الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

«لوموند»: الكشف عن مقتل عشرات المدنيين في قصف أمريكي بسوريا

مؤرخ وكاتب فرنسى: البنتاجون يرفض الاعتراف بـ«حمام دم» فى الباغوز.. وإدارة بايدن تتستر على أخطاء إدارة ترامب

إخلاء مئات المدنيين
إخلاء مئات المدنيين من الباغوز 14 مارس 2019
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الكاتب السياسى والأستاذ الجامعى والمؤرخ الفرنسى جان بيير فيليو، خصص عموده الأسبوعى، اليوم الأحد، فى صحيفة «لوموند» للتعليق على  تحقيق نشرته «نيويورك تايمز»، كشفت فيه أن ضربة أمريكية في مارس 2019 في سوريا قتلت عشرات المدنيين، وليس فقط الأربعة المعترف بهم بشكل غير رسمي.

جان بيير فيليو

 قال جان بيير فيليو:

 لقد أُجبرت الولايات المتحدة على الاعتراف في تتابع سريع بأن ما يسمى بالضربات "الموجهة" ضد الأهداف "الإرهابية" والعسكرية قد قتلت في الواقع العديد من المدنيين. إنه أولاً وقبل كل شيء مثل تفجير 29 أغسطس الماضي في كابول، والذي استهدف رسمياً سيارة محملة بما زُعم أنه "كمية كبيرة من المتفجرات" كان من شأنها أن تشكل "تهديداً وشيكاً" من فرع "الدولة  الإسلامية" الأفغاني، الذى كان مسؤولاً، قبل ثلاثة أيام، عن مذبحة في مطار العاصمة الأفغانية. لكن سرعان ما أصبح مما لا جدال فيه أن الضربة دمرت فقط شاحنة محملة بعبوات مياه غير ضارة، مما تسبب في مقتل عشرات المدنيين، من بينهم سبعة أطفال على الأقل. وزير الدفاع الامريكي يعترف، وقتها، بارتكاب "خطأ فادح" ويقدم "خالص تعازيه لأسرة وأصدقاء القتلى" . الآن تتضح معلومات جديدة عن قصف نفذ في 18 مارس 2019 في سوريا وتبين أنه تسبب في مقتل نحو ستين مدنياً.

حصار باغوز

نحاول أن نستعيد المشهد.. آخر معاقل الجهاديين في سوريا على وشك السقوط في الباغوز، جنوب شرق سوريا، على مقربة من الحدود العراقية. دأب تنظيم داعش على الدفاع بقوة عن هذا الجيب الذي تبلغ مساحته بضعة كيلومترات مربعة لأسابيع، وهو ما يمثل القاعدة الإقليمية النهائية لخلافته الزائفة. تستمر إدارة ترامب في الإعلان، يوما بعد يوم، عن النصر "النهائي" على أبو بكر البغدادي. وتحاول المليشيات الكردية، التي تشكل دعما بريًا للقوات الجوية الأمريكية، تنظيم إخلاء مئات المدنيين الذين ما زالوا محاصرين، بشكل طوعي إلى حد ما، في المعقل المحاصر. في هذا السياق، يُعتقد أن غارة F15 في 18 مارس 2019 قتلت 16 مقاتلاً و4 مدنيين. لكن تحقيقًا معمقًا أجرته "نيويورك تايمز" أظهر للتو أن 64 مدنيًا وليس 4 مدنيين فقدوا حياتهم في هذا القصف.

