الجمعة 03 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

السيدة العذراء والمسيح في الثقافة الشعبية

السيدة العذراء والمسيح
السيدة العذراء والمسيح في الثقافة الشعبية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 

 «بعيدة بلفة طريقك يا عدرا بعيدة بلفة... والله إن عطاني ربنا اروحلك بزفة»

«اشفعي يا عدرا لينا.. عند يسوع فادينا.. اشفعي يا عدرا لينا»

«المسيح وشجرة مريم المقدسة»

 

 

 

مسار العائلة المقدسة والمعجزات 

«إذا ملاك الرب قد ظهر ليوسف في حلم قائلًا :«قم وخذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر وكن هناك حتى أقول لك لأن «هيرودس» مزمع أن يطلب الصبي ليهلكه، فقام وأخذ الصبي وأمه ليلاً وانصرف إلى مصر وكان هناك إلى وفاة هيرودس، لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل من مصر دوت ابني».

تجسد قصة السيدة مريم العذراء والسيد المسيح جزءًا أصيلاً من الموروث الثقافي الشعبي المصري، ليس الموروث الديني فقط وإنما تعتبر السيدة العذراء أيقونة من أيقونات البركة والخير والطهارة والاستشفاء، ويأتي تسجيل الاحتفالات المصاحبة لرحلة العائلة المقدسة على قوائم الصون العاجل باليونسكو تأكيدًا على وحدة المصريين، إذا إن الجميع يشارك في الاحتفاء بميلاد السيد المسيح أو مولد السيدة العذراء، واحتفالية رحلة العائلة المقدسة.

وتعتبر تلك الاحتفالات تجسيدًا للعناصر التراثية التي تؤدي العديد من الوظائف الاجتماعية والدلالات الثقافية بداخل المجتمع المصري، والتي منها التأكيد على الوحدة الوطنية، وأن المجتمع المصري نسيج واحد سواء كانوا أقباطا أو مسلمين، بل إننا نجد بعض المسلمين يؤدون صيام العذراء- الذي يسبق الاحتفال بعيد العذراء- مع الأقباط.

كما يشترك الأقباط والمسلمون أيضًا في إيقاد الشموع أثناء الاحتفالات عند تحقق أمانيهم، ويعد تقديم الخدمات التطوعية من قبل أهل المناطق التي يتم بها الاحتفالات إلى القادمين من مناطق بعيدة واحد من هذه الوظائف الاجتماعية للعنصر، فضلاً عن تبادل بعض الهدايا بين المحتفلين مثل الصلبان بأشكالها المختلفة والسلاسل النسائية ولعب الأطفال، وهذه الممارسات تزيد من الروابط الاجتماعية، كما تعكس وعي الجماعة الشعبية بأهمية التراث الثقافي غير المادي خاصة وأن المحتفلين يمثلون طبقات اجتماعية متعددة. 

 

زفة الأيقونات بمولد السيدة العذراء 

وتعتبر زفة الأيقونات من أهم ممارسات الاحتفالات الشعبية التي تقام بمولد السيدة مريم العذراء، فهي عبارة عن موكب يشارك فيه جموع المحتفلين مسلمين ومسيحيين، فالسيدة مريم العذراء لها شق روحاني لا مثيل له عند المصريين كافة، فيعتبرونها رمزًا للطاهرة، والبركة، والمحبة.

وهناك طقوس شعبية لزفة الأيقونات حيث تأتي في موكب مهيب وكبير من الجمهور والمحبين والموردين، ويتقدمهم رجال الدين المسيحي بملابسهم المميزة، حاملين المجامر والصلبان والأيقونات والشموع، ويصاحب الزفة عزف للموسيقى الشعبية من طبل والمزمار البلدي.

كما ينتشر أثناء الاحتفال فنون الرسم لأيقونات العائلة المقدسة، وفنون الوشم وفنون اللعب بالعصا كما يقوم المحتفلون بمحاكاة تمثيلية لهيئة العائلة المقدسة في رحلتها إلى مصر حيث كانت السيدة العذراء ويسوع المسيح يمتطيان حمارًا يقوده القديس يوسف النجار.

كما يتخلل العرض موكب كبير لعروض فنية يستقبلها الأهالي - خاصة النساء - وهن يرددن الأغاني الشعبية، فضلاً عن توزيع الأطعمة التقليدية. ويقوم المحتفلون بتقديم النذور للكنائس، ورمي النقود المعدنية في آبار المياه، وإيقاد الشموع طلبًا للبركة وتحقيق الأمنيات.

