الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

لعبة الكراسى الموسيقية فى أفريقيا.. هل يمكن للقارة السمراء الاستفادة من صراع القوى العالمى؟

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

خطة أوروبية لتعميق التواجد فى أفريقيا ومواجهة «النفوذ الروسى» 

 

واشنطن تجرى مفاوضات سرية مع بوركينا فاسو وجمهورية أفريقيا الوسطى لاستبعاد «فاجنر» مقابل مساعدات مالية كبيرة

 

فى إطار خطة أمريكية وقرارات أوروبية يجرى الاتفاق على تنفيذها بدون ضجة إعلامية، ويمكن القول إن «النار تغلى تحت الأرض» فى القارة السمراء فى ظل الصراع المتنامى بين روسيا من جهة، وأوروبا والولايات المتحدة من جهة أخرى.. هذا الصراع يتضح أكثر وأكثر عندما نطالع تفاصيله فى عدة تقارير سرية للاتحاد الأوروبى وللبيت الأبيض، نستعرضها فى هذا التقرير. 
ستشرع الولايات المتحدة الأمريكية، بالاشتراك مع فرنسا، فى إجراء مفاوضات سرية مع رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى، ثم مع بوركينا فاسو.. تستهدف واشنطن إخراج مجموعة فاجنر الروسيه من هذين البلدين قبل أن تقترح عليهما تقديم مساعدات مالية كبيرة لهما.
كما ناقش غالبية رؤساء الدول الأفريقية خلال قمة الاتحاد الأفريقى الأخيرة فى أديس أبابا، الصراع الإعلامى بين فرنسا وروسيا فى أفريقيا. وبحسب غالبيتهم، فإن روسيا لا ترغب فعليًا فى تطوير علاقاتها الاقتصادية والاستثمار على الصعيد الأفريقى، بل لم تعد لديها الإمكانيات لتحقيق ذلك، ورأى عدد من الرؤساء الأفارقة أن روسيا تسعى فقط للسيطرة على إنتاج المناجم الاستراتيجية أو مناجم الذهب باستخدام مجموعة فاجنر التى تنشئ شركات تجارية لإعادة شراء المناجم الموجودة بسعر أقل، مستندين فى ذلك إلى ما قدمه عنصر منشق من مجموعة فاجنر، على تواصل بالمخابرات الجزائرية، من العديد من الوثائق حول هذه الاستراتيجية.
وبينما يسعى الرئيس الروسى فلاديمير بوتين إلى تنظيم قمة أفريقية - روسية فى سوتشى أو سانت بطرسبرج، تشرف كلٌ من واشنطن وباريس على مجموعة عمل مشتركة حول العمليات الروسية فى أفريقيا، وتحضران مع الاتحاد الأوروبى لملف شامل حول الشبكات الروسية فى أفريقيا وعمليات التأثير التى تنظمها.
وإذا فشلت مفاوضات واشنطن، سيتم إدراج مجموعة فاجنر على قائمة العقوبات، خاصةً بعد التقرير الأخير لخبراء الأمم المتحدة الذى يتهم عناصر فاجنر بالاغتصاب والتعذيب والابتزاز.
يأتى ذلك بينما تشير مذكرات سرية لحلف الناتو إلى أن العديد من اللواءات الروس وقادة جهاز المخابرات الروسية، يعارضون الصعود القوى لمجموعة فاجنر فى أوكرانيا، وأوصوا الرئيس الروسى بتركهم فى أفريقيا.. وبالفعل، روسيا منعت فاجنر من تجنيد أى شخص خرج من السجن، والمعروف أن هناك عداوة كبيرة منذ عدة سنوات بين وزير الدفاع الروسى سيرجى شويجو ورئيس مجموعة فاجنر يفجينى بريجوجين.
فى هذا السياق، تخطط الولايات المتحدة لتكون أكثر انخراطًا فى إثيوبيا وأفريقيا عمومًا، حيث يخطط وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكين للقيام بزيارة إلى إثيوبيا، فى الوقت الذى تسعى فيه روسيا إلى تطوير علاقاتها فى المنطقة الأفريقية، ويأتى دور الأوربيين ليلعبوا دور «الشرطى الطيب»، حيث أكد الاتحاد الأوروبى على دعمه لدول غرب أفريقيا، وقام بإعداد مهمة جديدة بموجب سياسة الأمن والدفاع المشتركة، تستهدف مواجهة عدم الاستقرار فى دول غرب أفريقيا المتاخمة لمنطقة الساحل، والتى ابتليت بالإرهاب وانعدام الأمن المتزايد.
