الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مصريون عرفتهم فى باريس «٢٠» يوسف فرنسيس.. الجورنال تحت القميص

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لا يمكن للمتابع للفن والثقافة فى مصر إلا أن يكون قد تأثر بشكل أوبآخر أو أعجب بشكل أو بآخر أو انبهر بشكل أو بآخر بشخصية وإبداع الفنان الصحفي والمخرج الراحل يوسف فرنسيس.

من الصعب أن أكتب عن حياة يوسف فرنسيس؛ لأنه عاش حيوات عديدة فهو فى الأصل رسام مصور، وهو مخرج سينمائى عظيم وهو كاتب صحفى، وهو مدير للمركز الثقافى المصرى فى باريس، وهو رئيس ومديرتحرير صفحة السينما «جريدة الأهرام»، لسنوات طويلة أصبحت بفضلهمرجعًا كبيرًا للسينما وأحوالها فى مصر والعالم.

عرفت يوسف فرنسيس فى باريس عندما كان مديرًا للمركز الثقافىالمصرى فى قلب الحى اللاتينى، وقد سار فى هذا المركز على درب سلفهفاروق حسنى، أى أنه حوله إلى ساحة لعرض المنتج الثقافى المصرى الرفيع، وليس مقهى لشرب الشاى وتدخين الشيشة.

وكانت لنا جولات بطول الحى اللاتينى وعرضه، نتناقش فى فى أمورالثقافة والفن، ونناقش فيه أحوال أستاذنا المشترك توفيق الحكيم. ولم تكد تمر سنوات قليلة حتى عاد إلى مصر ليرأس تحرير صفحة السينماويشرع فى إخراج مشروعه الكبير، وهو إخراج فيلم عن حياة الحكيم فىباريس، من خلال روايته أو سيرته الذاتية «عصفور من الشرق»، يلعب فيه توفيق الحكيم نفسه دورًا صغيرًا ويقوم بأداء دور الحكيم الفنانالراحل الكبير نور الشريف.

وكانت لوحات يوسف فرنسيس تبعث البهجة، لأنها كانت لوحات للمرأة فىأجمل أشكالها وتعبيراتها، وكانت طريقته فى رسم شعر المرأة كأمواج تنساب برقة فى الهواء؛ لتحملك على أجنحتها إلى عوالم من الجمال والرومانسية. كانت مقالاته فى فى صحيفة الأهرام ممهورة دائمًا برسومهالتى كانت تشبه إلى حد كبير خطوط الشاعر والكاتب الفرنسى الكبيرجان كوكتو.

وكنت أحب دائمًا أن أقول له إنه كوكتو المصرى، وكان يضحك كثيرًا لأنهكان يقول: «لقد احترفت كل الفنون التى كان يمارسها جان كوكتو عدافن الشعر، ولذا لن أكون أبدًا جان كوكتو المصري. ولكن عليك أن تؤلفكتابًا عن جان كوكتو».

كان يوسف فرنسيس إنسانًا بكل معانى الكلمة وكان يحلم بأن يكون لكل مصرى مبدع حظ من النجاح والشهرة والراحة المالية؛ لأنه دون ذلك يموتالفنان، ربما من الجوع والعطش.

كان نجاح فيلمه الأشهر «المدمن» مع الممثل الراحل أحمد زكى قد أعطاه شيئا من الطمأنينة، لكنه لم يمنع عنه عواصف المرض التى حطت عليهوأتعستنا؛ لأن الرجل كان رقيقًا حنونًا، لم يكن لديه ولم تكن لدينا القدرة على تحمل رؤيته متألمًا.

صعدت إلى الطائرة فى طريقى من باريس إلى القاهرة وجلست لأجد بجوارى يوسف فرنسيس. يا لها من مصادفة عجيبة وجميلة واعتبرناهانحن الاثنين هدية من السماء وزففت له خبر شروعى فى كتابه «كوكتوالمصري»، وكانت فرحته كبيرة وقال لى إن هذا الكتاب سيكون له مستقبلعظيم.

ولاحظت من خلال ثنايا قميصه شيئًا يشبه الورق، وقال لى إنه يستعينعلى البرد بوضع ورق الجورنال تحت قميصه حتى يتدفأ، وهى وصفة مصرية قديمة. وضحكنا كثيرًا على حالنا نحن- الصحفيين- نحمل الصحافة فى قلوبنا وأوراقها فى أجسامنا.

وطلب منى أن أحجز نسخته من كتاب «كوكتو المصرى» ووعدته بذلك. ولم أكن أعرف أن هذا هو آخر لقاء مع يوسف فرنسيس.