الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ديمقراطية تزيف الوعي وديمقراطية بناء الوعي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الصين.. تلك الدولة الكبيرة الشامخة القابعة في شرق العالم في الشرق الأدنى، تلك الدولة التي تمتلك من الحضارة القديمة والحديثة الكثير والكثير. الصين قدمت إلى نهر البشرية الكثير من المعارف القديمة فقد كانت تلك الدولة تمتلك حضارة قديمة ساهمت بشكل كبير في الحضارة البشرية والثقافة الصينية القديمة صنعت وكونت وساهمت بالكثير في الحضارة البشرية، ولا تزال تلك الدولة العظيمة تساهم من خلال ثقافتها وحضارتها الحديثة الكثير من الإسهامات في الحضارة البشرية الحديثة. فلم تكتفى الصين بالمساهمة في الماضى فقط كما فعلت الكثير من الدول وعلى رأسها مصر الفرعونية او العراق البابلية وغيرها بل الصين تساهم في العصر الحديث بشكل حقيقى في الحضارة البشرية وفى تقدم البشرية.
تلك الحضارة البشرية ليست فى مكونها المادى فقط والتكنولوجى بل ايضا فى مكونها الثقافى والمعرفى، حيث بجانب المكون التكنولوجى، هناك ايضا مكون هام فى الحضارة البشرية هو المكون الفكرى والثقافى. واحد محاور هذا المكون هو فكر الديمقراطية والحريات الاجتماعية والبشرية.
دائما ما يدعى العالم الرأسمالي بأنه المساهم الأكبر والحقيقى فى هذا المحور، وأن الرأسمالية هى التى أعطت للشعوب الحريات الاجتماعية والحريات السياسية للبشرية. وان النظم الإشتراكية أو التظم التى تسعى لبناء الإشتراكية تريد ان تسلب الشعوب هذا الحق. ولكن علينا ان نرى وندقق الرؤية تلك الكلمة من خلال التالى: ما هى الديمقراطية، وهل للديمقراطية نوع واحد فقط ام ان هناك انواع من الديمقراطية واى نوع يقود الى الاخر وايهما اسبق واهم للشعوب والمجتمعات، وايهما يقود إلى الآخر لكى تكون ديمقراطية حقيقية.
لا يوجد تعريف محدد ومتفق عليه عالميا فى ما هى الديمقراطية، حيث تختلف الشعوب والمجتمعات والانظمة فى تعريف الديمقراطية لاختلاف ثقافاتها وأولوياتها وتقدمها الإجتماعى، وتجاربها السابقة. ولكن حاول الغرب الراسمالى وعلى راسها الولايات المتحدة ان تصدر الى العالم ان الديمقراطية هى الحريات السياسية وحرية الخطابة وحرية التنظيمات السياسية. وقد اختلف مع هذا التوجه ولا اريد ان اقول تعريف الكثير من الأفراد والمؤسسات حتى فى داخل الغرب الراسمالى نفسة. وتمت الإشارة أن الديقراطية ليست فقط الحريات السياسية ولكن هناك ديمقراطيات أخرى لابد ان تراعى ولابد ان تكون على نفس الدرجة من الأهمية وفى العديد من الأحيان يمكن ان تكون ذو درجة أعلى من الديمقراطية السياسية لبعض بل وللكثير من المجتمعات وعلى الأخص المجتمعات النامية والمجتمعات التى تبحث التنمية الحقيقة.
إنطلاقا من هذا فالديمقراطية ليست نوع واحد فقط ولكن هناك نوع آخر من الديمقراطية وهى الديقراطية الاجتماعية، وهى الديمقراطية التى تضمن حق الشعوب فى الحياة الرغدة السعيدة، الحياة التى توفر مقومات العيش الكريم للمواطنين وللشعوب، وهذا لا يمكن أن يتأتى إلا من خلال حق المجتمعات على الحكومات والأحزاب السياسية الحاكمة فى توفير خمس حقوق أساسية حيث انها من حقوق الإنسان الأساسية والتى بدون توفيرها لا يمكن أن نقول إن هذا المجتمع أو تلك الدولة لديها حقوق إنسان كاملة، تلك الحقوق الخمس هى كالتالى: الحق فى الصحة، الحق فى العمل بأجر مناسب، الحق فى التعليم الجيد، وحق فى المسكن الصحى، وحق فى الضمان الإجتماعي. وتلك هى الحقوق الأساسية التى توفر الحد الأدنى من الديمقراطية الإجتماعية التى لا يذكرها الغرب الراسمالى كثيرا فى حديثة عن الديمقراطية، هذا بالإضافة إلى حقوق اجتماعية أخرى مثل الحق فى المعرفة وفى بيئة نظيفة وغيرها من الحقوق الإجتماعية التى توفر رغد الحياة للشعوب والمجتمعات. 


