الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

تجديد الخطاب الديني.. توافق الإمام والفيلسوف

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تصريحات شيخ الأزهر وتوافقها مع رؤية رئيس جامعة القاهرة تدعم جهود التحديث الجاد والواجب للخطاب الديني
ضرورةً ملحة للقضاء على التعصب الديني وكراهية الآخر ومواجهة الجماعات المتطرفة



* "الطيب" يطرح القضية مجددا: تقديسِ التراثِ الفقهيِّ يؤدِّي إلى جُمودِ الفقهِ الإسلاميِّ.. وعلة الجمود والعجز عن التجديد مركبة من الكسل والتهور.. وكلاهما يغري الآخر بالصمود في معركة خاسرة

* "الخشت": تجديد التراث الدينى يعنى "تأسيس بناء جديد بمفاهيم حديثة" وليس "ترميم بناء قديم".. وتطوير العقل المصري يستلزم تغيير طريقة التفكير

* الإمام محمد عبده: الشريعة الإسلامية أوسع وأرحم بالناس من الأحكام المأخوذة حصرا من المذهب الحنفي
................
عادت قضية تجديد الدينى لتطرح نفسها من جديد، بعد حديث شيخ الأزهر الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، خلال الحلقة الثامنة عشرة من برنامجه الرمضاني «الإمام الطيب».
ولفتت الحلقة أنظار الكثير بعد أن دخل الإمام الأكبر، في السنوات الأخيرة، في سجالات عديدة، وكان أبرزها السجال الشهير في يناير 2020 مع الدكتور محمد عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة حول قضية تجديد الخطاب الديني، والذي استغله البعض من مثيري الفتن للنيل من القامتين.
ففى الحلقة 18 من البرنامج الرمضانى، اعتبر الدكتور أحمد الطيب، أن "الدعوةَ لتقديسِ التراثِ الفقهيِّ، ومُساواتِه في ذلك بالشريعةِ الإسلاميَّةِ تُؤدِّي إلى جُمودِ الفقهِ الإسلاميِّ المعاصر، كما حدث بالفعلِ في عصرِنا الحديثِ؛ نتيجةَ تمسُّك البعضِ بالتقيُّدِ -الحرفي- بما وَرَدَ من فتاوى أو أحكامٍ فقهيَّةٍ قديمةٍ كانت تُمثِّلُ تجديدًا ومواكبةً لقضاياها في عصرِها الذي قِيلَتْ فيه، لكنَّها لم تَعُدْ تُفيد كثيرًا ولا قليلًا في مُشكلاتِ اليوم، التي لا تُشابِهُ نظيراتِها الماضيةَ، اللهمَّ إلا في مُجرَّدِ الاسمِ أو العنوان".
قضية التجديد الدينى مهمة للغاية وتستحق أن أن نسرد تطوراتها في السنوات الأخيرة، من خلال هذا الرصد الشامل لتشعباتها المتعددة.
ولقد شهدت الفترة الماضية الكثير من النقاشات والمداخلات والحوارات بين المفكرين وعلماء الدين حول تجديد الخطاب الديني، في ظل التغيرات التي يشهدها العالم الإسلامي، وأيضا لمواجهة التطرف والتشدد الديني الذي يدفع ثمنه المسلمون.


