الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الأزمة الأوكرانية.. دروس مستفادة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

بالرغم أن الأزمة في بداياتها وتفاعلاتها تتغير وتتصاعد على مدار الساعة، وأقطابها يمتلكون نفسا طويلا وقوات هائلة، إلا أننا نستطيع أن نستخرج عددا من الدروس المستفادة، نكتفي هنا، وبما تسمح به المساحة المتاحة أن نذكر 15 منها:

1ـ هناك دماء إنسانية لا قيمة لها: جاءت الأزمة الأوكرانية التي لم يزد عدد قتلاها من الأوكران ـ حتى الآن ـ عن عدد قليل، وغير موثق، وتبثه دعايات الطرفين. ولم نشاهد ظاهرة هدم مبنى أو نسف جسر أو مدرسة أو مستشفى، ومع ذلك قلبت أوروبا وأمريكا الدنيا رأسا على عقب وأقامتها على ساق. ومن ثم ثبت للجميع أن الدماء العربية في فلسطين والعراق وسوريا ولبنان وليبيا والسودان واليمن والجزائر والصومال وغيرها، ليست رخيصة فقط، لكنها بلا قيمة ولا تمت للجنس البشري بصلة. وفي ظل الثقافة الأمريكية والأوروبية لتوفير الرعاية والحنان والحب للحيوان، فقد أثبتت الأزمة أيضا أن دماء العربي لا ترقى لدم الحيوان! سواء كان الحيوان خنزيرا بريا أو فأرا للتجارب.

2ـ هناك بلاد ممنوع الاقتراب منها، وبلاد مستباحة: قبل وبعد دخول القوات الروسية الأراضي الأوكرانية، رفعت أمريكا وأوروبا شعارات الديمقراطية واحترام سيادة الدول واحترام الحكومات المنتخبة والمواثيق الدولية وغير ذلك. وجاءت العقوبات على روسيا بأشكال وألوان وتخريجات وتفريعات لم تخطر على قلب بشر! ودخل الجميع في مزاد علني، كل على قدر قدرته، سواء كان مدعوا للمهرجان أو غير مدعو، معنيا أو غير معني! وتدرجت العقوبات من الباهظة التي نعرفها، الى عقوبات عجيبة مثل نقل مباراة وحرمان فريق رياضي وعدم سريان بطاقة استئجار سيارة وحجب قنوات تليفزيونية ووكالات أنباء ومنع فرق مسرحية أو ممثل من العمل أو طالب من استكمال الدراسة!!. بل سرح الخيال الى طلب طرد روسيا من عضوية الأمم المتحدة والعضوية الدائمة في مجلس الأمن وجميع المنظمات الدولية.

أما أفعالهم في عالمنا العربي، من تدمير بلاد أو تقسيمها، وقتل وإعدام رؤساء وقتل ملايين وتخريب اقتصاد، ونشر الفوضى، واحتلال دول وتنصيب حكومات وإزالة حكومات واحتلال وضم أراض، وهدم بيوت وتشريد سكان، وهدم مدارس ومستشفيات، وسجن واعتقال للنساء والأطفال، فلا أرى ولا أسمع ولا أتكلم! رغم أن كل ذلك تم ويتم على مرأى الجميع وبالنقل الحي على شاشات التلفاز عالميا. وبالتالي علىى الإنسان العربي مهما كانت توجهاته أن يوقن أن النظم الحاكمة في أمريكا وأوربا تنظر اليه نظرة دونية، وأن حياته وكرامته وحريته لا يساوون شيئا وأنهم سقط متاع. وحتى إن طالعت قائمة الفائزين بجائزة نوبل في الكيمياء ستجد في قائمة أمريكا "أحمد زويل" وفي قائمة الفائزين بجائزة نوبل في الفيزياء ستجد في قائمة فرنسا الجزائري كلود ابراهام كوهين. 

3ـ أقنعة الديمقراطية تخفي وراءها وجوها وعقولا ومعتقدات عنصرية: كشفت تلك الأزمة الغطاء وفضحت الجميع بشكل علني، لا لبس فيه ولا جدال. فهل كان بعض العرب على علم بتلك الحقيقة عندما هرولوا للحصول على الجنسيات الأوروبية والأمريكية بكل الطرق الطبيعية والاحتيالية والشرائية وغيرها. للأسف سيظل هؤلاء مواطنون من الدرجة الثانية. وحتى لو لجأ البعض منهم ـ عن قصد ـ لتسمية أبنائهم وبناتهم بأسماء أجنبية، وتزوجوا من أجنبيات. 