يأخذنا الحديث هنا عن أيهما أسبق على الآخر واى نوع يهتم به الشعوب عن الآخر والأهم هو أيهما يقود الى الآخر ويكون قاعدة قوية للحفاظ على وجود ديمقراطية حقيقة غير مزيفة. لاشك أن على المستوى النظرى فكلا النوعين مهمين وهناك بعض أفراد أو تنظيمات وخاصة الإصلاحية منها تقول ان كلاهما لابد أن يكونا على نفس الدرجة ويسيران مع بعضهما جنبا إلى جنب، ولكن فى واقع الأمر وعلى ارض الواقع فهذا لا يتحقق بشكل كبير لان كلاهما يؤثر على الأخر ليس فى شكل إيجابى او سلبى على طول الخط، ولكن فى شكل ايجابى فى بعض الأحيان وسلبى فى احيان اخرى. كمثال على ذلك الهند وهى احد الدول النامية (مثلها مثل اغلب دول العالم) التى تبنت الاسلوب الديمقراطية السياسية، نجد انها تعانى أشد المعاناة من الفقر وعدم العدالة فى التوزيع العائد والتفاوت الطبقى الشديد والكثير من الأزمات الإجتماعية وبالتالى هذا لاشك يؤثر بشكل كبير على مخططات التنمية الإقتصادية بل فى بعض الأحيان يؤدى إلى معوقات حقيقة فى إنشاء نظام ديمقراطى إجتماعى حقيقى. وهناك نموذج آخر وهى البرازيل وهى ايضا احد دول العالم الثالث برغم من ان البرازيل كانت ومازالت إلى حد ما تعانى من الفقر والأزمات الاجتماعية إلى عندما جاء الرئيس لولا دى سيلفيا على راس السلطة فى البرازيل ومن بعدة ديلما روسيف وهم من قيادات جوب العمال اليسارى البرازيلى استطاع هذا الحزب ان يحل المشكلة الإقتصادية فى البلاد وان يجعل العملة البرازيلية تعيد توازنها مرة أخرى، وتم توفير العديد من الحقوق الإجتماعية للفقراء فى تلك الدولة، واصبحت البرازيل من اكبر الدول المتقدمة على مستوى الدول النامية،  ولكن تم الإطاحة بحزب العمال اليسارى البرازيلى واتى حزب من اليمين البرازيلى فى السلطة فى تلك الإيام، بل وتم تقديم لولا دى سيلفيا وديلما روسيف الى المحاكمة بتهم واهية وتم تبرأتهم منها. وبالتالى توقفت الإصلاحات والحقوق الإجتماعية، وكل هذا تم تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الرأسمالي، وايضا هناك نماذج فى شيلى وفنزويلا ومصر (خلال فترة الزعيم جمال عبد الناصر) وغيرها من البلدان خاصة فى امريكا اللاتينية.
الامر الذى يشير إلى ان الديمقراطية السياسية، ما هى إلا ديمقراطية مزيفة غير حقيقة، اولا لا تحقق الإستقرار السياسى الذى هو ضرورى للتنمية الإقتصادية والتى هى ضرورية لحدوث وتفعيل الديمقراطية الإجتماعية، ثانيا ان الديمقراطية السياسية ما هى إلا تزييف وعى الشعوب حيث ان لدى القوى السياسية التى تتبنى الديمقراطية السياسية على حساب الديمقراطية الإجتماعية ادوات إعلامية ضخمة تستخدمها لتزيف وعى الشعوب والمجتمعات وتبث لهم الأكاذيب التى تخدم على مصالحا، فى حيت ان الجرائم التى تفعلها وتمارسها فى حق الشعوب الأخرى لا يتم الإشارة إليها نهائيا (سجن ابو غريب بالعراق ومعتقل جوانتنامو خير دليل على ذلك). ثالثا: ان الغرب الراسمالى والذى يدعى الديمقراطية السياسية يتحكم فية شركات راسمالية كبرى ويمتلك اسهم تلك الشركات عدد من اغنياء العالم وعلى هذا فالذى يدير الإقتصاد والدولة هم هؤلاء وان الإنتخابات البرلمانية والتشريعية ينجح بها هؤلاء الأغنياء او من يوالوهم، بل وفى بعض الاحيان يصل منهم الى السلطة (وترامب الذى حكم امريكا خير مثال على ذلك).
