الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

محمد رفعت يعرض تحديات الإعلام الجديد في"مستقبل الصحافة الإلكترونية" 

كتاب مستقبل الصحافة
كتاب مستقبل الصحافة الإلكترونية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لقد فرض ظهور الإنترنت ومن بعده الإعلام الإلكتروني وسيفرض واقعاً مختلفاً تماماً، إذ أنه لا يعد تطويراً فقط لوسائل الإعلام السابقة وإنما هو وسيلة احتوت كل ما سبقها من وسائل، فأصبح هناك الصحافة الإلكترونية المكتوبة، وكذلك الإعلام الإلكتروني المرئي والمسموع، بل إن الدمج بين كل هذه الأنماط والتداخل بينها أفرز قوالب إعلامية متنوعة ومتعددة بما لا يمكن حصره أو التنبؤ بإمكانياته.

هذا التحدي قدمه الكاتب محمد رفعت في كتابه مستقبل الصحافة الإلكترونية"  والصادر  مؤخرًا عن دار النخبة للتوزيع والنشر، فلم يتوقف التغيير على الوسيلة الإعلامية فقط أو كم الجمهور وإنما تعداه لطبيعة هذا الجمهور وموقعه من العملية الإعلامية المكونة من مرسل ومستقبل ووسيلة ورسالة ورجع صدى، إذ تغيرت تماماً عناصر هذه العملية في ظل ثورة الإعلام الإلكتروني وصار بينها نوع من التداخل والتطور النوعي أهمه اختفاء الحدود بين المرسل والمستقبل، فأصبح الجمهور هو صانع الرسالة الإعلامية، وأبرز مثال على ذلك ظاهرة المواطن الصحفي والتي مثلت اتجاها كاسحا في الإعلام الإلكتروني الغربي.

كل ما سبق وغيره مما يصعب حصره من الأسباب تؤكد أن الإعلام الإلكتروني هو إعلام المستقبل، ومن ثم وجب الاهتمام به وأداؤه بالشكل الأمثل، والدليل على ذلك اتجاه كثير من الصحف الغربية والأمريكية تحديدا إلى التحول من الشكل التقليدي إلى الإعلام الإلكتروني.

وقد ظهر جيل جديد لم يعد يتفاعل مع الإعلام التقليدي بقدر ما يتفاعل مع الإعلام الإلكتروني يسمى بالجيل الشبكي أو جيل الانترنت، وأصبحت هناك شبكات تواصل اجتماعي كـ "تويتر، الفيسبوك" كوسيلة للتواصل بين الناس حيث جعل من الفرد مؤسسة إعلامية ينشر مواده الاعلامية على شبكات التواصل الاجتماعي.

وأصبح الإعلام الإلكتروني محور الحياة المعاصرة له أهميه كبيرة باحتواء قضايا الفكر والثقافة وبات يطلق عليها "ثقافة التكنولوجيا" أو "ثقافة الميديا"، أصبح مستخدمو الانترنت في العالم في تزايد مستمر في ظل ثورة الانفوميديا والتي تتجسد في الدمج بين وسائل الإعلام والاتصال فالقنوات التلفزيونية أمكن لها أن تبث برامجها عبر الموبايل، وبذلك استطاع الإعلام الإلكتروني أن يفرض واقعاً مختلفاً على الصعيد الإعلامي والثقافي والفكري والسياسي.

والاعلام الرقمي، لا يعد تطويراً فقط لوسائل الإعلام التقليدية وإنما هو وسيلة إعلامية احتوت كل ما سبقها من وسائل الاعلام، من خلال انتشار المواقع والمدونات الإلكترونية وظهور الصحف والمجلات الالكترونية التي تصدر عبر الانترنت، بل إن الدمج بين كل هذه الأنماط والتداخل بينها أفرز قوالب إعلامية متنوعة ومتعددة بما لا يمكن حصره أو التنبؤ بإمكانياته، فالعصر الحالي يعد بحق عصر الإعلام الإلكتروني.

ولكن الصورة ليست وردية تماماً، فالإعلام الإلكتروني بات يعاني هو الآخر من أزمات كثيرة، قد تزيد ضراوة وخطورة عما يعانيه الإعلام التقليدي ، بسبب تحكم الحيتان الثلاثة وهي شركات "جوجل" و"أمازون" و"فيس بوك" في سوق الإعلان في العالم وممارستها لبعض السياسات الاحتكارية والتحكم في المواقع الاخبارية الاليكترونية من خلال بوابة الإعلانات وتحكمها في عدد الزوار والمشاهدات، بعد أن أصبحت تلك المواقع تعتمد بشكل متزايد على مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة "فيس بوك" و"تويتر" و"انستجرام" في الترويج لها وعرض موادها الإعلامية من خلالها. 

