الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

قراءة للكاتبة سميحة المناسترلي في كتاب "المتلاعبون بالعقول".. الجزء الثاني

قراءة للكاتبة سميحة
قراءة للكاتبة سميحة المناسترلي في كتاب "المتلاعبون بالعقول"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

صدر كتاب "Mind Managers" المتلاعبون بالعقول للكاتب الأمريكي هربرت شيللر "Herbert Schiller" عام 1973م، قام بترجمته للعربية "عبد السلام رضوان" ونشره من خلال – عالم المعرفة – بعدد 243 بدولة الكويت عام 1999م.

تناول الجزء الأول تمهيدًا لقراءة هذا الإصدار الهام، يكشف للجميع من خلال رؤى نقدية وتحليلية،آليات السيطرة والهيمنة العالمية على عقل وإرادة الشعب الأمريكي بداية، ثم على شعوب العالم لاحقًا، واستخدام الأدوات الإعلامية لتفريغ وتسطيح العقول، ثم غمرها بما يريدون من توجيهات بإسلوب مركز غير مباشر، بإستخدام القوة الناعمة من دعاية واعلان، الدراما وغيره بما يُطلق عليه " الإعلام المٌعلب".

من المهم أن نذكر هنا مواكبة ظهور هذا الكتاب لفترة (الحرب الباردة بين أمريكا والإتحاد السوفيتي، مرورًا بمرحلة تداعيات حرب فيتنام) أي اننا سنتعرف على أسس ومبادىء حرب المعلومات والإختراق الفكري، والتكسير المعنوي للعدو المدروس بحنكة، من خلال استخدام الأدوات الإعلامية الخادعة بتلك الفترة.

لذلك سنتناول الآن ما تضمنه الكتاب ببساطة وايجاز- غير مخل بالمحتوى-  لفرض الإرادة السلطوية على شعوب العالم والكون من خلال تفريغ العقول وإدارتها.

يتضمن الفصل الأول توضيح عملية " التضليل الإعلامي والوعي المُعَلَب ": قام على خمس أساطير مثل الفردية والإختيارالشخصي، الحياد، الطبيعة الإنسانية الثابتة، غياب الصراع الإجتماعي، التعددية الإعلامية، ونعطي مثل معاصر للأسطورة الأولى رفع شعار احترام الحرية الشخصية للأفراد كمبدأ للمجتمعات المتحضرة، لكنه يقوم بتوجيه المتلقي من خلال الدراما والإعلان والتقنيات الحديثة بزرع ما يريده (هو ) صانع البرنامج أو مالك رأس المال للمادة الإعلامية، والنموذج المعاصر الذي نعرضه اليوم هو: محاولة زرع تقبل المثلية داخل المجتمعات، حتى داخل محتويات الكرتون للأطفال (هذا نموذج حي موجود على أرض الواقع ) هو قام بتطبيقه منذ عقود بأمريكا.

والآن يفرض علينا بصورة غير مباشرة من خلال الإعلام العالمي، وقنوات ومنصات شهيرة، أيضا تقبل الخيانات الزوجية وغير ذلك مما يدعو لخلخلة المجتمعات وتهاوي القيم، نقيس على ذلك المناهج المتبعة في الإنتخابات، فالإعلام يلعب دور خطير لترويج غير المباشر لقيادة العقول تجاه الناخب أوالحزب المراد تصعيده، مما يؤكد لنا أن الغاية من التلاعب بالعقول ليس فقط لهدف جمع ثروات من المنتج المروج له، كأطعمه أوملبس ومسكن، لا ولكن هناك مكاسب سياسية وإعلام موجه لأغراض سلطاوية عالمية.

نجد هذا أيضًا كما قدمه " د. شيللر" من خلال منهج الإحصائيات واستطلاع الرأي، فهي عادة ما تقتصر على مجموعات معينة تهدف لتثبيت نتائج مجهزة مرتدية – ثوب الحياد الخادع، بالنسبة لأسطورة التعددية والتجزئية الإعلامية فهي تعتمد على نشر الأخبار الهامة بصورة سريعة  تذاع مرات قليلة، يعقبها أخبار سطحية واعلانات تافهة تذاع بكثرة بمواقع كثيرة – عملية إلهاء وتشتيت للفكر عن أولويات الإنسان - فمن الممكن مثلا يذاع خبر لا يخدم السياسة الأمريكية مرات عابرة سريعة بينما يأتي بعدها أخبار تعظم من سياسة أمريكا مع بعض الدول، فيقوم الخبر الثاني المفبرك بغسل الخبر الحقيقي الذي يكشف الوجه الآخر القبيح لسياستهم الحقيقية  .

أما أسطورة غياب الصراع الإجتماعي فحدث ولا حرج، فقد كشف القناع الحقيقي لها أمام العالم في أوج جائحة كورونا، إلى ما يحدث اليوم منذ بدايات الحرب الروسية الأوكرانية  .

عندما نأتي إلى نقل هذا المنهج إلى ما وراء البحار، خاصة بعدما تطورت التكنولوجيا، وأصبح الإعلام العالمي أداة فاعلة في الحروب المعاصرة، فقد رأينا نتائجها في اشعال ثورات (الخريف العربي) التى كانت عامل مؤثر وأساسي لقيامها، بل وسقوط دول كانت راسخة بالمنطقة العربية، ومازال التوغل الإعلامي مخترق شعوب العالم إلى هذه اللحظة، وأصبحت الحرب السيبرانية والفضائية الواسعة هى الطريق الأمثل لإختراق عقول الشعوب وتوجيهها للتسطيح، وإقرار نمط التفاهة، وأد الثقافات وتبنى مواهب المدعين، وتغييب العقول لتوجيهها لأغراض تساهم في غزو العقول، وإسقاط الكيانات الثقافية والإعلامية السليمة، وتدمير الشعوب.

يقول الكاتب " تكنولوجيا الإتصال بإستخداماتها الحالية، تروج لتوجهات بلا تاريخ، وبالتالي فهي توجهات مضادة للمعرفة ".. فما بالنا اليوم بتكنولوجيا الألفية الثانية.. !!