وبالتالى نجد ان الديقراطية السياسية ليست هى الأساس فى ذلك لانها ببساطة ديمقراطية مزيفة وغير ثايتة ولا تهتم بتوفير الحياه الرغدة للشعوب ولكن تهتم بالدرجة الأولى بتحقيق مصالح الطبقات اراسمالية من خلال إستغلال موارد الشعوب. وحتى التنظيمات الشعبية لا تكون فاعلة بدرجة كبيرة نظرًا لان النظام الراسمالي وتلك الشركات التابعة للنظام الراسمالى هى التى تتحكم في تلك التنظيمات الشعبية سواء ماليا او تكنولوجيا، او من خلال تجنيد قيادات تلك التنظيمات الشعبية لخدمة مصالح الشركات. وبالتالى تزيف وعى الشعوب والمجتمعات. 
نجد ان الديمقراطية الإجتماعية هى الأساس فى ذلك لانها توفر الحياه الرغدة الكريمة لشعوبها ومجتمعاتها، وان ذلك يؤدى إلى رقى وعى الشعوب وزيادة وعى تلك المجتمعات وعمل تنظيمات شعبية حقيقية هى التى تدير الموارد الطبيعية والبشرية للمجتمعات المحلية لانها ادرى بطبيعة تلك الموارد، وادرى بمصالح تلك المجتمعات المحلية، الأمر الذى يؤدى إلى زيادة الوعى وزياة قوة التنظيم المحلى وبالتالى الحفاظ على الديمقراطية الإجتماعية وعمل الإصلاح اللازم فى الوقت المحدد حتى تحقق اهدافها فى تحقيق الحقوق الخمس السابقة الذكر وتحقيق رغد الحياه. وتلك هى الديمقراطية الحقيقة التى يستفاد بها الشعوب وتسعد وترتقى حياتهم على اسس سليمة ومستدامة. بل ان الديمقراطية الإجتماعية ستقود إلى ديمقراطية سياسية حقيقة وليس مزيفة نظرا لوعى المجتمع وتطورة الإجتماعى والتنظيمى، فى بناء والحفاظ على الديمقراطية الإجتماعية والسياسية على السواء. 
فإذا نظرنا إلى تجربة الصين ليست فى شقها التنموى المادى فقط، ولكن ايضا فى شقها التنظيمى والمعرفى والديمقراطى، نجد ان الصين تتبنى الديمقراطية الإجتماعية والتى لها اولولية على الديقراطية السياسية، وتلك هى الديمقراطية الحقيقة، وادت تلك الرؤية إلى القضاء على الفقر فى الكثير من مناطق الصين خاصة فى المناطق الريفية، ورفع متوسط الدخل الفرد فى الصين، وتدنية نسبة الامية بمعدلات كبيرة، وتحسن صحة الإنسان الصينى من خلال زيادة متوسط عمر الإنسان الصينى، وبناء بنية اساسية قوية بما فيها من مساكن والقضاء على العشوائيات فى الكثر من الإقاليم الصينية.
كل تلك السياسات وتنبى الديمقراطية الإجتماعية ادى إلى محاولة امريكا والغرب الراسمالى بإعاقة تلك التجربة بمحاولات كثيرة منها الحرب التجارية التى اعلنت على الصين، والتى فشلت فيها، وازمة الأجور والإدعاء بالظلم الإجتماعى الواقع على هؤلاء السكان على الرغم من التقدم الحضارى الذى حدث فى هذا الإقليم  وإدعاء الغرب الراسمالى وعلى راسة الولايات المتحدة الأمريكية بأن الصين تشن حرب إبادة ضد الأقلية الإيجورية، على الرغم من معدلات النمو الاقتصادي في تلك المنطقة (والتي تضم أقلية الإيجور) وذلك بمعدل نمو قدر بنحو 5.7% سنويا خلال الفترة من 2014 إلى 2019، حيث ارتفع إجمالي الناتج المحلي لمنطقة شينجيانغ من 919.59 مليار يوان صيني إلى 1.4 تريليون يوان صيني، أي بمعدل نمو يقدر بنحو 7.2%. الأمر الذي أدى إلي تحسن ملحوظ لمستوى معيشة أهالي منطقة شينجيانغ، وبالتالي الأقلية الإيجورية خلال الفترة من 2014 إلى 2019، من خلال زيادة متوسط نصيب الفرد من الدخل بنسبة 9.1% سنويا، الأمر الذي أدى إلي تخفيف حدة الفقر في تلك المنطقة وخاصة للسكان الذين كانوا تحت خط الفقر، والبالغ عددهم 3.09 مليون فرد من الفقر، والقضاء على الفقر المدقع من تلك المنطقة بشكل كامل.
لابد ان لا ننخدع بالأكاذيب باكاذيب الديمقراطية الغربية لانها إدعاءات وأكاذيب تستهدف الحفاظ على مصالح الشركات الراسمالية ومصالح الطبقات الراسمالية التى  تستغل الشعوب وموارد الشعول من اجل بناء امبراطوريتها على حساب إفقار العالم.