وبدأ ظهور الصحف الإلكترونية على الإنترنت في شهر يونيو عام 1992، حيث صدرت "شيكاغو أون لاين"، كأول صحيفة إلكترونية على شبكة أميركا أون لاين، بينما يرى الكاتب والباحث الصحفي طارق ديلواني أن جريدة "الواشنطن بوست الأمريكية"، هي أول من قام بإطلاق موقع إخباري إلكتروني في عام 1994 ، تكلف تنفيذه آنذاك عشرات الملايين من الدولارات، أطلق على هذا النوع من النشر مصطلح "الحبر الرقمي"، وكانت هذه هي بداية ظهور الصحف الإلكترونية، التي كانت الشرارة الأولى لظهور الإعلام متعدد الوسائط عن طريق الربط بين تقنيات الحاسوب "الكمبيوتر" وبين تقنيات المعلومات.

بدأت الصحف الإلكترونية عبر الانترنت بمنافسة الصحف المطبوعة منذ أن قامت مجلة نيوزويك الأمريكية واسعة الانتشار بمتابعة فضيحة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون مع مونيكا لوينسكي عبر موقعها على الأنترنت، وقبل الموعد الأسبوعي لصدور المجلة، في البدايات كان عدد قليل من الصحف والمجلات والنشرات تنشر إلكترونيًا.

5000 صحيفة إلكترونية على الإنترنت.

في إبريل عام 1995م نشر خبر تفجير في أوكلاهوما برسوم توضيحية وصور حية، وموقع الانفجار وقائمة للضحايا، وبعد الحادث وفر موقع "نيوز دي" في برودجي خارطة تفاعلية للمدينة، ونشرت وكالة أنباء "الاسوشيتدبرس" أول تقرير عن الحادث في الشبكة بجانب رسم توضيحي يصف القنابل التي استخدمت في تفجير المبنى، وكذلك نشرت وسائل الإعلام الإلكتروني خطة السلام في البوسنة في نوفمبر 1995م كإحدى أهم الوثائق التي نشرت على الشبكة ، واتجهت إليها الأنظار كمصدر للأخبار.

في ذلك الوقت زاد عدد الصحف على الإنترنت وبدأت أعداد كبيرة من الصحف غير الأمريكية في الظهور على الشبكة مثل الجارديان البريطانية والألمانية DW ويوميوري شيسبون وأساهي شيسبون في اليابان، والشعب الأرجنتينية ولوموند الفرنسية ووكالة رويترز وغيرها.

ودخل العالم العربي مجال الإنترنت دون أن يتأخر كثيرًا عن العالم، ففي التاسع من سبتمبر 1995 توافرت صحيفة الشرق الأوسط اليومية العربية إلكترونيًا لأول مرة عبر شبكة الإنترنت على شكل صور، والصحيفة الثانية كانت صحيفة النهار اللبنانية التي أصدرت طبعة إلكترونية يومية خاصة في 1 يناير 1996، تلتها الحياة اللبنانية في 1 يونيو 1996 وتلتها في نهاية نفس العام صحيفة السفير.

أصل الأزمة

على مدار نصف القرن الأخير، تم إعداد وتدريب آلاف الإعلاميين العرب ممن يمارسون مهنتهم حاليا لعصر غير عصرهم، حيث تمت تهيئتهم للعمل في الجرائد اليومية و المجلات ووكالات الأنباء أو في المحطات الإذاعية والتليفزيونية، واليوم أصبحت صدمتهم كبيرة وهم يشاهدون معظم المحطات التليفزيونية وقد أصبح لها مواقع إخبارية تنشر مادة إعلامية مكتوبة تضاهي ما تنشره الجرائد بل وقد تتفوق عليها في كثير من الأحيان، كما يتابعون مؤسسات صحفية وهي تضيف أستديوهات وقنوات تليفزيونية إلى جانب قاعات التحرير، تقوم ببث مادة إعلامية صوتية أو مصورة عبر مواقعها الإلكترونية.

و من الطبيعي أن تتوجه كل مؤسسة إعلامية إلى أعضاء هيئة تحريرها بالدرجة الأولى لمدها بهذه المادة الإعلامية الجديدة التي لم يتعود الصحفيون على إعدادها لأنهم درسوا وتدربوا ومارسوا مهنتهم عدة  سنوات على أساس تقسيم عمل واضح الحدود بين الموضوع المعد للنشر في جريدة و الموضوع المعد للبث في محطة إذاعة أو تليفزيون، فكيف لهم أن يستجيبوا لذلك سواء من ناحية حجم العمل الإضافي أو من ناحية المهارات الجديدة اللازمة لمتطلبات الإعلام الاندماجي الذي لم يعد يميز بين طبيعة الرموز المستعملة في صياغة الرسالة الإعلامية.

