الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

بعد انتصار الرئيس السيسي لنداءات المواطنين.. «البوابة نيوز» تفتح الباب لحوار مجتمعي حول الشهر العقاري.. قانون «186» يُثير الجدل.. ورسوم وضرائب «تضغط» على سوق العقارات

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أثارت التعديلات على قانون الشهر العقاري، الخاصة بتسجيل العقارات بشكل رسمي حالة من الجدل الكبير على مواقع التواصل الاجتماعي بين المواطنين خلال الفترة الأخيرة، ليخرج الرئيس عبد الفتاح السيسي منصفًا لهم، بقرار تأجيل تطبيق القانون رقم 186 لسنة 2020، لفترة انتقالية لا تقل عن عامين حتى 30 يونيو 2023، بهدف إتاحة الفرصة والوقت لإجراء حوار مجتمعي، مع إعداد الحكومة مشروع قانون لتفعيل ذلك التأجيل. كما وجه الرئيس السيسي، بأن يتم خلال تلك الفترة الانتقالية تحصيل قيمة ثابتة مقطوعة مخفضة وواضحة عند تسجيل الأملاك، حسب مساحة ونوع الملكية، وذلك بدلًا من الضريبة المفروضة في هذا الصدد على التصرفات العقارية.


كان التعديل يتضمن دفع ملاك العقارات نسبة ٢.٥٪ من قيمة العقار لـ ٥ جهات مختلفة وهي: "رسوم التسجيل في الشهر العقاري- رسم نقابة المحامين- رسم ضريبة تصرفات- رسم المساحة- رسم دعوى صحة ونفاذ ورسم الأمانة القضائية"، ومن ثم السماح بدخول المرافق من "ماء وكهرباء وغاز" إليها، الأمر الذي اعترض عليه كثير من المواطنين، بسبب القيمة المادية المفروضة على ملاك العقارات الذين لم يقوموا بتسجيلها في الشهر العقاري.

وتبدأ رسوم تسجيل الوحدات السكنية بالشهر العقاري من ٥٠٠ جنيه، وحتى ٢٠٠٠ جنيه، وهي أقصى قيمة للمساحات التي تزيد على ٣٠٠ متر، وتم إضافة مادة جديدة رقم "٣٥" مكرر إلى قانون الشهر العقاري رقم "١١٤" لسنة ١٩٤٦، بهدف حصر الثروة العقارية وعمل هوية لكل عقار، وتأمين ملكية المواطنين وتعظيم الاستفادة منها، وضبط وتأمين وتنشيط السوق العقاري، فضلًا عن القضاء على البناء غير المرخص والعشوائيات، وتبسيط إجراءات التسجيل واختصار دورتها لحث المواطنين على إثبات ملكياتهم العقارية بعد أن تم حسمها قضاء؛ حلًا لمشكلة إعادة بحث تسلسل ملكية العقار أمام مصلحة الشهر العقاري بعد الفصل في تلك المسألة بموجب أحكام قضائية نهائية.


كيفية تسجيل العقارات بعد إرجاء التعديلات

برغم قرار الرئيس السيسي بتأجيل تطبيق قانون الشهر العقاري حتى عام ٢٠٢٣، لحين تعديله مرة أخرى، إلا أن هناك رسوما قديمة كان يفرضها القانون ضمن خطوات تسجيل العقارات والشقق في مصلحة الشهر العقاري، وهي ضريبة "التصرفات العقارية" بنسبة ٢.٥٪ من قيمة الشقة المدونة في العقد الابتدائي، يتم تحصيلها من البائع وليس المشتري، والتي تسدد في مصلحة الضرائب، ليكون إنهاء إجراءات تسجيل الوحدات السكنية في مصلحة الشهر العقاري، وفقًا لما أوضحه المستشار عمر مروان وزير العدل.

 

وأوضح المستشار عمر مروان، أن وزارة المالية لن تطلب نسبة الـ٢.٥٪ على عقود البيع القديمة، والتي ستحددها وفق تاريخ معين، لكن جرى الاكتفاء بمبلغ مقطوع مخفض جدًا، قائلًا: "سيتم تجميع كل عقود البيع القديمة بعدها يتم تخصيص مبلغ صغير مقطوع كضريبة، وسيكون هذا المبلغ مخفضًا وميسرًا وفي مقدور أي مواطن عادي، وذلك لحل أزمة عقود البيع القديمة"، وأن نقل الخدمات والمرافق للعقارات بأسماء أصحابها سيبقى متاحًا في هذه الفترة دون تغيير، لأن هذه الفترة انتقالية.

