الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

انتخابات الأندية.. سنة أولى ديمقراطية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

من المتعارف عليه أن الديمقراطيات تنشأ من أسفل وليس من أعلى، فلا تتحقق الديمقراطية بقرار فوقي يفرض ولكن الديمقراطية الحقيقة هي تلك التي تنشأ من خلال تعارض الرؤى ومحاولات التنسيق بين اختلاف الآراء. 

وقد يكون هذا المبدأ غير متحقق بدرجة كافية على المستوى السياسي، وهو ما تعكسه نسب المشاركة القليلة في الفعاليات السياسية، ولكنه مما لا شك فيه يتحقق بشكل ما في انتخابات الأندية، التي لا تقتصر فقط على الصراعات بين النخب في سياق تشكيل مجالس الإدارة في مختلف الأندية، ولكنها تمتد لتحمل مغزى ثقافيًا وسياسيًا في طيات صراعاتها الانتخابية بما يشكل سنة اولي ديمقراطية حقيقية. ولعل النقطة الأبرز في صراعات النخب في الأندية الكبرى هو تحالفات رجال الأعمال ونجوم الرياضة في قوائم انتخابات الأندية الكبرى، وهو وضع من الممكن رصده في عدد من الأندية على رأسها ناديي الأهلي والزمالك، ولكن من الصعب أن تخلو أية قائمة انتخابية في أي نادي من الأندية الكبرى من تحالف هاتين الفئتين من النخب الاجتماعية. ويعكس هذا التحالف حقيقتين رئيسيتين. أولاهما، تحول الرياضة لمجال استثماري يدر الملايين من الأموال، خاصة أن هناك العديد من البنود في قانون الرياضة الجديد التي تتيح للأندية فرص الاستثمار الرياضي، وهو ما لم يكن منصوصًا عليه في القانون السابق، وبالتالي بات المجال الرياضي يستوجب وجود، بل ويشهد إقبال، طبقة من رجال الأعمال في أروقة مجالس إدارة الأندية الرياضية. ثانيتهما، أن الدخول للمجال العام للمجتمع المصري في الوقت الحالي بات مقصورا على الشهرة من ناحية، والقدرة المادية من ناحية أخرى. ولعل الدخول للمجال العام الرياضي لا يختلف كثيرًا عن الدخول للمجال العام السياسي، حيث إن القدرات المادية والشهرة كانا من العوامل المحددة في انتخابات مجلس النواب الأخيرة.
ولعل مشهد تواجد الطبقة المتوسطة في انتخابات الأندية خير دليل على ما تشهده هذه الطبقة من تراجع في الوقت الحالي، ففي انتخابات الأندية الكبرى، كالأهلي والزمالك والصيد، عادة ما يترشح المنتمون للطبقة الوسطى كمستقلين، ولكنهم لا يدخلون القوائم الانتخابية الأوفر حظًا، إلا أنه يوجد عدد من الاستثناءات، خاصة في الأندية التي تشهد نوعا من التطابق في الانتماء الطبقي لجمعيتها العمومية، كنادي الجزيرة أو هليوبليس على سبيل المثال، حيث يظل هناك عدد من الاعتبارات المعنية بالوجاهة الاجتماعية لمهن بعض المنتمين للطبقة المتوسطة، كالأكاديميين والقضاة على سبيل المثال، وتُمثل تلك الاعتبارات جزءا مهما من رؤية أعضاء الجمعية العمومية للمكانة الاجتماعية لممثليهم. ولكن بشكل عام، توضح انتخابات الأندية تراجع الطبقة المتوسطة عن مواقع القيادة في العمل العام، وإعادة التشكيل الطبقي للنخب المتواجدة في المجال العام الرياضي، وهو تشابه آخر بين المجالين الرياضي والسياسي فيما يتعلق بعلاقات النخب المشكلة لهما.
وطالما كان الترشح للعمل في مجالس الادارات، عملًا تطوعيًا لا يتقاضى العضو المنتخب عليه أجرا، وبالتالي تصبح عضوية مجالس إدارة الأندية مناصب لا تُدر دخلا على شاغليها. ولكن واقع الأمر يقول إن الانتخابات عملية مكلفة ماديًا، وبالطبع تختلف التكلفة المادية من انتخابات لأخرى وفقا لدرجة المنافسة، وحجم الهيئة الناخبة التي يحاول المرشح الوصول لها، فمن غير الممكن إغفال الملايين التي تُنفق على الدعاية في انتخابات أندية كالأهلي والزمالك والحزيرة والصيد وهايوبوليس، أو المبالغ الأقل التي تُنفق في انتخابات أندية أخرى، وهو ما يطرح التساؤل، لماذا يتكبد المرشحون هذه التكلفة المادية لنيل منصب من المفترض أنه لا يدر دخلا، وما هي المكاسب التي تعود على المرشحين من عضوية مجالس إدارة الأندية، والتي تجعلهم على استعداد لتحمل نفقات مادية تصل في بعض الأحيان للملايين؟
المكسب الأول، يتمثل في حجم القوة الناعمة التي تعطيها رئاسة وعضوية مجالس إدارة الأندية، خاصة الكبرى منها، للفائزين في الانتخابات. وتتمثل القوة الناعمة فيما يتعلق بالأندية في مصر في عدد من الأبعاد، أولها هو المكانة الاجتماعية التي توفرها عضوية مجالس الإدارة، وهي المكانة القائمة على شقين، أولهما، فكرة تحمل المسئولية، وثانيهما هو الاعتراف بشعبية العضو بين أعضاء الجمعية العمومية، أو بين كتلة موحدة تنتمي لنخبة ما وفقا للكدر الاجتماعي أو المهني للنادي.أما المكسب الثاني، يتعلق بما تمنحه الأندية من تصريح وفرصة للدخول للمجال العام، سواء من خلال الإعلام، وهو ما ينطبق على الأندية الكبرى، خاصة الجماهيرية منها، أكثر من انطباقه على الأندية الأصغر، أو من خلال التفاعل مع الدولة أو مؤسسات القطاع الخاص بشأن الأمور المتعلقة بالنادي، وهو ما يخلق لعضو مجلس الإدارة شبكة من العلاقات الاجتماعية، والمهنية في بعض الأحيان، التي تجعله يقبل بتحمل عناء العملية الانتخابية.والمكسب الثالث، يتعلق بقدرة عضوية مجالس إدارات الأندية على صنع دور اجتماعي للطبقة المتوسطة، وهي الطبقة التي باتت تواجه العديد من المشكلات بفعل عدد من العوامل، خاصة الاقتصادية منها، وبالتالي أضحت عضوية مجالس إدارة الأندية نوعًا من التعويض عن تراجع القدرة المادية للطبقة المتوسطة في مصر مؤخرًا. ولعل هذه النقطة تحديدًا تنتطبق على الأندية الصغيرة وغير الجماهيرية، لأن الأندية الكبرى، خاصة الجماهيرية منها تشهد صراعًا نخبويا مختلفًا عن الأندية الأصغر.