وفي الوقت الذي تصر فيه معظم كليات الاعلام العربية على هذا التقسيم التقليدي لطلابها بين أقسام الصحافة والاذاعة والتليفزيون والعلاقات العامة والاعلان، استطاعت مؤسسات تعليمية اعلامية أخرى مواكبة تطورات العصر، و أضافت الى مناهجها مهارات الكمبيوتر والصحافة الإلكترونية مما سيعزز في السنوات القادمة عدد الصحفيين الذين حصلوا على هذا النوع من التعليم والتدريب.

الإعلام البديل

ظهر تعبير الإعلام البديل، مع النمو المتزايد لتأثير صحافة المواطن وما ينشره الجمهور أو ما يسهمون به في وسائل الإعلام بدلا من مجرد استهلاكه واستقباله.

ويرى كثيرون من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، “واليائسين” من دور الصحافة والإعلام التقليديين، أن هذه الجماهير تلعب الآن دورا أكبر في توفير محتوى إخباري لوسائل الإعلام، كونها عيون وآذان وسائل الإعلام في توفير المعلومات الفورية مثل الصور وأشرطة الفيديو من الحوادث أو الأحداث الآنية، وبعبارة أخرى الأحداث المتسارعة، التي تتطلب وجودا على أرض الواقع، بوسائل وأدوار تتجاوز الطريقة التقليدية للوصول إلى الأخبار، حيث يعتمد كثير من الصحف على صور وموضوعات صحفية تم نشرها في مدونات لمواطنين لم يسبق لهم احتراف أو ممارسة العمل الصحفي.

وقد أجبر هذا التطور الرهيب في مفهوم ودور الصحافة العديد من المواقع الإخبارية ووسائل الإعلام التقليدي ، على إدراج أقسام خاصة للمواد الخبرية المرسلة من المواطنين في الصحف والدوريات، بالإضافة إلى استحداث أبواب خاصة لصحافة المواطن، وليس مجرد الاكتفاء بأبواب محددة ومحشورة داخل برامج وزوايا ، تتبرأ من مصداقية الخبر ولكنها في الوقت نفسه مجبرة على إلقاء الضوء عليه، بحيث يصبح هناك استمرارية في المتابعة والاهتمام بدور المواطن الصحفي في الصحافة التقليدية إلى جانب ما تتناوله وسائل الإعلام الجديدة، وهو ما تحقق على استحياء في كثير من وسائل الإعلام، نظرا لاقتصاره على نشر صور مرسلة من المواطنين مرفقة بإيضاح للصورة لبعض التجاوزات أو المخالفات في المجتمع.

الحيتان الثلاثة

الواقع يؤكد أن الصحافة الإلكترونية نفسها بمفهومها المؤسسى والصناعي هى أيضًا فى عين عاصفة المخاطر، وقد تتعرض لتهديدات أكبر مما تتعرض لها الصحف الورقية ما لم تعرف كيف تتعامل مع شبكات التواصل، وكيف تحل "لوغاريتمات" جوجل، وكيف نتعامل مع منصات عرض منتجاتها الإخبارية على هذه الشبكات العالمية العملاقة، وكيف تدير شكل عرض المحتوى على «فيس بوك» و«تويتر» و«جوجل نيوز»، و«ياهو نيوز» و«انستجرام» وغيرها من الشبكات العملاقة المسيطرة على العالم.

ولابد أن ينتبه المسؤولون عن المواقع الاليكترونية الاخبارية إلى كيفية التعامل مع العملاق الأكبر «جوجل» الذى تحول من محرك بحث إلى اللاعب الرئيسى فى المنح والمنع للزوار للمواقع الإلكترونية، ثم تحول أيضا إلى ناشر للأخبار ينافس الصحف فى مجالات النشر المختلفة، ثم تحول كذلك إلى أهم مؤسسة لنشر الإعلانات الإلكترونية فى العالم، وسيطر بسهولة على الشريحة الكبرى من كعكة النشر الإعلانى فى مصر والعالم العربى.

الواقع الآن يؤكد أن الصحف الإلكترونية تتسابق على نيل رضا «فيس بوك» والحصول على البركة من «جوجل»، هذا المنطق طبيعى الآن ومفهوم ومبرر، نظرًا للأداء الأسطورى لهذه المواقع ونجاحها المطلق فى السيطرة على مستخدمى الإنترنت، فهذه المواقع وحدها قد تمنحك بركة وعظمة فورية، ثم هى قادرة فى الوقت نفسه أن تسحق المواقع والمؤسسات الصحفية إذا غضبت عليها فتتركها رمادا تذروه الرياح.