4ـ الأهمية الجيوستراتيجية لأوكرانيا: قد يظن البعض أن هذا الموقف وهذا الهياج الأوروبي الأمريكي، ناتج من ضرورة استخدام أقصى وأقوى رد ممكن على الدب الروسي، لأن التساهل معه في قضم أوكرانيا، قد يشجعه على قضم والتهام المزيد من البلاد الأوروبية المجاورة الأصغر والأضعف منها. وبالتالي لابد من توجيه أعنف وأشد أنواع الردود. لكن الحقيقة تتجاوز هذا الأمر بكثير، حيث أوكرانيا (باستثناء روسيا)هي أكبر الدول الأوروبية من حيث المساحة [تليها فرنسا] وعدد سكانها حوالي 44 مليون نسمة فقط، وتشترك في حدود مع سبعة دول وتطل على البحر الأسود ولها حدود 2000 كم مع روسيا، ومساحتها ضعف مساحة إيطاليا ومرتين ونصف مساحة بريطانيا وخمسة عشر مرة (15) مساحة هولندا. والأهم من هذا وذاك، أن الكثافة السكانية في الكيلومتر المربع منخفضة جدا [اوكرانيا 75 نسمة في الكيلو متر المربع، مقارنة بـ 508 هولندا 240 ألمانيا 281 بريطانيا] وبالتالي فهي تستوعب أضعاف السكان الحاليين، وبالتالي ستكون عامل قوة للغرب ضد روسيا، خاصة بما تملكه من مشاكل عرقية مع روسيا ومن وجود 50% من العائلات الأوكرانية على صلات مستمرة وجذور بعائلات في روسيا، وبالتالي يمكن استخدام بعض هذه العائلات الروسية في عمل قلاقل للنظام الروسي عند الحاجة إليهم. وفوق هذا وذاك تنامي وجود مجموعات قتالية عنصرية تعادي النظام الروسي. 

5ـ حرية الرأي وحرية النشر لمن يريدون هم وليس لمن يريد هو: لأن المباراة التي دشنها الغرب ضد روسيا لها شقان أولهما عسكريا وهو الأقل شأنا، وثانيهما اقتصاديا وإعلاميا وهو الأكبر شأنا. وبالتالي لا بد من لجوء الغرب لنشر الشائعات وتشويه صورة روسيا واختلاق فظائع وجرائم غير موجودة، وتصوير بطولات زائفة. وبالتالي لا بد من منع نشر الرأي المضاد ومن ثم تم حجب القنوات التليفزيونية وأخبار المنصات الاجتماعية ووكالات الأنباء التي قد تفند مزاعم الغرب وتعرض وجهة النظر الروسية، خاصة بعد النجاح الساحق الذي حققه خطاب بوتين قبل دخول روسيا لأوكرانيا.

6ـ انهيار نظرية الردع النووي: سادت نظرية بين منظري السياسة وخبراء الاستراتيجية، بأن امتلاك سلاح نووي ليس للاستخدام وإنما للردع. وفي خضم تلك الأزمة، ظهر أن استخدام روسيا للسلاح النووي بات ممكنا، وأن خنق روسيا لن تسمح به الحكومة الروسية ولا الحزب ولا الشعب ولا الجيش. وأن الرهان على تدهور الحالة الاقتصادية والظروف المعيشية داخل روسيا سيدفع الشعب للتظاهر والفوضى، هو وهم لن ينتظره بوتين كي يحدث. ولا أتصور إذا بدأ بوتين بتوجيه صاروخ لمقر الاتحاد الأوروبي بوصفه المبنى الذي يتم فيه طبخ الخطط ضد النظام الروسي. هل سترد أمريكا وأوروبا وتقوم حرب نووية.؟! أم سيقوم حلف الناتو باختيار هدف مماثل في روسيا وضربه وتقوم حرب نووية؟ أم لن يرد حلف الناتو، وينتظر ما هي الخطوة التالية لبوتين.؟؟ وهو ما سيسقط حكومات الغرب ويشل حركتها على التفكير السليم. وفي رأيي الشخصي أن قيمة الحفاظ على استمرار الحياة في المعسكر الغربي، أكبر بكثير من مثيلتها في المعسكر الشرقي، وبالتالي فتهديد بوتين ليس للاستهلاك الدعائي أو التهديد الفارغ، لكن علينا أخذه مأخذ الجد.