 

كما أكد جمال ياقوت، رئيس مصلحة الشهر العقاري، على تيسير إجراءات التسجيل على المواطنين، باعتباره يحقق فائدة للمواطن، مشيرًا إلى أن البيع بعقد عرفي لن يعتد به، وبالتالي فإن التسجيل يحمي العقار من أي اعتداءات، كما يمكن استثمار هذا العقار وزيادة ثروته، وذلك من خلال الحصول على قرض لعمل مشروع أو تسهيل انتمائي، وفي حالة رغبة المواطن بتسجيل شقته يكون أمامه خطوتان، الأولى أن يحضر إلى مقر الشهر العقاري التابع له مع البائع ويتخذ إجراءات التسجيل مباشرةً، وسداد الرسوم المستحقة، وفى حالة عدم حضور البائع يقوم برفع دعوى صحة ونفاذ بالمحاكم، وبعد الحصول على حكم نهائي عليه التوجه للشهر العقاري لتسجيل العقار.

 

وأوضح ياقوت، أنه بشأن التسجيل الرضائي يشترط أن يكون هناك تسلسل ملكية مسجلة لدى الشهر العقاري لهذا العقار أو لهذه الشقة، ولا يعترف بالعقود العرفية أو صحة التوقيع، وممنوع قانونيًا إجراء أي تصرف بشأن العقار إلا إذا كان مُسجلا، مؤكدًا أن رسوم التسجيل لاتتعدى ٢٠٠٠ جنيه حسب مساحة كل شقة.


خبراء القانون

بدوره، يوضح الدكتور أحمد مهران، مدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، أن التعديلات التي أجريت على قانون الشهر العقاري بخصوص تسجيل العقارات تحمل المواطن أعباء مالية متعلقة بإجراء عملية التسجيل، وصعوبة تنفيذ ذلك الأمر على أرض الواقع، نظرًا لأن معظم الملكية العقارية في مصر غير مسجلة، لأن تسجيل ملكية العقار لشخص ما يتطلب أن يكون العقار نفسه مُسجلا من قبل في الشهر العقاري، فإذا كان غير مسجل فإنه على الشخص الملزم بالتسجيل لا يسجل ملكيته فقط، بل سيكون مُلزم بتسجيل العقار من الأساس، وتسجيل تسلسل الملكية ثم تسجيل ملكيته للعقار، مما يستغرق وقتا ومجهودا ضخما وتكلفة باهظة أيضًا التي ستهلك المواطن.

 ويستكمل مهران، في تصريح لـ"البوابة"، أن عدم وضوح الفلسفة التشريعية والغرض منها ومن صياغة القانون وتبديد آلية تنفيذه كان سبب اللغط والقلق والبلبلة التي أُثيرت في الآونة الأخيرة، لأن التعديلات التشريعية قد تكون بابا لتطوير الفقه أو الفكر العقاري في مصر، ولكنه يشكل صعوبة قصوى جدًا على المواطن في التنفيذ.

 وأشار إلى أن الرئيس السيسي أرجأ تنفيذ القانون لعام ٢٠٢٣، بعد صعوبة تنفيذه والرفض الشعبي والمجتمعي له، وحالة من الغضب في الشارع المصري التي أدت إلى إجراء تعديلات جديدة على القانون بنهاية العام، بالصورة التي تتناسب مع الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للمواطني وطبيعة الحياة العقارية في مصر، والتي تحتاج إلى تفعيل ما يعرف بـ"السجل العيني" الذي يفترض فيه وجود سجل عام مُسجل فيه كافة العقارات الموجودة في مصر، كما يسجل الأشخاص أنفسهم في "السجل المدني"، وبناءً عليه تم إرجاء القانون لحين تعديله بالصورة التي تكشف عن آلية تنفيذه وتحقق الغرض من إنشاء أو إصدار هذا القانون. 

وكشف "مهران" عن أن فرض رسوم بنسبة ٢.٥٪ على تسجيل العقارات ليس بأمر جديد، ولكن كانت هذه الرسوم تُفرض على من يريد تسجيل العقار بحرية مطلقة، دون فرض أو إلزامه بالتسجيل، وكانت تتم هذه العملية في حالة كون العقار مُسجلا من الأساس منذ نشأته في الشهر العقاري، ثم جار عليه تتابع في الملكية حتى الوقت الراهن.

