الخميس 09 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

القاعدة في مصر ..مؤشرات خطيرة ودلالات مهمة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أعلن وزير الداخلية المصري محمد إبراهيم، السبت 11-5-2013، في مؤتمر صحفي، عن ضبط خلية إرهابية مكونة من 3 أشخاص، كانت تستهدف القيام بعمليات تفجير ضد سفارتي أمريكا وفرنسا.
وكان عددا من أجهزة الاستخبارات الدولية، خاصة أمريكا وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل، قد حذرت مصر منذ شهر تقريبا، عبر مخاطبات رسمية وصلت لجهاز الأمن الوطني، من تنامي وجود تنظيم القاعدة، في عدد من المدن المصرية الكبرى كالقاهرة والإسكندرية، بعدما كانت كافة التحذيرات تشير فقط الى منطقة سيناء.
وقد مثلت أحداث ما أطلق عليه “,”الربيع العربي“,”، وما تبعها من انفلات أمني في أغلب تلك الدول، فرصة ذهبية استغلها تنظيم القاعدة للتمدد داخل عدد من الدول، في مقدمتها مصر وليبيا.
ولتنظيم القاعدة تواجد قوي في ليبيا،عبر ثلاثة معسكرات على الحدود مع مصر، يقود إحداها المصري ثروت صلاح شحاته (51 عام)، وهو واحد من أهم كوادر تنظيم الجهاد المصري، وكان عضواً في مجلس شوراه، قبل أن يتحالف تنظيم الجهاد الأخير مع تنظيم القاعدة عام 1998 ويشكلان معا الجبهة العالمية لقتال اليهود والأمريكان.
وقضى ثروت ثلاث سنوات في السجن في (قضية الجهاد الكبرى)، وصدر عليه حكمان غيابيان بالإعدام من محاكم عسكرية، الحكم الأول في قضية محاولة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق عاطف صدقي عام 1994، والثاني في قضية 'العائدون من ألبانيا' عام 1999، ووصل شحاته إلى ليبيا في أكتوبر 2012 بعد انتهاء العقوبة التى صدرت بحقه فى تركيا، بتهمة دخول الأراضى التركية بدون الحصول على تأشيرة قادمًا من إيران التى أمضى فيها عدة سنوات بعد سقوط حكم حركة “,”طالبان“,” فى أفغانستان، وكانت السلطات المصرية قد سمحت لأسرته بدخول مصر في أغسطس 2011، عندما عادت السيدة نجوى موسى عبدالمقصود سلطان وأبناؤها عن طريق تركيا قادمين من إيران.
ويمتلك التنظيم في ليبيا معسكرات تدريبية ومليشيات مسلحة بأسلحة حديثة تم الحصول عليها من مخازن سلاح القذافي بعد سقوطه، ويرتبط التنظيم في ليبيا بنظيره في مصر والذي يقوده محمد الظواهري ويتعاونان في نقل الأسلحة والذخائر عبر الحدود المصرية الليبية، وصولًا إلى قطاع غزة والجماعات المرتبطة بالتنظيم هناك كالجيش الإسلامي بقيادة ممتاز دغمش، فالحدود الليبية المصرية تعتبر ممرًا رئيسيًا للأسلحة والذخائر ولا توجد بها معسكرات تابعة لتنظيم القاعدة فقط ، ولكن أيضا رصدت المخابرات العامة المصرية معسكرات تابعة لحماس مقامة هناك يتم فيها تدريب شباب الإخوان على العمليات العسكرية واستخدام السلاح، وهو ما أكده لنا القيادي الجهادي ومؤسس التنظيم في ثمانينات القرن الماضي المصري “,” “,”نبيل نعيم“,” في محضر نقاش أجريناه معه في المركز.
على صعيد آخر، وعلى الحدود الشرقية لمصر، توجد معسكرات للقاعدة في سيناء تديرها عناصر من المحسوبين على السلفية الجهادية سابقا، قبل الظهور الرسمي للتنظيم في هذه المنطقة، بالإضافة لمعسكرات التكفيريين، وتتعاون الجماعات الموجودة في مصر مع الجماعات القاعدية الموجودة على الجانب الآخر من الحدود داخل غزة مثل (الجيش الإسلامي- جند الإسلام – الأنصار – مجلس شورى المجاهدين “,” وهو تنظيم يحاكي تنظيم القاعدة وموجود على جانبي الحدود“,” ).
الخلية المقبوض عليها أخيرًا مرتبطة بخلية مدينة نصر، حسبما أعلن وزير الداخلية في المؤتمر الصحفي اليوم، الذي كشف أن المتهمين الثلاثة قد تواصلوا مع الكُردى داوود الأسدى مسئول تنظيم القاعدة بغرب آسيا ، الذي كلف أحدهم بالتواصل مع (محمد جمال عبده الحارس الشخصي لبن لادن ، وطارق طه أبو العزم ضابط سلاح المشاة المصري الذي شارك في تفجير السفارة الأمريكية في ليبيا)، والمحبوسين على ذمة قضية خلية مدينة نصر .