دعوات الرئيس للتجديد
دعوات تجديد الخطاب الديني أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسي، في أكثر من مناسبة دينية، حيث دعا الأزهر الشريف والإمام الأكبر إلى تجديد الخطاب الديني، قائلا خلال الاحتفال بليلة القدر في 24 يوليو 2014: "أتحدث إليكم كإنسان مسلم مهموم بدينه ومظاهر الإساءة إليه، مشددًا على ضرورة أن يكون الاحتفال متضمنًا فهمًا حقيقيًا لكتاب الله بما يتناسب مع العصر وليس حفظه فقط."
وتابع: "هناك من يقتلنا وهم للأسف من حفظة القرآن الكريم، الإسلام هو دين الصدق والإتقان والسماحة"، متسائلًا هل لدينا الصدق والاتقان والتسامح.. الخطاب الديني يتطور بالتطور الإنساني مع التسليم بثوابت الدين"، مطالبًا الأزهر بتقديم خطاب ديني سمح وسطي يعبر عن الإسلام والمسلمين.
وفي يناير 2015، خلال الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، حمل الرئيس السيسي، الأزهر الشريف، إمامًا ودعاة، مسئولية تجديد الخطاب الديني والدعوة بالحسنى وتصحيح الأفكار والمفاهيم التي ليست من ثوابت الدين، مطالبًا بثورة دينية لتغيير المفاهيم الخاطئة.
وخلال السنوات الماضية كرر الرئيس السيسي الدعوات إلى تجديد الخطاب الديني، بما يؤكد على أهمية الأزهر الشريف كمؤسسة إسلامية عالمية تشكل النبراس والنموذج الملهم للمسلمين حول العالم في فهم الإسلام الوسطي البعيد عن التشدد والتطرف، وهو ما يؤكد عليه العلماء وخريجو الأزهر الشريف ودارسو العلوم الفقيه والدينية والأزهر الشريف وعلى رأسهم الإمام الأكبر.
وبعد سنوات من دعوات التجديد الديني، قال شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب، خلال الحلقة الثامنة عشرة من برنامجه الرمضاني «الإمام الطيب»، إن علة الجمود والعجز عن التجديد هي علة مركبة من عنصر كسول وعنصر متهور، لافتا إلى أن كلًا من هذين العنصرين المتنافرين يغري الآخر بالصمود في معركة خاسرة، ويمده بأسباب الفشل الدائم، وهو ما يعد مشكلة شديدة التعقيد لا تزال تعمل عملها المشئوم حتى يومنا هذا.


رؤية الإمام محمد عبده
وأضاف الإمام الأكبر: "وأنا شخصيا أشعر بشيء غير قليل من الإحباط كلما فكرت في حل مناسب لمواجهة الجمود في عملية التجديد.. ولا أريد أن أوهم أحدا أنني أعد نفسي واحدا من علماء التجديد أو فرسان الاجتهاد، فأنا ويعلم الله دون ذلك بكثير جدا، ولكنني لا أنكر أنني واحد من هؤلاء الذين أرقهم هذا الجمود منذ زمن طويل بدءا مع التنقلات بين القرى ومدن الصعيد ومدينة القاهرة وبعض المدن الأوروبية والأمريكية والعربية والآسيوية".
وأوضح فضيلته أن قضيةَ "التجديدِ" الفقهيِّ، وبخاصةٍ في مجالِ: الأسرةِ، والمرأةِ، والأحوالِ الشخصيَّةِ، والاقتصادِ، والبنوكِ والربا، بل والقضايا السياسيَّةِ وغيرِها، هي قضية ليست بنتَ اليوم، ولا بنتَ هذا القَرْنِ، والحديثُ في بيانِ ذلك حديثٌ طويلٌ، أقتصرُ فيه على لَفْتِ الأنظارِ إلى أنَّ الكلامَ فيه: حوارًا ومناقشات وتأليفًا ومحاضراتِ عرَفَه الناسُ في مصرَ-هنا- منذ مائةٍ وخمسةٍ وعشرين عامًا على الأقلِّ.
محمد عبده
وأشار شيخ الأزهر إلى أن الإمام محمد عبده توفي في (1905م)، وهو -رحمه الله- لم يَرْحَلْ إلا بعدَ أنْ مَلَأ أسماعَ المسلمين شرقًا وغربًا بأنَّ شريعةَ الإسلامِ أوسعُ وأرحمُ بالناسِ من الأحكامِ الفقهيَّةِ المأخوذةِ حَصْرًا من المذهبِ الحنفيِّ، مذهبِ دولةِ الخلافةِ آنذاك، دُونَ سائرِ المذاهبِ الأخرى.. وكغيرِه من أئمَّةِ الإصلاحِ شغَلَتْه قضايا المرأةِ بأكثرَ ممَّا شغلَتْه القضايا الأخرى، ورُغْمَ ذلك ظلَّ الوضعُ على ما كان عليه قبلَ الإمام وبعدَه: جُمودًا وخوفًا من تحمُّلِ مسئوليَّةِ التغييرِ في أوضاعٍ ارتبطت بالشريعةِ قُرونًا متطاولة.
وتابع فضيلته: ثم جاء أحدُ الأساتذةِ في الأزهر الشريف وكلية الحقوق، وهو الدكتور محمد يوسف موسى، ونشر في مجلة الأزهر في مايو 1953 مقالًا ضافيًا بعنوان: «كفانا تقليدًا في الفقه»، يُنحي فيه باللائمةِ على علماءِ الأزهرِ وزُمَلائِه من أساتذةِ كليَّةِ الحقوقِ، وهم يُردِّدون المقولةَ الشهيرة: «صلاحية الشريعة لكلِّ زمان ومكان»، ويكتفون بمجرد الترديد، ومُداعبةِ الأحلام والأمانيِّ، دون أن يخطو خطوةً واحدةً على طريقِ تحقيقِ هذه المقولةِ، وإنزالها إلى الأرضِ، وتطبيقِها على واقعِ الناسِ وحياتِهم.

