الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

رولان لومباردى: مشروعات السيسى الوطنية وطموحاته ونضاله ضد الإخوان ثورة غير مسبوقة فى المنطقة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

■ «لو ديالوج»: كتابك الأخير هو أول سيرة ذاتية للرئيس المصرى الذى تولى مقاليد الحكم منذ ٢٠١٣، لماذا؟
رولاند لومباردى: بادئ ذى بدء، أود أن أشير إلى أن كتابى ليس سيرة ذاتية خالصة ولا حتى سيرة قديس أو لائحة اتهام!.. لقد حاولت ببساطة التقاط صورة دقيقة قدر الإمكان لعبد الفتاح السيسى، خاصة فى سياق السنوات العشر الماضية التى أثرت فى مصر، ولكن أيضًا السياق الدرامى بشكل خاص للشرق الأوسط.
على الرغم من أن بعض المسؤولين الغربيين والمحللين أدركوا متأخرًا أن مصر فى عهد السيسى أصبحت - أكثر من أى وقت مضى وفى منطقة شهدت عقدًا من الفوضى- عاملًا مهمًا لاستقرار المنطقة، فإن هذه الدولة هى حاليًا الدولة العربية الأكثر سكانًا (أكثر من ١٠٠ مليون نسمة) ولديها أقوى جيش عربى وموقف جغرافى استراتيجى بارز، كما أن رئيسها، الذى يتولى السلطة منذ عام ٢٠١٣، لا يزال غير معروف يشكل واضح للرأى العام الأوروبى وخاصةً الفرنسى. والأسوأ من ذلك، مع القيد الأيديولوجى لما بعد الماركسية، والمانوية المتعجرفة وعدم الواقعية الجيوسياسية التى تسود بلا منازع فى وسائل الإعلام الرئيسية وخاصة فى دوائر الأبحاث الغربية، فإن السيسى فى مرمى نيران النقد اللاذع دائمًا.
إزاء ذلك، كان لا بد من تصحيح بعض الحقائق. فقط تخيل العالم العربى الحالى بدون السيسي! لأن سيناريو آخر، وهو مخيف، كان ممكنًا مع ربيع النيل: خطط الخارج كانت ناجحة فى مصر عام ٢٠١٢، التى تعتبر القوة العسكرية الأولى والأكثر تعدادًا للسكان فى المنطقة. تمكنت جماعة الإخوان المسلمين عند وصولها للحكم من «تطهير» مؤسسات سيادية وتمكن مرسى من تدعيم نفسه كأنه «امبراطور مصر»، مخادع ووحشى، كما تمكنت الجماعة من قمع المظاهرات الشعبية فى صيف ٢٠١٣ بطريقة دموية وأسست أكبر جمهورية إسلامية فى العالم العربي!.
إذا كان بعض المعلقين أو «المتخصصين» لا يزالون يجرؤون على تقديم جماعة الإخوان المسلمين المصرية على أنهم «إسلاميون معتدلون» (غير موجودين!) أو أفضل من ذلك، كضحايا أو رهبان بوذيين لطفاء مضطهدين من قبل «ديكتاتور شرير»، فإن الواقع مختلف تمامًا. وبالمثل، لو لم يستخدم السيسى الحسم ضد هذا التنظيم الإسلامى، وهو الأخطر على هذا الكوكب والرحم الأيديولوجى للقاعدة وداعش، لكان من الممكن أن تشهد مصر أيضًا وضعًا مشابهًا للوضع فى الجزائر فى التسعينيات أو، فى الآونة الأخيرة، للوضع فى سوريا. وبالتأكيد مع أزمة هجرة إلى أوروبا أكثر خطورة بكثير مما كانت عليه فى ٢٠١٥! كان من الممكن أن يكون هذا نقطة تحول مأساوية لمنطقة البحر المتوسط بأكملها والشرق الأوسط بأكمله، ويكفينا أن نتخيل فقط الكابوس للمنطقة ولأوروبا، وخاصةً للمصريين والمصريات!
فى الواقع، لم تكن «السيسى أم الفوضى؟» مجرد صيغة دعائية!
سواء أحببنا ذلك أم لا، فإن الرئيس المصرى اليوم هو منقذ فى نظر البعض. وبالنسبة للآخرين، وهم أكثر عددًا، فإنه بالتأكيد أقل الشرور.
على أى حال، سواء أحببنا ذلك أم لا، وليس دور المراقب الصادق فكريًا أن يقوم بهذا النوع من الاختيار، لا يمكننا أن ننكر أنه حتى لو كانت الصعوبات لا تزال كثيرة لإصلاح اقتصاد عفا عليه الزمن وأن المخاطر والتحديات لا تزال هائلة، فإن خطوات التمدين التى اتخذها السيسى والتغييرات التى أحدثها فى مصر ونضاله المستمر (لم يسبق له مثيل فى هذه المنطقة!) ضد الآفتين الكبيرتين فى العالم العربى، الإسلام السياسى والفساد.. كل هذا يعد حقًا «ثورة» غير مسبوقة وإيجابية بشكل عام.