7ـ نسيان التاريخ ومحاربة الشقيق ومناصرة العدو: لولا الاتحاد السوفيتي وحربه ضد النازي في الحرب العالمية الثانية، لتغير وجه التاريخ وابتلع هتلر أوروبا، فقد الاتحاد السوفيتي 26 مليون قتيل في تلك الحرب [11 مليون عسكري و16 مليون مدني] منهم 7 ملايين أوكراني، و14 مليون روسي. إضافة الى الخسائر المادية الفادحة والجرحى والمفقودين. وضربت أمريكا اليابان بالقنابل النووية في هيروشيما وناجازاكي. وأغارت اليابان على أمريكا في بيرل هاربور. ولولا انسحاب الجيش السوفيتي من ألمانيا الشرقية لما توحدت المانيا، ولولا إعادة الاتحاد السوفيتي بناء أوكرانيا بعد الحرب، لما كانت عادت للحياة. ولم يجب أحد عن السؤال: لماذا ضربت أمريكا اليابان نوويا ولم تضرب ألمانيا الهتلرية؟؟

8ـ لم يعد لعب الدول على الحياد بين الشرق والغرب مجديا: لا بد لكل دولة أن تكون دارسة ومستعدة مسبقا للاختيار بين المعسكرين الشرقي والغربي، إذا طُلب منها ذلكـ فعدم الوضوح وإمساك العصى من المنتصف، قد يفقدها المعسكران معا.

9ـ ما زالت البلطجة المالية فاعلة: من غير المعقول أن يجد فرد أو مؤسسة أو بنك أو دولة أمواله مصادرة بالقوة، بين يوم وليلة، ودون إجراء قضائي، وبالقوة الغاشمة وبفرض الأمر الواقع. ولا بد لمجموعة من الدول أن تتضامن وأن تدرس وأن تعمل على إيجاد نظام نقدي جديد، ولو عادت الدول لتفعيل نظام المقايضة بين السلع لتغطية جزء من التجارة العالمية.

10ـ تغير شكل وسائل وخطوط الشحن الجوي والبري والبحري والأنبوبي: أصبح من الممكن أن تكون كل تلك الوسائل تحت رحمة الأقوياء والتحالفات، وليست محكومة بقواعد النظم والمعاهدات والقوانين الدولية. وبالتالي على الاقتصاديين أن يأخذوا في حسبانهم مراعاة تلك المخاطر. وعلى المهندسين والمصممين أن يطوروا تصميماتهم لوسائل تقنية وهندسية لمواجهة حظر بعض المواني والطرق والمطارات لتقديم الخدمات لتلك الوسائل أو حظر مرورها.

11ـ مستقبل الوقود الأفحوري: لا بد من بحث هذا المستقبل بطريقة أشمل وأسرع، حيث بات نقل وتوزيع هذا المصدر للطاقة، بالطرق التقليدية الحالية، عملية تحفها المخاطر والصعوبات.

12ـ مستقبل الأمم المتحدة ومجلس الأمن ونيويورك كمقر: أصبح انغماس الولايات المتحدة في معظم المشاكل والأزمات العالمية، مدعاة للخلط بين سيادتها على كل من يدخل لبلادها، ومن يدخل لمقر عمله في الأمم المتحدة بنيويورك. وباتت عمليات المنع أو الطرد للعديد من أفراد البعثات الدبلوماسية في نيويورك تتكرر من آن لآخر. فإذا أخذنا الموقع الجغرافي غير المناسب بالنسبة لمعظم الدول الأعضاء في أوروبا وأفريقيا وآسيا، وبقاء المقر لأكثر من ثلاثة أرباع القرن في نيويورك تغير وتطور فيهم شكل العالم. فقد أن الأوان لنقل المقر من نيويورك لمكان أكثر تناسبا وأقل إثارة للمشاكل. كما أن فكرة تقسيم الأمم المتحدة الى منظمتين، قد تصبح واردة.

13ـ القوة العسكرية الأوروبية القوية والمستقلة: بدأها وتزعمها الرئيس ماكرون بسبب تصرفات ترامب، لكنها تبخرت وأصبحت أضغاث أحلام، وكشفتها الأزمة الأوكرانية، وعادت الهيمنة الأمريكية، وقانون التابع والمتبوع.

14ـ خلق كيانات إرهابية جديدة: توزيع بعض الدول الأوروبية أسلحة فتاكة وراجمات صواريخ، بطريقة عشوائية في أوكرانيا، سيوقع جزءا منها في يد الجماعات النازية المتعصبة والمتطرفة، وستحدث كوارث ومذابح مستقبلية، وستزدهر سوقا سوداء لبيع الأسلحة، ولا بد من وقف هذا البرنامج فورا، فالأسلحة للجيوش النظامية المستقرة وليست لجماعات نازية.

15ـ صورة مغايرة للحرب الباردة: درج المنظرون على أن الحرب الباردة كلها أضرار. لكن اتضح أن عدم وجودها خلق ودعم النظام أحادي القطب وترك مجالا لتزييف الحقائق ولطغيان الدعاية الأحادية، وبالتالي فقد ثبت أن للحرب الباردة عشرات الفوائد ولا بد من وجودها [ويستحق شرح وتوضيح تلك الفوائد، مقالا منفردا إن شاء الله].