كما تقام مراسيم زفاف شعبية للمواليد الجدد ليتم تعميدهم، وتصحب هذه الطقوس الموسيقى والرقص. ويًقام أيضًا ما يعرف بـ «زفة الأيقونات» وهي عبارة عن موكب يشارك فيه جموع المحتفلين يتقدمهم رجال الدين المسيحي وهم يحملون الشموع والمباخر والصلبان والرايات.

 

«اشفعي يا عدرا لينا»

ومن الأغاني الشعبية التي يتم إلقاؤها أثناء احتفال الأيقونات أو زفة الأيقونات والتي تخرج من الجماعة الشعبية بشكل تلقائي ومنها أغنية «اشفعي يا عدرا لينا .. عند يسوع فادينا.. اشفعي يا عدرا لينا» و«بعيدة بلفة.. طريقك يا عدرا.. بعيدة بلفة ... والله إن عطاني ربنا اروحلك بزفة» وغيرها من الأغاني الشعبية غير التراتيل التي يتم إلقاؤها أثناء الاحتفال والتي تحتفى بدخول العائلة المقدسة.

ومنها "ظهر الملاك ليوسف بالليل قال له خذ مريم واذهب لبلاد النيل/ قام يوسف في الحال اخذ الطفل المتعال والعذرا مريم لبلاد السلام/ غضب الملك فأرسل الرجال الي بيت لحم اهلك جميع الأطفال/ لذا بيت لحم باتت باكيه أرواح الشهدا بها هائمة/بعد تلاث أعوام بشره في المنام أن الاله البار أهلك الملك الجبار/ فعادو للجليل بعد ماربنا بشخصه النبيل بارك ارضنا/كما باركها قبله البطاركة ابراهيم واسحق وابينا يعقوب".

 

احتفال ذكرى رحلة العائلة المقدسة 

يتم الاحتفاء بإحياء ذكرى رحلة العائلة المقدسة إلى مصر كل عام من خلال احتفالين شعبيين يشارك فيهما مئات الآلاف من المصريين، مسلمين وأقباط ومن الجنسين، ويصل عددهم في بعض المناطق إلى 3 ملايين مشارك. الأول يحمل اسم «عيد دخول العائلة المقدسة أرض مصر» وهو يستغرق يومًا واحدًا، ويقام سنويًا أول يونيو في مصر عامة، وفي أول فبراير بمحافظة المنيا. 

 

«مولد السيدة العذراء» 

ويقام مولد السيدة العذراء سنويًا في عدة أماكن الأول بمنطقة درنكة، والقاهرة، وغيرهما في توقيتات مختلفة خلال أشهر مايو - يونيو- أغسطس، ويمتد لـ مدة 15 يومًا هي أيام صوم العذراء.

ومن أهم الاحتفالات الشعبية التي تقام في إطار مسار رحلة العائلة المقدسة هو «مولد السيدة العذراء بجبل الطير» والذي يقام في الصعيد سنويا في نهاية شهر مايو ويمتد الاحتفال لمدة أسبوع كامل ويعد دير العذراء مريم بجبل الطير من أشهر محطات رحلة العائلة المقدسة في مصر.

ويصاحب الاحتفال العديد من الممارسات الشعبية ومنها التعميد ودق الوشم وإقامة الاحتفالات الدينية والترانيم، والسماح بزيارة وفتح الدير بداخل الجبل، حيث قامت الملكة هيلانة والدة الإمبراطور قسطنطين ببناء كنيسة العذراء الأثرية بجبل الطير في عام 328م؛ وهى عبارة عن كنيسة منحوتة في الصخر، ويتكون صحن الكنيسة المنحوت من قطعة واحدة من الصخر وبه 12 لقانا دائريا وسط الكنيسة يستخدم ثلاث مرات في العام في خميس العهد وعيد الغطاس وعيد الرسل.

 

رحلة المعجزات 

فقد هربت العائلة المقدسة من بيت لحم ودخلت إلى مصر عن طريق صحراء سيناء بجهة الفرما «بورسعيد» حاليا، ثم مرت بمدينة تل بسطا (بسطة) بالقرب من مدينه الزقازيق بمحافظة الشرقية وتبعد عن مدينة القاهرة بنحو 100 كم من الشمال الشرقى.

وكانت المدينة مليئة بالأوثان، وعند مرور الطفل عليها بدأت تلك الأوثان في السقوط ما أغضب بعض الكهنة والذي بدأوا في الإساءة إلى العائلة المقدسة، ما جعل أحد سكان المدينة بنصيحتهم بضرورة الرحيل، واللجوء إلى إحدى القرى المجاورة مدينة «مسترد» حيث وجدوا شجرة هناك احتموا بها والتي شهدت معجزة تفجير ينابيع المياه تحتها فعمدت السيدة مريم رضيعها وقامت بتحميته وغسل ملابسه.