وهكذا، استوحيت المقولة الشهير لسبينوزا، «لقد امتنعت بعناية عن الاستهزاء بالأفعال البشرية: لا أضحك، ولا أبكى، ولا أكره، بل لأفهم».. لقد حاولت، من خلال هذا العمل، أن أشرح، بعيدًا عن الإثارة الإعلامية والأساليب الأيديولوجية المشوهة والتى عفا عليها الزمن، ما حدث بالفعل وما يتم لعبه بالفعل فى مصر وخاصة على هذا الجانب من البحر المتوسط.
■ «لو ديالوج»: ما هى مصادرك وطريقة عملك؟
رولاند لومباردى: لقد حاولت دائمًا أن أكون باحثًا ميدانيًا. أسافر بانتظام إلى الشرق الأوسط من أجل عملى، حتى خلال الربيع العربى. سافرت إلى تونس وسوريا.. وقبل كل شيىء، كنتُ حاضرًا، خلال إقامة طويلة لإتقان لغتى العربية فى مصر، أثناء ثورة ٢٠١١. أصبح هذا البلد منذ ذلك الحين محور بحثى. فى الواقع، كتبت مقالة نشرت فى صحيفة «الشرق الأوسط» فى يناير ٢٠١٣، مباشرة بعد وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة فى مصر وقبل ستة أشهر من السيطرة على البلاد لصالح حركة شعبية كبيرة ضد مرسى، حيث شرحت أنه كان علينا أن نتوقع تحركًا من الشعب وأنه كان علينا أن نراقب شخصًا غير معروف تقريبًا فى ذلك الوقت، وهو الجنرال السيسى.
لذلك اعتمدت فى تأليف هذا الكتاب على جميع تحليلاتى، ومقالاتى الأكاديمية أو التعميمية التى تتناول مصر ورئيسها لما يقرب من عشر سنوات. أخيرًا، لدعم عملى، قمت أيضًا، خلال زياراتى المختلفة، بالتحدث مع أقصى عدد من الشهود والجهات الفاعلة، رسميين وعسكريين ودبلوماسيين، وكذلك مع معارضين سياسيين وكذلك مع المصريين والمصريين فى الشارع الذين هم فى طليعة التطور المستمر لبلدهم.
■ «لو ديالوج»: لماذا هذه المقارنة، التى قد تثير الدهشة فى البداية، مع نابليون بونابرت؟
رولاند لومباردى: كمؤرخ، أعلم أن المقارنة ليست صحيحة أبدًا، خاصة فى التاريخ. ومع ذلك، فقد حاولت أن أرسم تشابهًا، كما أوضح، مع بونابرت، القنصل الأول، صانع السلام، المصلح العظيم، وليس نابليون الغازى، للمساعدة فى فهم شخصية السيسى وتنوير القراء حول تحدياته ومشاريعه الوطنية وطموحاته واستراتيجيته الإقليمية. السيسى لديه مع بونابرت العديد من أوجه التشابه من حيث خلفيته وديناميكيته وإرادته السياسية التى لا يمكن إنكارها. وهكذا، بصفته أكثر الجنرالات شهرة، فإن السيسى الذى ينحدر من منطقة البحر المتوسط، وهو من خلفية متوسطة وعاش طفولة عادية، ولكن باجتهاد، اختار مهنة السلاح للترقى اجتماعيًا.
بفضل فترة ثورية، مثل الكورسيكى الشهير، دخل الضابط المصرى محدثًا ضجة وبطريقة غير مسموعة فى التاريخ الذى لا يتوقف لفرض، مثل بونابرت، العودة إلى الاستقرار و«القيصرية المستنيرة» كمشرع عظيم ومخطط عظيم للمستقبل. من المؤكد أنه سيترك بصماته فى تاريخ مصر، ولكن أيضًا فى تاريخ العالم العربى.
فى ديمقراطياتنا الغربية التى لا تتوقع عن الحث على الأخلاق، والتى هى بعيدة عن الكمال، لا نحب الأنظمة القوية. يتم انتقادها باستمرار. إنها بالتأكيد تتحمل النقد ولا يمكن الدفاع عنها على الإطلاق. إنها ليست مسألة دعم هذه الأنظمة. ولكن نظام بونابرت، كما هو بالنسبة لنظام السيسى، يمكن تبريره من خلال وضعه فى سياقه.
■ «لو ديالوج»: ما هو الوضع فى مصر اليوم، وما هو دورها على الساحة الإقليمية والدولية؟
رولاند لومباردى: داخليًا، يعرف السيسى جيدًا أنه يجب عليه قبل كل شيء أن يواجه بنجاح التحدى الرئيسى المتمثل فى انتعاش الاقتصاد المصرى. فى هذه النقطة، كما لم يحدث من قبل من سابقيه أو أى زعيم آخر فى العالم العربى، هذا الضابط السابق تصدى على سبيل الأولوية الفساد المستشرى الذى يؤثر على هذا البلد والمنطقة بشكل أوسع.