الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

"قلب بلاستيك".. ماذا لو أتيح أن تشكل العالم مجددا؟

غلاف الديوان
غلاف الديوان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تُشيِّد الشاعرة فتحية خليل في ديوان شعر العامية "قلب بلاستيك" الصادر لها حديثا، أسطورتها الذاتية والشخصية، مُستبدلة بعض ثوابت القصص الراسخة على المستوى الديني أو الحكاية الشعبية، منحازة بشيء من الجرأة إلى الفعل الإنساني والبشري، حيث تنزع القداسة عن الأشياء، بينما لا تتردد في منحها إلى الذات بصورة واضحة كما في "المجد لي أنا" ومن قبله تستحوذ "الأنا" على الإهداء، ماضية في طريقها لتأليف كتابها المقدس الذي  يبدأ بـ"آيات الوجع". 

تنحاز الشاعرة إلى بنات جنسها، فتؤكد نزوع الرجل إلى الخطيئة بمفرده، دون اتهام الأنثى بتحريضه، وبقدرة الرجل على التلاعب بوعوده، فهو رغم إصراره على التوبة والذهاب لأداء فريضة الحج، فإنه يعاود الظهور لها في صورة إبليس، وتكشفه مجددا.

لما جتني في المنام في هيئة إبليس

مصدقتش

لأنه قايلي ف آخر مسدج

إنه اعتزل

وها يقدم للحج السنة الجاية

وتواصل الشاعرة لعبتها في استكشاف الرجل، فتعيد التفكير في تبادل الأدوار، وتنتظر ردود فعله على أحداث خاصة بالأنثى، ماذا سيكون رد فعله عندما تهاجمه آلام الدورة الشهرية دون مقدمات؟ وهذا هين مقابل أشياء أخرى، فتطرح: ماذا سيفعل عندما يمتلك الجسد شخص آخر بموجب ورقة؟ يشخبط في تفاصيل الحياة، ويتذكر دروس الكراتيه في لحظة من أجل هزيمتك، وفي النهاية يصفك بـ"بضاعة غير مطابقة للمواصفات".

لما تبدأ صفحة في عمرك

مع شخص متعرفوش

اشترى جسمك بورقة

واعتبرك كراسة

قلمه يشخبطها

ومن "الرجل والمرأة" إلى تفاصيل كتابها المقدس، الذي يضم صورة مختلفة عن الملائكة التي شاركت الطفلة في لعب الحجلة، فتظل عالقة في ذاكرتها وتستشهد بها على حقها في جنة أبيها آدم وأمها حواء، وصورة مختلفة أيضا عن السيد والرب الذي يأخذ مظهرا إنسانيًا، فهو يستقبل زائرته وتقل الإمكانيات عن تلبية واجبات الضيافة، عنده بقايا طعام البارحة الذي قدمه للملائكة العائدة بعد يوم من العمل الشاق، فيكون السيد في صورة إنسان فقير لكنه يمتلك قلب أم رحيمه حيث يصنع الطعام في انتظار الملائكة.

في الـ"ترنيمة" تتمنى أن يذهب المسيح إلى السينما، وينسى إنجيله معها، فتعيد تشكيل العالم مجددا، تبني البيوت فوق الماء، وتوزع النور في العيون المظلمة، وتتقرب من أصدقاء تمت فلترتهم، وتبدأ عهدًا خاليًا من التضحيات، فكأنها تجيب عن سؤال: ماذا لو أتيح لك أن تشكل العالم مجددا؟

لو

المسيح نسى إنجيله معايا

هعيد تشكيل العالم

وأجمع الكل في ترنيمة

وتحتاج الشاعرة أن تتجاوز الرغبة في صنع كتابها المقدس وصولا لوضعه بالأساس، فهي ترغب في أن تجعل من فاتحة كتابها "آيات الوجع"، لكنها مازالت رغبة، ربما لو تحققت بالفعل لتَمكن القارئ من الاطلاع على تفاصيل هذه الآيات التي اختصرتها الشاعرة في "آيات الوجع".