سبب الجمود
ولفت فضيلة الإمام الأكبر إلى أن الدكتور محمد يوسف كان يرى أنَّ السببَ الأكبرَ في هذا الجمودِ، والعقبةَ الكبرى التي تقفُ سَدًّا منيعًا في طريقِ التجديدِ هي «عقبةُ التقليدِ الذي ران على القلوبِ والعقولِ منذُ قرونٍ طويلةٍ». وعقبة أخرى خطيرة يُسمِّيها: «الطفرة في الرغبةِ في الاجتهادِ والتجديدِ بفتحِ الأبوابِ لكلِّ مَن هَبَّ ودَبَّ ممَّن ليسوا أهلًا للاجتهادِ»، ممَّن يرَوْنَ أنَّه آنَ الأوانُ لهذا البابِ أن يَنفتحَ على مِصراعَيْه بعدَ طُولِ إغلاقٍ، وأن نجتَهِدَ ونستحدثَ ما يُناسبُ العصرَ الذي نعيشُ فيه.. وخطرُ هؤلاءِ هو أنَّهم يظنُّون أنَّ الأمرَ سهلٌ يسيرٌ، وأنَّه ما عليهم إلا أنْ يُخالفوا فتاوى الأقدَمين من رجالِ الفقه، فإذا هم مجتهدون مُجدِّدون، حتى ولو لم يكونوا على شيءٍ من الدراسةِ والعلمِ الذي لابُدَّ منه لكلِّ مَن يَقتَحِمُ هذا الميدانَ.
وهكذا، بدا واضحا بعد ما قاله العالمان الجليلان "الدكتور الطيب والدكتور الخشت" أنه لا خلاف على أهمية تجديد الخطاب الديني وتنقية التراث لكن نقط الخلاف كانت حول القائمين على ذلك، والذي لا بد أن يكونوا على شيء من الدراسة.
شيخ الأزهر في تأييده لـ"التجديد" وتجاوز "الجمود" يؤكد على دور مؤسسة الأزهر الشريف في قيادة العلماء والأمة الإسلامية في تجديد الخطاب الديني لمواجهة التطرف والغلو والتشدد الذي منيت به الأمة في القرن الأخير، من تفسيرات وتأويلات "خطفت" الدين وجعلته "جماعات" ورقة في صراعها السياسي للوصول إلى السلطة وتقييد العقل الجمعي للأمة الإسلامية.
رؤية الإمام الطيب حول التجديد ليس وليدة اليوم، وهذه اللحظة فعندما كان مفتيا للديار المصرية في عام 2002، قال شيخ الأزهر ردا على سؤال ما هي السبل الآيلة إلى تجديد الخطاب الديني؟
وجاء رده كالآتى: إن تجديد الخطاب الديني أمرٌ تفرضه الظروف والأحداث والمستجدات في شتى مجالات الحياة وتغير العصور والأزمنة، والمراد بتجديد الخطاب الديني: تطوير أساليب الدعوة إلى الله ورسوله بما يتناسب مع العصر الذي نعيش فيه، وفي ضوء الأمر الإلهي الوارد في قوله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: 125]؛ فمن الواجب علينا كمسلمين أن نقدم الصورة الحقيقية للإسلام وتصوراته الصحيحة المأخوذة من الكتاب والسنة وفقًا للفهم الصحيح عن العلاقات الدولية والاجتماعية والسياسية وسائر قضايا الإنسان المعاصر؛ لأن هذه المفاهيم تتغير من عصر لآخر وفقًا لطبيعة التعايش في المجتمع بين المسلمين وغير المسلمين ووفقًا لما يستجد من أحداث في الحياة على مر العصور، كل ذلك وفقًا للفَهم الصحيح للكتاب والسنة، مع ملاحظة أن تجديد الخطاب الديني ليس معناه التعرض لأصول الإسلام وثوابته كالعقائد والأمور المجمع عليها، ولا يعني تجاهلَ آية قرآنية أو حديث نبوي صحيح، وإنما يعني الفَهمَ الصحيح لهذه الآية أو ذلك الحديث بعيدًا عن التشدد والتعصب في الدين؛ لأن الإسلام يدعو إلى كل ما هو حسن، وينهى عن كل ما هو قبيح، ويرفض التشدد والتعصب في غير الحق.