القرار الأوروبى هو نتيجة المراجعة الاستراتيجية التى ناقشها سفراء اللجنة السياسية والأمنية، ويؤكد الإرادة الأوروبية لرسم خطة فى إطار بعثات معينة فى منطقة الساحل، على وجه الخصوص مالى وبوركينا فاسو، وخلق شراكات جديدة.
وكان سفراء اللجنة السياسية والأمنية(PFCA) الأوربيون، قد ناقشوا فى نهاية ديسمبر ٢٠٢٢، ورقة تحتوى على خيارات متعددة، مما أدى إلى استقرار رأى اللجنة السياسية العسكرية الأوروبية، ١٨ يناير الماضى، وكذلك خبراء البعثة المدنية الأوروبية (PMG) على ذلك القرار المتعلق بدول غرب أفريقيا.
كما اتفق الوزراء على مطالبة دائرة الشئون الخارجية الأوروبية بتطوير مفهوم إدارة الأزمات (CMC) وتوفير التدريب والدعم لهذه البلدان. بينما اعتبرت فرنسا هذا بمثابة ضوء أخضر لدراسة مفهوم إدارة الأزمات كمقدمة لمهمة محتملة لسياسة الأمن والدفاع المشتركة فى منطقة الساحل وغرب أفريقيا، بينما لم تذهب الدول الأعضاء الأخرى إلى ذلك التصور الفرنسى. ولكن المؤكد أن هناك اتفاق على إرسال بعثة تقييم (FFM) من أجل التمكن من التفكير فى مفهوم إدارة الأزمات، وتهدف هذه المهمة المستقبلية إلى أن تكون سرية قدر الإمكان، لكن التحدى يظل كما هو.
ويتمثل التحدى الذى تواجهه هذه المهمة الجديدة فى مساعدة بلدان غرب أفريقيا على وقف مد الإرهاب.. فهناك أربعة بلدان معنية بشكل خاص: كوت ديفوار، وتوجو، وبنين، وغانا. فى الخلفية دولتان أخريان: نيجيريا والسنغال. وسيظل العنصر البحرى لهذه البلدان، الذى يواجه القرصنة فى خليج غينيا، مشمولًا بتواجد بحرى أوروبى منسق.. أما على المستوى الاستراتيجي: ضمان الوجود الأوروبى وعدم التنازل عن شبر واحد للتأثيرات الأجنبية الأخرى الروسية والصينية والتركية على وجه الخصوص.
ماذا عن الأمن الداخلى؟
الأوربيون يعلمون أن هناك حاجة لتركيز العمل على هذه الدول لتجنب الربط بين الأمن البحرى والتهديد الإرهابي. يريد الأوروبيون المساعدة فى استقرار هذه البلدان. بدلًا من العمل العسكرى المرئى المعتاد، يناقش الأوروبيون خطتهم مع البلدان الأفريقية غير المستقرة، ومن المرجح طرح فكرة «هيكلة الأمن الداخلى» فى مواجهة «الوجود المتزايد لقوات فاجنر الروسية ومشاكل الحكومات فى هذه البلدان، علاوة على زيادة الأعمال الإرهابية وتدهور الوضع الإنساني» بحسب مذكرة أوروبية سرية.
هذه المهمة المحتملة لن يكون لها بصمة واضحة على الأرض. ولن يكون هناك أى مقر ميدانى ثابت. ستكون قيادة البعثة العسكرية فى بروكسل الواقعة ضمن هيئة الأركان العسكرية للاتحاد الأوروبى، هى التى ستوفر القيادة الاستراتيجية والتحكم والتوجيه على الأرض والجمع بين الإجراءات التى يتم تنفيذها بالفعل على المستوى الوطنى بشكل أساسى كل من فرنسا وبلجيكا وإسبانيا تحت راية واحدة لتجميع الجهود.
تواصل المذكرة الأوربية.. سيتم تمييز التواجد على الأرض من قبل المستشارين العسكريين الحاضرين فى الوفود الأوروبية: واحد فى كل من البلدان الأربعة المستهدفة (كوت ديفوار، توجو، بنين، غانا).
سيكون للبعثة ميزانيتها الخاصة وقد يكون لها أيضًا وحدة مشروع صغير، خاصة لتدريب القوات المحلية أو تجهيزها. وبالتالى من المتوقع أن تكون مصحوبة بالعديد من تدابير المساعدة الممولة فى إطار مرفق السلام الأوروبي.
وتتزامن هذه المهمة الجديدة مع رغبة فرنسا فى إعادة النظر فى وجودها العسكرى فى غرب أفريقيا. ستبدأ قريبا المناقشات مع عدة بلدان، ولا سيما الجابون والسنغال وبنين وتشاد، بينما بدأ النقاش بالفعل مع كوت ديفوار.. وتكشف الفترة المقبلة ما ينتج عن كل ذلك لنعرف إلى أين تتجه الأمور فى ظل هذا الصراع بين الدول الكبرى على «الكعكة الأفريقية»؟.