تستكمل مؤلفة "قلب بلاستيك" تصوراتها البديلة، فنجدها تساوم آدم على دخول الجنة، وفي الداخل كانت العفاريت تتسابق لترشدها كما السائحة إلى معالم فريدة منها "شجرة آدم" التي أكل منها وأيضا فرصة للتعرف على حواء نفسها.. وتعود لترى الرجل يتحرش بها، فتجره للغواية، ليكررها، ويكتشف فيما بعد أنه فخ منها، فهل يمكن تبرئة زليخة  أمام العزيز من تحرشها بيوسف؟ في محاولة للدفع ببراءة الأنثى مقابل شيطنة الرجل، فالرجل هو الذي يطلب منها التعري وهي تساومه، وهو الذي يتحرش بها فتصنع له فخًا، بينما تطوف حواء وحيدة في الجنة، وتحصل زليخة على براءتها أمام العزيز.

في "ماسك الحواديت" صورة مدهشة لأبطال الحكايات والحواديت الشعبية في ملعب كرة، وعندما حدف الشاطر حسن لعلاء الدين كانت النتيجة انكسار المصباح، لتهرب منه الأشياء المخبوءة، فتهرب كل الأمنيات التي تحلم بها، ليتحول المصباح إلى "صندوق بندورا" كما في الأسطورة الأغريقية، الذي يضم كل الآفات إلى جانب الأمل، وعند فتحه هربت الآفات منه، وهنا هربت الأمنيات من المصباح، لكن القوانين الصارمة لنزول الملعب دائما ما تجعل البشر يقفون على خطوط حياتهم مخافة التجاوز ومخافة أمنا الغولة وأبو رجل مسلوخة في البر الثاني.

النص يتداخل بشكل خفي مع التصورات الدينية لعمر الإنسان، وفكرة البر الثاني بعد تجاوز خط العمر، إلى جانب تشابه حدوتها مع أسطورة آلهة الإغريق عندما أهدى كبير الآلهة الصندوق الغامض لبندورا.

وتمضي في "لما روحك تسكني" وراء أثر الحب والعاطفة، لنجد جرأة سطوتها وثقتها في نفسها جعلتها تحذره من التصدى لها، فسوف تعلن انتصارها عليه، بينما جيوشها تسكن كل خلايا جسده، ومن المدهش أن السيد الذي فشل في مقاومتها، عندما يلمحها وهي ترسم جنتها مع حبيبها يسرع في التخفي،  والتلصص عليها، بينما هي عندما تشعر بالحب تجد نفسها مستقلة المشاعر، وتدفن حزنها، وتتغير خريطة وجهها.

"السيناريو والكادر" من مفردات السينما، ومن الملاحظ  الرغبة دومًا في توسيع الكادر، "الفيرس يصيب الكاميرا فيوسع الكادر من غير حدود" و"الصورة متاخده من غير زووم، والكادر مفتوح ع الآخر"، أما السيناريو فدائما ما يطاله التغيير، إلحاح من النص على ثبات التغيير وليس العكس، حيث يأتي التغيير بعدة طرق أولها التحريض، حيث تحرض الممثل على فرض رأيه وتغيير الحوار بمساومة المخرج.

ادفع من سكات

وساوم المخرج على الجمهور

يا يغير الحوار وتبقى البداية عندك

يا يقفل الشاشة ويكتب النهاية

وربما يحدث التغيير في السيناريو بنوع من الاحتيال يسعى له إحدى شخصيات السيناريو لأغراض ذاتية، فمثلا موسى يدبر خدعة للفرعون مع السحرة لكن تغييره في السيناريو جعل الفيلم يتعطل كثيرا عن الخروج، أما يعقوب فلعب أيضا في القصة وأعطى لنفسه مساحة كبيرة وغير الكثير من الأحداث..

تحاول فتحية خليل في تجربتها الثانية "قلب بلاستيك" تطوير ذاتها وشخصيتها الأدبية، إلى جانب تشكيل حدوتها الخاصة بلعبها المحدود في الميثولوجيا الدينية، لخلق انحياز للفعل البشري، وذلك بعد مجموعتها الشعرية الأولى "معادلات صيني" التي صدرت عن مشروع النشر الإقليمي بالهيئة العامة لقصور الثقافة.