 وأوضح أنه في حالة تسجيل أي عقار يتم فحص تسلسل الملكية له، ويتم إخراج كافة العقود المُسجلة سابقًا مما يقتضي أن يكون العقار مُسجلا منذ نشأته، ولكن في حالة عدم تسجيله يتطلب من المالك الذي يريد التسجيل أن يقوم بتسجيل تسلسل ملكية العقار، فكان يتم البيع والشراء للعقارات بالعقود الابتدائية، ولذلك رأت الحكومة ضرورة تعديل القانون مرة أخرى، لأنه في حالة عدم التسجيل سيتم إيقاف المرافق الأساسية "المياه والكهرباء والغاز" لحين التسجيل، كما أن إجراءات التسجيل قد تحتاج إلى ٣ سنوات أو أكثر، لأنه يتم التسجيل من شخص لآخر، وللوصول إلى تسلسل ملكية العقار من الأساس أمر يستغرق عشرات السنين، متسائلًا: "هل سيتم إيقاف المرافق طول هذه السنوات لحين تسجيل العقار؟"، فهذا أمر غير مقبول لدى المواطنين. 

ويؤكد، أن الحكومة ستجري تعديل على القانون بصورة تسمح فيها بتسجيل كافة العقارات عن طريق ما يعرف بـ"السجل العيني" وتجمع الدولة بيانات عن العقارات في مصر والرسومات والخرائط الهندسية من جانب، ثم تسمح للمواطنين بالتسجيل بإجراءات تتناسب معهم على أرض الواقع، وسيكون هذا الأمر سهلا على المواطنين والدولة أيضًا في حصر العقارات.


أزمة للمواطنين

كما يرى الدكتور وائل نجم، خبير قانوني، وسكرتير مفوضية الأمم المتحدة للإعلام، أن تعديل القانون في الفقرة الثالثة تحديدًا يشكل أزمة للمواطنين، لإن إخطار شركات المرافق الأساسية، وهي "الكهرباء- الغاز- المياه" بعدم توصيل خدماتهم للعقارات إلا بوجود عقد مسجل للعقار أزمة حقيقية، حيث يوجد ٩٠٪ من العقارات في مصر غير مسجلة، وبالتالي فإن هذا الأمر يخاطب جموع الشعب المصري، وليس نسبة الـ ١٠٪ وهم من الفئة التي ستسجل عقارات جديدة تحت الإنشاء.

 وأوضح أنه عندما يذهب طرفان "بائع ومشتري" لتسجيل ملكية عقار يتم طلب رسوم منهم تبدأ من ٥٠٠ جنيه وتصل لـ ٢٠٠٠ جنيه، ويتم دفعها لحين فحص أصل العقار كونه مسجلا سابقًا في الشهر العقاري أم لا، وفي حالة وجوده مسجلا يتم استكمال الإجراءات اللازمة، ولكن في حالة عدم وجود تسجيل له من الأساس يقوم صاحب العقار بتسجيل تسلسل ملكيته "تسجيل رجائي أو قضائي"، وذلك في ظل كون العقارات في مصر غير مسجلة بنسبة ٩٠٪.

 ويؤكد نجم، في تصريح لـ"البوابة"، أن الحل يكمن في ضرورة إلغاء قانون الشهر العقاري لسنة ١٩٤٦، وكافة القوانين المرتبطة بتسجيل العقارات، وإلغاء قرار "السجل العيني" وما يرتبط به، والاستعانة بالقوانين الموجودة ويتم العمل بها في دولة مثل "الإمارات أو إنجلترا أو فرنسا" وغيرها، حيث قاموا بتسجيل العقارات الموجودة في بلادهم بطريقة سهلة، فلا بد على المشرع المصري وهو "مجلس النواب" وضع مشروع قانون جديد يضم كافة الأمور الخاصة بالشهر العقاري والتوثيق للعقارات في جهة مستقلة بعيدًا عن جهة الشهر العقاري، وأن يتوجه إليها "البائع والمشتري" مباشرةً بدلًا من التوجه إلى أكثر من جهة لتسجيل عقار وإنهاء الإجراءات بحد أقصى أسبوعين أو شهر يقوم من خلاله بإنهاء كافة الإجراءات اللازمة لتسجيل العقار. ويتابع، أنه لتسجيل هذه العقارات من قبل الدولة، فمن الممكن عمل محكمة متخصصة في العقارات باسم محكمة الشهر العقاري، على غرار محكمة الأسرة ومحكمة الأمور المستعجلة والمحكمة التجارية والمحكمة الاقتصادية، لافتًا إلى أن أزمة الرسوم المقررة وفقًا للتعديلات على قانون الشهر العقاري قد لا تشكل أزمة لبعض الفئات، ولكن قد تكون المشكلة الحقيقية في صعوبة الإجراءات المفترض عملها لتسجيل العقارات من خلال الذهاب للشهر العقاري وإلى نقابة المحامين وسداد الرسوم ٢.٥٪.