محمد جمال عبده، الحارس الخاص السابق ل“,” أسامة بن لادن “,”، ألقي القبض عليه ديسمبر 2012 أثناء اختبائه بمركز منيا القمح بمحافظة الشرقية. أما طارق أبو العزم فهو ضابط سابق في الجيش سبق سجنه بتهمة الانضمام إلى تنظيم «جند الله“,” ، وقبض عليه في أكتوبر 2012 بتهمة قيادة تنظيم خلية مدينة نصر ، وكان أبو العزم قد زامل كريم بديوي -المتهم الرئيسي والذي لقي حتفه أثناء مداهمة المنزل في مدينة نصر- في سجن استقبال طرة، حيث كانا يقضيان عقوبة السجن بتهمة الانتماء إلى “,”تنظيم جند الله“,”.
كما ضمت الخلية عضوا تونسي الجنسية يدعى “,”علي محمد سعيد الميرغني“,”، يعمل فني ماكينات طباعة، وبدأت علاقته ببقية المتهمين عبر الانترنت عندما قرر السفر إلى سوريا، و قال في التحقيقات إنه ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين فى تونس، واعترف بإجادته صنع قنابل وتفجيرها عن بعد. وقال إنه حصل على دورات تدريبية فى هذا المجال فى هولندا، لكنه نفى تخطيطه لارتكاب أى أعمال إرهابية فى مصر .
ضمت الخلية أيضًا الضابط المستقيل حديثاً من الجيش رامي السيد الملاح والذي ذكر في التحقيقات أنه تقدم باستقالته من الجيش حتى يتمكن من نصرة المستضعفين في سوريا، وأصر على عدم وجود صلة له من قريب او بعيد بهذه التنظيمات .
بعد ضبط الخلية بأيام، تم القبض على هانى محمد حسن منونة راشد، فى أحد الأكمنة بمحافظة مطروح. وأفادت التحريات بأنه كان حلقة الوصل بين المتهمين فى القاهرة وآخرين فى مطروح، وهو مسؤول عملية نقل السلاح من مطروح إلى القاهرة وشمال سيناء. كما نسبت له تحريات الأمن العام والوطنى ضلوعه في أحداث إرهابية فى العريش.
والقبض على هذه الخلية وقبلها خلية مدينة نصر يعطي دلالات هامة حول تواجد تنظيم القاعدة وانتشار فكره في مصر بعد وصول الإسلاميين للحكم يونيو الماضي، وخلال السنتين الأخيرتين كانت هناك العديد من المؤشرات التي تؤكد تنامي نشاط القاعدة في مصر .

· تحذيرات دولية من خطر القاعدة في مصر:
حذرت عدد من أجهزة الإستخبارات الدولية، في مقدمتها أمريكا وانجلترا وفرنسا وإسرائيل، من خطر انتشار تنظيم القاعدة في مصر، خاصة بعد الثورة ووصول الإسلام السياسي للحكم، كما رصدت العديد من الدراسات في بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وإسرائيل التحولات المتسارعة في خريطة الإسلام السياسي في مصر وخاصة فيما يتعلق بتنامي وتيرة وحدة صعود تنظيم القاعدة في مصر بوجه عام، وتحديداً في سيناء وعلى الحدود مع ليبيا التي تشهد تكثيفاً لوجود القاعدة هناك. وما يشاع عن مواءمات وتقاربات وصفقات بين الإخوان المسلمين والرئيس مرسي وبين تلك الجماعات الجهادية، وهو ما ظهر مؤشره بقيام الرئيس مرسي بالإفراج عن العديد من العناصر الجهادية الخطرة يقرب عددهم من 300 سجين منهم من هم على ذمة قضايا خطيرة، مثل عبد الحميد أبو عقرب، والجهادي محمد جمال الكاشف الشهير بأبوأحمد ( وهو محمد جمال عبده الذي ذكره بيان وزير الداخلية) .
فقد حذرت صحيفة «دي فيلت» الألمانية واسعة الانتشار، وتحديداً في أبريل 2013، من أن تنظيم القاعدة يسعى بقوة لتحويل مصر إلى إمارة اسلامية وقاعدة جديدة ينقل ميليشياته إليها، وذلك من خلال علاقته القوية مع الجماعات الجهادية الموجودة بالداخل . يأتي ذلك في إطار وجود مصر على قمة أولويات القاعدة الآن بجانب سوريا، لتحويلهما إلى قواعد لنقل الجهاديين إليهما، ويقوم زعيم القاعدة المصري الأصل الدكتور أيمن الظواهري، بالاتصال ببعض الشخصيات الموالية للقاعدة دخل مصر وأهمها جمال الكاشف والشيخ عادل شحاتة، لترتيب نقل التنظيم إليها، ودعا إلى ضرب الجيش المصري لأن هذا سيسهل عملية إسقاط النظام .