تحقيق "عصر دينى جديد"
كان هناك اختلاف بين شيخ الأزهر والدكتور الخشت رئيس جامعة القاهرة حول رؤية لما يمثل "تجديدا للتراث الإسلامي".
إذ يرى الدكتور الخشت، أستاذ الفلسفة في جامعة القاهرة قبيل ترؤسها، ضرورة تجديد التراث الديني بما يتناسب مع مقتضيات العصر الحديث، وهذا لا يتضمن "ترميم بناء قديم" بل "تأسيس بناء جديد بمفاهيم حديثة" لتحقيق "عصر ديني جديد".
خرج "الخشت" بعدها ليوضح أنه واجه طريقة غير متوقعة في فهم كلامه، وأنه تم قياس كلامه على تيار آخر، وتم تحميل كلامه معاني تيار آخر مضاد للأزهر! وهذا ليس حقيقيًا".
وتابع الدكتور الخشت آنذاك: "أنا عندما أقول، أعني ما أقول وبدقة". مؤكدًا على أن ما يقوله نتاج دراسات علمية قام بها عبر أربعة عقود.
وأكد الخشت، أنّنا بحاجة إلى تغيير الخطاب بشكل عام، الديني والثقافي والسياسي، وإذا قمنا بالحفر الأركيولوجي "المعرفي" لطريقة تفكير المصريين، نجد أنّها ترجع في النهاية إلى طريقة التفكير الدينية التقليدية، لأن العقل في النهاية يحكمه طريقة تفكير وخطوات في الاستدلال.
وأوضح أنّ تطوير العقل المصري يستلزم تطوير طريقة التفكير، وأنّ تغيير طريقة التفكير تستلزم الرجوع إلى طريقة التفكير الدينية، مشيرًا إلى أنّ مشروع تأسيس الخطاب الديني الجديد مرتبط بمشروع آخر لجامعة القاهرة، وهو تطوير العقل المصري وتغيير طرق التفكير، والذي يعد أحد مخرجاته مقرري "التفكير النقدي" و"ريادة الأعمال" التي يدرسها طلاب جامعة القاهرة الآن، بهدف تغيير طرق التفكير وتغيير طرق التعامل مع الواقع.

اتفاق على المبدأ العام
إن اختلاف الرؤى حول "تجديد الخطاب الديني" و"رؤية التراث الإسلامي" ليس معناه أن أحد الجانبين على خطأ والآخر على صواب، ولكن معناه اتفاق على المبدأ العام بأهمية "تجديد الخطاب الديني" ولكن اختلاف حول رؤية التجديد وكيفية التجديد، وهي تشكل بحد ذاتها "اجتهاد" لكلتا القامتين الكبيرتين فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب ورئيس جامعة القاهرة الدكتور محمد عثمان الخشت.
وهناك آراء أخرى تثرى وتوضح أبعاد القضية، ففي سؤال عن تجديد الخطاب الديني، وما مناهجه؟ أجاب عنه الدكتور على جمعة، مفتى مصر السابق بالقول، "لا نفهم من تجديد الخطاب الديني إلا معنى واحدا هو العودة المباشرة للمصادر الأصلية التي ينطلق منها الخطاب الديني؛ وهي: القرآن الكريم، والسنة الصحيحة، وما تعارف عليه أئمة المسلمين وعلماؤهم وأجمعوا عليه".
وأضاف، "هذا يعني أن ينقى الخطاب الديني مما لحقه في الحقب المتأخرة من التأثر بالعادات والتقاليد والابتعاد -قليلًا أو كثيرًا- عن روح النصوص المقدسة ومقاصدها وغاياتها؛ مثل النظرة غير الإسلامية للمرأة، والتي أثقلت كاهل المرأة المسلمة وبخاصة المرأة العربية بشيءٍ غير قليلٍ من القيود والحواجز التي لا نجدها لا في صريح القرآن الكريم ولا في صحيح السنة، بل ربما تتناقض -في صراحة- مع القرآن والسنة".
وأوضح، أيضًا تجديد الخطاب الديني يعني فيما يعنيه تنقيته من التأثر بالثقافات المخالفة، والتي تتعاكس مع ثقافة الإسلام، وبخاصة فيما يتعلق بالإباحية والتفلت وما يُسَرَّبُ تحت مظلة حقوق الإنسان من القول بالشذوذ والإجهاض ونحوها، فكل هذه آفاتٌ ضارةٌ وقاتلةٌ للخطاب الديني الصحيح، وإذا كنا نرفض الخطاب الديني المتشدد والمتشائم والمهول والمتطرف فإننا بنفس القدر نرفض الخطاب الديني اللعوب والمفتوح والمختلط بعناصر شاذةٍ لا يرضى عنها الإسلام من قريب أو بعيد، فكلا هذين الخطابين شاذٌّ ومنحرفٌ ومرفوضٌ وغريبٌ على هذه الأمة الوسط، وغريبٌ على دينها الوسط.
وتابع، الخطاب الصحيح هو الخطاب الذي يُقَوِّمُ الواقع ويضبطه ويصححه على أساسٍ من هذا الدين الذي يرتكز أول ما يرتكز على مقومات الفضيلة والأخلاق واحترام القيم، وليس المقصود من تجديد الخطاب الديني هو مسايرة هذا الخطاب للواقع وتبريره حتى وإن كان هذا الواقع منحرفًا وشاذًّا، فمثل هذه المحاولات هي هدمٌ للخطاب الديني وتقويضٌ له من الجذور وليس من التجديد لا في قليلٍ ولا في كثير.