الشباك الواحد

ويقول سامي إمام، رئيس مصلحة الشهر العقاري الأسبق، إن توجيه الرئيس السيسي بتأجيل تطبيق تعديلات قانون الشهر العقاري لعام ٢٠٢٣ أمر جيد جدًا، حيث إن هذا القانون رقم "١١٤" منذ عام ١٩٤٦ وتعديلاته، يحتاج إلى فحص شديد لتصفيته، وخلال العامين المقبلين سيتم الحوار المجتمعي وتقديم كافة الأفكار والمقترحات الخاصة بتعديل القانون، وذلك بين عدد من الخبراء والمتخصصين، وذلك من أجل الخروج بمنظومة متكاملة لصالح المواطن والدولة أيضًا، فإن إشهار العقد الخاص بالعقار الذي يمتلكه المواطن سيحقق استقرار، وسيحد من المنازعات المدنية والجنائية المتعلقة بالعقار، لأن الملكية متباعدة، ولا تنقل الملكية سوى بالتسجيل.

 

ويستكمل إمام، في تصريح لـ"البوابة"، أن التسجيل سيحتاج إلى سداد الرسوم والفصل ما بين تاريخ التصرفات العقارية وعملية التسجيل نفسها أو أي رسوم أخرى غير متعلقة بعملية تسجيل العقار، ما يحقق ارتياح لدى المواطنين والإقبال على تقديم طلبات للشهر العقاري أو السجل العيني لتسجيل العقار، وسيكون الأمر بمثابة فرصة للمزيد من التعديلات على القانون التي من شأنها التوفير على المواطنين في إجراءات عديدة والمزيد من الوقت لإنهائها، فإن عملية ترغيب المواطنين وتحفيزهم على التسجيل في الشهر العقاري ضروري، وخلال الحوار المجتمعي الذي سيتم إجراؤه لتعديل القانون سيحرص على تشجيع المواطنين لعملية التسجيل، والخروج بقانون يواكب العصر والظروف الاقتصادية، لافتًا إلى أنه يدر دخلا كبيرا جدًا للدولة، ويوثق ويسجل العقارات في مصر، فهي وجهان لعملة واحدة، وجه للمواطن وآخر للدولة.

 

ويؤكد، أن هناك فرقا بين "الرسم" و"الضريبة"، فإن رسم الشهر العقاري متدرج ابتداءً من ٥٠٠ جنيه وحتى ٢٠٠٠ جنيه بناءً على المساحة، فهو لقاء خدمة تقدمها مصلحة الشهر العقاري للمواطنين، على غرار خدمات الأحوال المدنية "استخراج شهادات ميلاد" وغيرها، أما فيما يخص الضريبة فإنه يتم فرضها على الدخل، والتي تباشر العمل فيها الضرائب العامة للدولة، والتي سيتم فصلها عن إجراءات التسجيل في الشهر العقاري، حيث بعد التسجيل تطالب الضرائب العامة بالضريبة، ففي حالة وجود عقار يصل ثمنه لـ ١٠٠ ألف جنيه وقام صاحبه ببيعه بمبلغ ١٥٠ ألف جنيه، فإنه حقق ربح يتم سداد ضريبة عليه للدولة، مثلها مثل أي ضريبة على الدخل، فضلًا عن التأكيد على تيسير الإجراءات على المواطنين أثناء عملية التسجيل، وتحفيزه على هذا الأمر، من خلال إمكانية تخفيض الرسوم للذين يسارعون على تسجيل عقاراتهم.

