الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

التاتش الأخير

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أثارت تصميمات العملة الجديدة التي ننتظر طرحها في نوفمبر القادم العديد من الملاحظات قال عنها البعض إنها ملاحظات شكلية، ويقصد هذا البعض أن الملاحظات التي رصدها المتابعون لم تتطرق إلى جوهر فكرة تغيير خامة العملة، واقتصرت الانتقادات على التصميم فقط، وبينما يحاول آخرون إقناعنا بأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان نجد أنه من واجبنا أن نرد قبل دوران المطابع.

الملاحظات التي بسببها ثارت الميديا هي في حقيقة الأمر ملاحظات جوهرية وأساسية ولا يمكن التعامل معها بخفة او "تصدير الطرشة".

العملة هي السفير المعتمد للدولة المصرية في كل أنحاء المعمورة، وإذا لم نتعب عليها ونجتهد لكي نخرج أجمل ما فينا سوف نخسر كثيرًا.

هذه الفرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة كل عدة عقود، ومصر لا تعاني من نقص في المبدعين القادرين على استكمال حلقات الفراعنة في الحضارة بشكلها الحداثي.

لذلك يمكن اعتبار الاستسهال نوع من انواع إهدار المال العام، تصميم العملة ليس بالمستحيل ولكن المسخ والتشوه هو المستحيل ان نقبل به.

لقد عانينا في السنوات القليلة الماضية من تشوهات بصرية بسبب بعض التماثيل التي زرعتها وحدات محلية على مداخل مراكز ومدن، ولعل أشهرها كان مسخ الملكة الجميلة نفرتيتي في محافظة جنوبية.

ولولا قيام الرأي العام بدوره في الغضب المشروع لكنا أضحوكة أمام الآخرين.

لا أطالب بمسابقة بين التشكيليين لكي نتفق على شكل العملات الجديدة، فقد مضي الوقت اللازم لذلك ولكنني أرى أنه من الضروري أن نعطي العيش لخبازه كي يمنحنا التاتش الجمالي الأخير.

هذا التاتش المفتقد هو ما يجعلنا بعد سبع سنوات من العمل المضني في عاصمة مصرنا الجديدة، مازلنا نطلق عليها حتى الآن اسم العاصمة الإدارية، أنفقنا المليارات لكي نتحدى الدنيا ونؤسس بجدارة عاصمة تليق بمصر الحضارة ولكننا عجزنا عن اختيار اسم يليق بها.

أشعر بالخجل عندما تطالعني اللافتات المرورية الزرقاء على الطرق السريعة وهي تشير بأسهمها نحو مكان العاصمة المعجزة وتصفها بالعاصمة الإدارية.

اقترح الناس أسماء لمدن مصرية قديمة يمكن بعثها في عاصمتنا الجديدة مثل طيبة ومنف وغيرهما، ولكننا مازلنا نعاني من الأذن الطرشا وكأنه لا حقوق لنا في هذه البلد لكي نعبر عن أحلامنا التي لا تتناقض مع أحلام دولة ٣٠ يونيه ولكنها تمنحها التاتش الأخير أو لمسة التشطيب الجمالية.

موضوع العملة وموضوع أسماء المدن الجديدة وموضوع أسماء المحاور والكباري ليس بالبساطة التي يمكن لموظف ما أن يستفرد به، ويفرض علينا ذوقه وثقافته، إذا كنا نؤسس للأمة المصرية والجمهورية الجديدة، فمن الواجب التركيز وبكل عمق ووعي على سيادة المصطلح والاسم والصورة، سوف تأتي بعدنا أجيال تسأل عن جدوى الكلفتة، والتشطيب السريع، فلا يجوز إهدار كل الجهود الكبيرة والعملاقة بحق بسبب التعالي على وجدان الناس، أو غرور مسؤول يعتقد أنه الفاهم في كل المجالات.

أعرف أن الاقتصادي المتمكن صاحب قرار تغيير شكل العملة سوف يسحب من تحت بلاطة المكتنزين مليارات المليارات وهذا جيد وهنا تنتهي حدود مسؤوليته ليضطلع فنانو مصر ومبدعيها فرسان القوة الناعمة بمسؤليتهم نحو تصدير الجمال والرسالة السياسية الرشيقة في تصميم العملة ليتجاور في التصميم المسجد مع الكنيسة مع المعبد وفي رحالهم يتجلى البطل الأعظم وهو المواطن المصري.

تعالوا نبني مصرنا بالتفاهم وسيادة الجمال لكي نهزم تراث القبح واحتكار الحقيقة.