مناهج الخطاب الديني
وأضاف الدكتور على جمعة، أما مناهج الخطاب الديني الذي نحتاج إليه فهي العودة إلى القرآن الكريم وجعله كتاب هداية، وأن نطّلع على السنن الإلهية التي أرشدنا الله سبحانه وتعالى إليها؛ كسنة التوازن والتعارف والتدافع والتكامل.. إلخ، وأيضًا إدراك المبادئ العامة؛ مثل: أنه "لا تزر وزارة وزر أخرى"، و"القصاص حياة"، و"عفا الله عما سلف"، و"جزاء سيئة سيئة مثلها". ومقاصد الشريعة؛ من حفظ النفس والعقل والدين وكرامة الإنسان والْمِلك. والقواعد الكبرى؛ مثل: "رفع الحرج"، و"المشقة تجلب التيسير"، و"العادة محكَّمة".. إلخ. ويمكن أن نحول القرآن إلى كتاب هداية يبني العقل المسلم ويُرشده بنوره إلى نوال سعادة الدارين: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا﴾ [النساء: 174].
***
 في ظل ما تعانيه الأمة الإسلامية من طغيان للجماعات المتشددة والمتطرفة من قراءة جامدة للدين وتأويلات زمنية، يصبح تجديد الخطاب الديني ضرورةً ملحة؛ لتقضي على كل أشكال التعصب الديني وكراهية الآخر المختلف دينيًا ومذهبيًا وعِرْقيًا.
ويتطلب ذلك من الأزهر الشريف والمؤسسات العلمية في مصر والعالم الإسلامي القيام بدورها على أكمل وجهه لتعزيز هذه الإصلاحات، بما يشكل طريقا لمئات الملايين من المسلمين حول العالم، وحمايتهم من التطرف والغلو، والعمل على فهم الصحيح للدين بما يخدم أوطانهم من تحقيق الازدهار والاستقرار والبناء، بما يشكل سدا منيعا أمام العابثين والمتاجرين بقضايا الأمة الإسلامية.

دعم معتبر
تصريحات وشروحات فضيلة الامام الأكبر الدكتور أحمد الطيب الأخيرة وتوافقها مع ماطرحه الأستاذ الدكتور عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة ستمنح دعما معتبرا لكل الجهود والحوارات الجادة الرامية لتحقيق الطموح المنشود لإنجاز تحديث جاد وواجب للخطاب الديني ليكون قادرا على مواجهة التحديات والمخاطر التي نواجهها وفي مقدمتها التصدي للإرهاب والجمود الذي تعتمده جماعات وقوي تزعم امتلاكها لصحيح الدين وتنشر أفكارها وممارساتها الظلامية المتشددة داخل المجتمعات الإسلامية بل وتصدرها للعالم بأسره.