موضوع السؤال هو فرقة العمل 9، وهي وحدة تربط بين القوات الخاصة وقوات دلتا، وتتمثل مهمتها في تنسيق الهجمات البرية والغارات الجوية. قد تكون هذه مسؤولية تشغيلية لقيادة الطيران الإقليمية الأمريكية، الموجودة في قطر، فهي تعتمد إلى حد كبير على مشورة فرقة العمل 9، الأقرب بكثير من الأرض. لكن صحيفة "نيويورك تايمز" كشفت أن هذه الوحدة تجاوزت بشكل منهجي إجراءات إجازة الضربات الجوية من خلال تسليط الضوء على "الخطر الوشيك" من جهة العدو. بلغ هذا الانجراف ذروته بقصف 18 مارس 2019، واستمر اثنتا عشرة دقيقة، بإطلاق أول قنبلة وزنها 250 كيلو جراماً، تلاه ضربتان أخريان على الناجين. ومع ذلك، فإن صور طائرة استطلاع بدون طيار تظهر فقط اثنين أو ثلاثة رجال مسلحين، وسط مدنيين، في الموقع المستهدف، دون أن يشارك أي شخص في هجوم.

دروس من "الجنة"

وتتهم منظمة "الرقة تُغتال في صمت"، التي تعمل شبكتها المناهضة للأسد في أنحاء وادي الفرات، الجيش الأمريكي في  نفس اليوم بارتكاب "مجزرة مروعة". لكن هذه الشهادة قمعت من قبل الشركاء الأكراد للولايات المتحدة، لأنه لا شيء يجب أن يشوه الإعلان، في 23 مارس 2019، عن الاستسلام النهائي للباغوز، وبالتالي القضاء على آخر جيب لـ"خلافة الإرهاب".

 وتكشف "نيويورك تايمز"، علاوة على ذلك، أنه على الرغم من المعلومات عن خسائر مدنية مهمة، اختارت القيادة الأمريكية دفن القضية، دون حتى إجراء تحقيق داخلي. على عكس "الاعتذارات" المقدمة عن "الخطأ الفادح في كابول في أغسطس 2021، رفض البنتاجون الاعتراف رسميًا بحمام الدم في مارس 2019 في الباغوز. وبالتالي، فإن إدارة بايدن تسترت على "أخطاء"  إدارة ترامب، مدعية، في تحد لما هو واضح، أن آلاف الضربات التي نفذتها الولايات المتحدة ضد داعش في عام 2019، في سوريا والعراق، لم تسفر سوى عن مقتل فقط 22 مدنيا في المجموع.

من ناحية أخرى، تعتبر منظمة  Airwarsوهي منظمة غير حكومية توثق الضربات الجوية من جميع الأصول، أن قصف الحلفاء، خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2019 ، أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 415 مدنياً في سوريا، وربما ألف شخص. ووفقًا لـ Airwars أيضًا، فإن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش مسؤول، من أغسطس 2014 إلى مارس 2019، عن مقتل 8175 إلى 13151 مدنياً في سوريا والعراق، حيث تعترف واشنطن فقط بسقوط 1321 مدنيًا. وعلى سبيل المقارنة، يقدر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن سلاح الجو الروسي قتل 8114 مدنيا في سوريا منذ بدء تدخله في سبتمبر 2015 وحتى يونيو 2019، وهذا لا يمنع وزير الدفاع الأمريكي من الادعاء بأنه "لا يوجد جيش يعمل بجد مثل جيشنا لتجنب وقوع إصابات بين المدنيين". أما بالنسبة لـ"نيويورك تايمز"، فقد أعادت، بجدية ودقة تحقيقها في تفجير الباغوز 2019، مصداقية تقاريرها، التي تأثرت عام 2020 بفبركة تقرير عن جهادي مفترض.

•     جان بيير فيليو، أستاذ جامعى فرنسى. درس فى معهد اللغات والحضارات الشرقيه بباريس ومعهد الدراسات السياسيه بباريس. يكتب فى قضايا الإسلام،  والشرق الاوسط،  والعالم العربى. له عدة مؤلفات تتناول القضايا العربية والإرهاب، من بينها كتاب "الشرق الأوسط الجديد" و"أعداء حميمون.. فصول من تاريخ علاقة الولايات المتحدة بالشرق  الأوسط" و"هل تصبح القاعدة إفريقية فى منطقة الساحل؟" وغيرها من المؤلفات. يصفه البعض بأنه "يرى الشرق كما يراه العرب"، لكن ذلك لا يمنع من مناقشة بعض أفكاره.