 

ويضيف، أنه تم تشكيل لجنة تضم مجموعة من المتخصصين من مصلحة الشهر العقاري لبحث رؤيتهم حيال تسهيل الإجراءات على المواطنين بصفة مبدئية، ثم بحث الأمور المعقدة وتقديم مقترحات وأفكار ثم الخروج بقرار نهائي، يتم مناقشته مع المتخصصين من خارج مصلحة الشهر العقاري وأصحاب الخبرات المتراكمة في مجال العقارات والقانون، للوصول إلى قانون سليم وصالح لكل الفئات من المجتمع.

 

واقترح "إمام" أن يتم ضم الجهات التي يتعامل معها المواطن خلال عملية تسجيل العقارات مثل المساحة والضرائب العقارية وأملاك الدولة، فإن المواطن يقدم طلب تسجيل لدى مصلحة الشهر العقاري، ثم يتوجه إلى المساحة لتحديد مساحة لمعاينة العقار، والذي يستغرق وقتا طويلا جدًا، ثم يذهب إلى الضرائب العقارية لاستخراج كشف رسمي الأمر الذي يستغرق وقتا طويلا أيضًا، فمن الممكن ميكنة كافة هذه الإجراءات وتحقيق الربط الإلكتروني، وأن تكون داخل المصلحة تيسيرًا على المتعاملين وأن يتم التعامل من خلال "شباك واحد"، فهذه مشكلة قديمة منذ زمن طويل تحتاج إلى حل.


حوار مجتمعي

يرى الدكتور وليد جاب الله، الخبير الاقتصادي، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع، إن التعديلات التي أجريت على قانون الشهر العقاري أثارت حالة من القلق والبلبلة خلال الفترة الماضية، فإن ما تم تعديله هي مادة واحدة فقط، وهي المادة رقم "٣٥" مكرر، والتي يمكن أن يتم تقسيمها إلى شقين، فإن الشق الأول هو تسهيل إجراءات إشهار الحكم الصادر بدعوى صحة ونفاذ وإثبات العقود، أما الشق الثاني هو عدم جواز إدخال المرافق الأساسية أو إخراج تراخيصها ونقل ملكيتها أو التعامل مع كافة الجهات الحكومية إلا بعد شهر من العقد، وأن هذا الأمر هو تيسير بسيط وغير مؤثر بصورة حقيقية في الصعوبات التي تواجه عملية "الشهر العقاري"، وفي المقابل فإن شرط إدخال المرافق يجعل من عملية الإشهار عملية حتمية، وهذا الأمر أثار جدلا متعلقا بالرسوم الواجب سدادها.

 

ويواصل جاب الله، في تصريح لـ"البوابة"، أن عملية الإشهار تواجهها عقبات، فإن العقبة الأولى هي تتعلق بالإجراءات وما تم من تيسيره، وهو تيسير طفيف غير مؤثر ولا يتطلب عملية صعوبة الإجراءات القائمة، أما العقبة الثانية هي تتعلق بالرسوم، والتعديل لم يقرر زيادة في أي رسم أو ضريبة، وإن كان الدفع نحو تسجيل كافة العقود سيرتب أعباء ناتجة على حتمية سداد رسوم لم يكن يتم سدادها لعدم الحاجة إلى إجراء الإشهار ذاته، مضيفًا أن الرسوم يمكن تقسيمها إلى قسمين، والقسم الأول هو ضريبة التصرفات العقارية ورسوم دعوى صحة التوقيع وهي رسوم مستقرة ويتم سدادها حاليًا، وقد امتصتها سوق التصرفات العقارية دون اعتراض، أما القسم الثاني هو ما أثار الجدل باعتبار أن إضافته إلى ضريبة التصرفات العقارية نتج عنه تكلفة لم يتحملها أو يستطيع السوق امتصاصها، وهذه الرسوم متعلقة بمصروفات الشهر العقاري ورسوم كشف التحديد المساحي والرسوم الهندسية ورسوم نقابة المحامين وغيرها من الرسوم، وهي لم يكن يسددها في السابق المواطنين سوى ١٠٪ من الحالات التي كانت تلجأ إلى طريق "الإشهار أو التسجيل الكامل".