وسمى المكان بـ«المحمة» وهو أحد المزارات السياحية والدينية حتى وقتنا الحالي، ومن المحمة ذهبوا إلى مدينة بلبيس وفيها استراحوا تحت شجرة فحلت عليها البركة وسميت بـ «شجرة العذراء» والتي أصبحت مزارًا للمسيحيين والمسلمين ومكانًا مقدسًا. 

 

شجرة مريم والمعجزات 

ارتبطت برحلة العائلة المقدسة العديد من الحكايات الشعبية والروايات التي تحكى معجزات العائلة المقدسة ومنها الحكايات التي انتشرت عن سقوط التماثيل والأصنام والتي كانت تتساقط وتتهشم بمجرد مرور السيد المسيح، «الطفل المقدس»، هذا بالإضافة إلى حكايات وقصص الاستشفاء من الأمراض المزمنة، وهو ما جعل الناس يتهافتون على حماية السيدة ورضيعها، وإظهار المحبة والاحترام والتبجيل لهم والتهافت على التبرك بهما.

وفي بعض القصص التي انتشرت عن التبرك بأماكن رحلة العائلة المقدسة قيل إنه بعد معركة عين شمس التي دارت بين كليبر قائد الجيوش الفرنسية بعد رحيل نابليون عن مصر وبين قائد الجيوش التركية الكثيرة العدد وانتصر كليبر عليهم، ذهب الفرنسيون في طريقهم إلى زيارة شجرة العذراء وكتب كثير منهم أسماءهم على فروعها بأسنة سيوفهم وحرابهم، كما أن منهم من دون شفاءه من مرض الرمد بعد أن اغتسلوا من نبع المطرية، ومنهم من زال أمراضه بعد زيارة شجرة العذراء. 

ولم تقتصر شهرة «شجرة العذراء» بالمطرية على مصر وإنما ذاع صيتها في جميع أنحاء العالم والكثير منهم يتوافدون عليها حتى يومنا هذا ليتباركوا بها ويصلون بجوارها، وزاد هذا الصيت بعدما شهد المكان ظهور لطيف السيدة العذراء مريم والذي شاهده الملايين من كافة شعوب الأرض يوم 2 إبريل عام 1968، فوق قباب وأبراج كنيستها في الزيتون والذي كان حدثًا عظيمًا، وقد كان لهذا الحدث السبب في استشفاء العديد من المرضى، وهو الأمر التي ترويه الحكايات حول كافة الأماكن التي مرّت بها العائلة المقدسة خلال رحلتها في مصر. 

ومن المطرية رحلت العائلة المقدسة إلى منطقة «بابليون» ناحية الجنوب بمصر القديمة، وهنا أقامت العائلة في كهف يحمل اسمها في كنيسة أبي سرجة ولم يطل بقاؤهما كثيرًا إذ شاعت الأحاديث حول سقوط التماثيل هناك وتهشم أصنام المدينة، ما أغضب حاكم بابليون وأمر بقتله ما جعل العائلة تهم بالرحيل، وذهب إلى الوجه القبلي.

حيث ذكرت الحكايات «أنهم أخذوا قاربًا أوصلهم إلى كنيسة العذراء بالمعادي ومنها وصلوا إلى شرق مدينة البهنسة بالقرب من بني مزار، وقد أطلق عليه «بيت يسوع»، ومكثوا فيه أربعة أيام ثم عبرت إلى الجانب الشرقي للنيل واستقرت في منطقة جبل الطير قرب مدينة سمالوط.

ويقال إنه كانت هناك صخرة ضخمة كانت على وشك السقوط من الجبل على القارب الذي كانت فيه العائلة المقدسة ولكن الطفل المقدس بسط إحدى كفيه فوقفت الصخرة عن السقوط، وترك أثر كفه عليها، وقد عرف الجبل فيما بعد باسم «جبل الكف»، وقد بنيت عليه كنيسة والتي أمرت ببنائها الملكة هيلانا أم الامبراطور قسطنطين».

وتستمر رحلة العائلة المقدسة من بلدة إلى أخرى تحمل معها البركة والخير حتى تستقر في نهاية المطاف بمنطقة الدير المحرق في الحدود الجنوبية التي وصلت إليها العائلة المقدسة، بجبل قسقام والمعروف بدير القديسة العذراء.