هذا السياق، بما فى ذلك مفهوم السعودية عن التهديد الإيراني. وفى المستقبل غير البعيد فإن التضارب سيزيد، بين مصلحة إسرائيل فى مراقبة البرنامج السعودى والعمل على تقييده بسبب المخاطر المترتبة عليه، وبين مصلحتها فى توسيع علاقاتها مع السعودية، وذلك على الرغم من طبيعة الارتباطات الحالية وآفاقها المستقبلية. وفى هذه الحالة فإن اعتبارات منع مخاطر الانتشار النووى يجب أن تتقدم فى الأولوية. وأكد جوزنسكى أن إسرائيل يحب أن تكون مستعدة لاتخاذ إجراءات متنوعة لمنع السعودية من تخصيب اليورانيوم والبلاتنيوم. الإستنتاج الذى توصل إليه جوزنسكى يعنى عمليا أن رغبة إسرائيل فى تطبيع العلاقات مع السعودية، وتوسيع اتفاقات أبراهام حتى وإن كانت من وجهة نظر البعض، لا تصطدم باستئناف علاقاتها مع إيران، فإنها تصطدم بمصلحة إسرائيل الاستراتيجية فى احتكار السلاح النووى إقليميا. هذا الاستنتاج من شأنه، من وجهة نظرنا، أن يبرر تقليل التوتر، وزيادة التقارب بين السعودية وإيران. 
خطاب التصعيد فى إسرائيل 
فى ٢٧ فبراير ٢٠٢٣ نشر "والتر راسل ميد" مقالًا فى "وول ستريت جورنال"، عن لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو المنشور على موقع الجورنال فى ٢١ فبراير، بمناسبة المؤتمر الأمنى المنعقد فى "تكفاه". خرج "ميد" من المقابلة مع نتنياهو، ومن المؤتمر الأمني، بانطباع قوى، بأن الولايات المتحدة أصبحت أقرب للإنخراط فى حرب جديدة فى الشرق الأوسط، أكثر مما يعتقد كثيرون فى واشنطن نفسها، وإنها تواجه بالفعل أخطر أزمة دولية منذ أواخر ثلاثينات القرن الماضي. ويعكس مقال "ميد" تأثير حملة التعبئة والتحريض، التى كان يقودها نتنياهو من أجل إقناع الولايات المتحدة بسرعة توجيه ضربة عسكرية "ذات مصداقية" إلى إيران. كما يعكس صعوبة موقف حكومة إسرائيل بسبب الغليان الذى تشهده الضفة الغربية، منذ تشكيل حكومة اليمين الدينى الصهيونى فى إسرائيل. ويبدو أن إشعال حرب ضد إيران، يبدو هو الخيار المفضل لدى نتنياهو لإطفاء حريق الصدامات فى الضفة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومواجهة المحتجين الإسرائيليين على مشروع تعديل النظام القضائي. ويعود تقاطع المبادرة الصينية فى الشرق الأوسط مع الصراعات متعددة الاتجاهات التى تخوضها الحكومة الإسرائيلية ضد ايران، وضد الفلسطينيين، وضد الليبراليين الإسرائيليين، إلى إنها تقلل احتمالات الإقدام على شن حرب ضد إيران، لأن إسرائيل لن تجد تأييدًا من دول الخليج، ولا حتى من الولايات المتحدة التى تعتبر أن الحرب هى آخر الخيارات المتاحة، ولا حتى من أوروبا الغارقة فى حرب أوكرانيا. وتعتبر إسرائيل أن الخيار المثالى لشن ضربة عسكرية ضد إيران، إنما يكون فى إطار تحالف إقليمى ودولى، أى لا تقوم بها بمفردها. ومن ثم فإن مقال "والتر راسل ميد" فقد مصداقيته لأن مناخ الحرب القريبة التى توقع أن الولايات المتحدة كانت أقرب ما تكون إلى الإنخراط فيها، قد نسفته الدبلوماسية الصينية. 
هل كانت إيران تسعى فعلًا للتهدئة؟
"جون بي. أولترمان"، مدير برنامج دراسات الشرق الاوسط فى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية فى الولايات المتحدة، كتب فى يوم صدور البيان على موقع المركز، مقالًا يتساءل فيه عن الأسباب الكامنة وراء الوساطة الصينية بين كل من السعودية وإيران. وطرح أربعة أسئلة رئيسية قدم من خلال إجابات نقدية لجوانب الدبلوماسية الصينية فى الشرق الأوسط، تنتهى جميعها إلى تقليل أهميتها. 
السؤال الأول، تناول دلالة توقيت إعادة العلاقات، وقال إن السعودية قد كثفت جهودها ضد إيران فى الأشهر الأخيرة، من خلال القناة الاعلامية "إيران إنترناشيونال"، التى تبث من الولايات المتحدة باللغة الفارسية. وفى الوقت نفسه، ورغم الخلافات الكثيرة بين البلدين، فإن سياسة إبراهيم رئيسي، منذ انتخابه فى عام ٢٠٢١ كانت تهدف إلى تهدئة العلاقات مع الدول المجاورة. ومن ثم فإن الدبلوماسية الصينية كانت بمثابة عامل مساعد فقط قليل القيمة. وفى السؤال الثاني، عما تعنيه الدبلوماسية الصينية فى الخليج بالنسبة للصين يرى "أولترمان" أن وساطتها لاستئناف العلاقات بين السعودية وإيران، تضيف عاملا مظهريا فى افتخار الصين بنفسها، وأنها ترسل للعالم رسالة، مفادها أن وجودها الدبلوماسى فى المنطقة يقوى ويتعاظم، فى حين أن دور الولايات المتحدة يتآكل وينكمش. وهو يعتقد أن الصين تبالغ فى تصوير دورها، حيث إنها لم تكن الدولة الوحيدة التى تبنت استراتيجية التهدئة، فقد سبقتها إلى ذلك دول أخرى. وفى السؤال الثالث عما تعنيه الدبلوماسية الصينية بالنسبة لدور الولايات المتحدة فى الخليج، قال إن الولايات المتحدة لم يكن باستطاعتها القيام بالدور الذى قامت به الصين، لعدم وجود علاقات مباشرة مع إيران. وذكر أن توقيع السعودية على الاتفاق بدون تدخل أمريكي، يعنى أنها تريد تنويع رهاناتها الأمنية. ويرى أن واشنطن تنظر إلى الخطوة السعودية من ناحيتين: الأولى إنها ترحب بأن تتحمل السعودية مسؤولية أكبر فى المحافظة على أمنها، والثانية إنها لا تريد أن تتسبب السعودية فى الإضرار بمصالح الولايات المتحدة واستراتيجيتها الأمنية. وفى السؤال الرابع  تساءل "أولترمان" عما يكشفه الاتفاق عن طبيعة الدبلوماسية السعودية، فقال إنها كانت حريصة على إبعاد الولايات المتحدة عن المحادثات، لتحييد أى تأثير محتمل على مسارها. كما أنها تعمدت، قبل إعلان الاتفاق مباشرة، تسريب معلومات لصحيفة "وول ستريت جورنال"، عن محادثات سرية مع الولايات المتحدة، بشأن تطبيع العلاقات مع إسرائيل، تتضمن شروطا وضمانات أمنية. وقد نشرت الصحيفة التسريبات، فى الوقت الذى كانت فيه الوفود الصينية والسعودية والإيرانية، تضع اللمسات النهائية لصيغة الاتفاق، وتتأهب لإعلانه فى بكين. ويرى "أولترمان" أن الخلافات بين السعودية وإيران عميقة جدا، وانها تسبب لها تهديدات طويلة المدى.