 

ويشير إلى أنه بعد ظهور هذه العقبات استجاب الرئيس السيسي وكذلك الحكومة للمواطنين وتفاعلت مع "نبض الشارع المصري" لإيقاف تنفيذ القانون لعام ٢٠٢٣ من أجل المزيد من الدراسة والحوار المجتمعي، للوصول إلى الطريقة المناسبة بما يحقق المصلحة العامة.

 

وطالب بتوفير إجراءات حقيقية وبدائل تقوم بتسهيل الإجراءات من خلال "شباك واحد"، وعملية ميكنة وربط بين الجهات الخاصة بالتسجيل، وفيما يخص جانب الرسوم، فإن الرسوم التي لم يكن يتم تحصيلها سوى لـ ١٠٪ من حالات البيع، يمكن التعامل معها بالتخفيض أو الإلغاء دون أن تتأثر ميزانية الدولة، بينما ما تم الاستقرار عليه بشأن ضريبة "التصرفات العقارية"، متصورًا أن الإخلال بها سيكون له تأثير على حجم الإيرادات الضريبية، مما سيدفع بأن يتحول عبء تلك الضريبة في صورة ارتفاع في ضرائب أخرى، فإن الموازنة العامة للدولة كي تعوض هذا العجز فإنها ستبحث عن بدائل أخرى، ولعل التأجيل لتطبيق تعديلات القانون سيفتح أفق لمزيد من الحوار المجتمعي الشفاف، الذي يحقق أقرب طريقة لتقريب وجهات النظر والوصول إلى المصلحة العامة.


تخفيض الرسوم

كما يوضح الدكتور على الإدريسي، الخبير الاقتصادي، أن أكثر من ٨٥٪ من العقارات في مصر غير مسجلة، وهي نسبة ليست بقليلة، فقد تصل لأكثر من ٤٠ مليون وحدة سكنية، وهذا أمر غير صحي وغير موجود في أي دولة من دول العالم، ومن حق الدولة أن تحث المواطنين عن طريق القوانين والتشريعات على عمليات التسجيل، ولكن من حق المواطن أيضًا أن تكون الرسوم الخاصة بالتسجيل معقولة ومقبولة غير مبالغ فيها، وأن تكون الإجراءات اللازمة لعمليات التسجيل مبسطة وغير معقدة بكونها متعددة الجهات، التي جعلت المواطن يستشعر أنه سيكون هناك إجراءات عديدة في جهات رسمية متفرقة، وبالتالي لا بد من التقليل بشكل كبير جدًا من تعدد الجهات والإجراءات والمستندات اللازمة لعمليات التسجيل، بجانب تخفيض الرسوم الخاصة بهذه العمليات.

 

ويضيف الإدريسي، في تصريح لـ"البوابة"، أنه لتسجيل شقة ما يتم سداد رسوم تصل لنسبة ١٠٪ من ثمنها، ما بين رسوم ٢.٥٪ للتسجيل و١٪ نقابة المحامين، وهذا أمر صعب جدًا، وكانت هناك أزمة أيضًا في عمليات "الوراثة" فإنه في حالة حصول مواطن على ورث "شقة أو أرض" فعند تسجيله باسمه يدفع رسوم للتسجيل، وهو لا يقوم بعملية بيع أو شراء بل إنها ورث ملكه، مشيرًا إلى أن تدخل الرئيس السيسي لتأجيل تطبيق القانون المعدل كان مهما جدًا، لأنه كان هناك حالة احتقان في الشارع المصري بسبب القانون والأمور الخاصة بالرسوم والإجراءات التي كان يُلزم بها هذا القانون، ففي خلال العامين المقبلين لا بد من تعديل الإجراءات وتخفيض الرسوم اللازمة لعمليات التسجيل، كي تكون حافزا للمواطنين للإقبال على التسجيل، بجانب تحقيق الدولة العائد من هذه العمليات ويكون الوضع العقاري قانونيا.

 

ويؤكد، أن القطاع العقاري أصيب بحالة من الركود الشديد جراء استمرار هذه الإجراءات، وبالتالي لا بد في الوقت الراهن من مجلس النواب أو الحكومة الإعلان عن عزمهم لتبسيط الإجراءات، مما سيساهم في انتعاش القطاع مرة أخرى، بما يحقق استفادة للاقتصاد والدولة والمواطن أيضًا، مشددًا على ضرورة أن يكون وضع القانون ملامسا لأرض الواقع، مما تطلب إعادة النظر مرة أخرى.