كما أن العديد من الخلايا التابعة للقاعدة قد عادت إلى مصر الآن، بعد سنوات من القتال في باكستان وأفغانستان، ومنهم عمرو عقيدة أحد الذين تم القبض عليهم في الخلية الأخيرة، وقد بدأوا سريعا الاتصال بأعضاء التنظيمات الجهادية التي أفرج عنها الرئيس مرسي من السجون مؤخرا، من أجل تكوين جبهة قوية للتحرك الحالي، ومنهم “,”أبو عائشة“,” اخطر رجل بالجماعة الإسلامية بالقاهرة بعد هروبه لمدة 25 عاماً.
كما حذرت وزارة الخارجية البريطانية في مارس 2012 من حدوث هجمات إرهابية فى مصر بناء على ورود معلومات جديدة عن احتمال شن تنظيم القاعدة لهجمات إرهابية فى سيناء. حيث نقلت شبكة الإذاعة البريطانية “,” BBC “,”، أن الخارجية البريطانية رفعت درجة الخطر من “,”مهم“,” إلى “,”خطير“,”، مشيرة فى بيان صادر عنها إلى أن “,”هناك خطرا كبيرا لحدوث عمليات إرهابية فى أنحاء مصر بما فى ذلك سيناء ومن ثم هناك خطر عال لحدوث هجمات“,”.
كما ذكرت صحيفة “,”ديلي تليغراف“,” في 14 فبراير 2013 أنها عثرت في مدينة تمبكتو الواقعة شمال مالي، على وثيقة سرية باللغة العربية، تكشف عن أن تنظيم “,”القاعدة“,” في شمال أفريقيا خطط لقيادة “,”النضال“,” بمنطقة شمال إفريقيا وإعادة رسم الانتشار.
وإذا أضفنا إلى ذلك البيانات المتوالية للتيار السلفي الجهادي، والتي ظهرت فجأة في مصر بعد نظام مبارك، ندرك أنه لا تعارض مطلقًا بين مدى استمرارية تنظيم القاعدة وعودته بقوة وعنف، ومدى التحولات التي يمكن أن يكون عليها هذا التنظيم بعد تلك التغييرات السياسية التي حدثت في مصر، وهذا المحدد هو أن القاعدة وتنظيماتها الفرعية طوال تاريخها تعتمد على البحث عن نقطة ارتكاز آمنة للتنظيم والانطلاق منها، والتي من المرجح أن تكون قد أصبحت “,”مصر“,” أو الدول التي اتسعت بها حالياً مساحة الحرية للإسلاميين .
وتعد مظاهرة حصار جهاز الأمن الوطني ورفع علم القاعدة عليه، وكذا حصار السفارة الأمريكية في القاهرة من قبل، وتزامن تلك المظاهرات والدعوة إليها مع ذكرى مقتل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة، دلالات هامة حول الانتشار الواسع لفكر القاعدة الذي يتوسع الآن تحت حكم مرسي.
وإذا ربطنا هذه المعلومات المتناثرة مع حقيقة ارتفاع وتيرة وحجم عمليات تهريب الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والذخائر عن طريق ليبيا الى مصر، تتضح خريطة التهديدات أكثر وأكثر، أو بمعني أدق تتضح صورة التهديدات الجسيمة التي تتعرض لها مصر الآن سواء عبر الحدود أو من المجموعات والبؤر التي تؤمن بفكر القاعدة وتتصور أن المؤسسات الأمنية مشغولة بأمور سياسية، وأن تلك فرصتها الكبيرة في تحقيق أهدافها في إقامة بؤر وإمارات إسلامية في انحاء مختلفة من البلاد، تبدأ في مناطق حدودية وتتطور إلي القلب لاحقا، وهو ما يعرف باستراتيجية شد الأطراف أولا، والإجهاز علي القلب الرخو ثانيا. تماما كما حدث في اليمن طوال 2011 .

لماذا مصر؟
ببساطة سنجد أن القيادات الحقيقية لتنظيم القاعدة، مصرية بالأساس، كالظواهري وأبو عبيدة البنشيري، وأبوحفص المصري (الكومندان) وسيف العدل...ألخ. كما أن اعتماد القاعدة على عدم المركزية الإدارية، واستقراره دائماً بمنطقة بها فوضى سياسية، وتركيز جهده على الخارج المُحتل أو ما يسمى في أدبيات التنظيم بالعدو القريب والعدو البعيد يدلل على أن مصر كدولة غاب فيها المشهد الأمني ستصبح نقطة آمنة وفاعلة مرجحة للظهور، بعد فترات طويلة بحث فيها أتباع القاعدة عن نقط آمنة ينطلقون منها لحربهم غير الطبيعية على العالم، فكانت في سنين طويلة أفغانستان وباكستان، ثم السودان أيام الترابي، ولما وجدت فوضى سياسية في الصومال انطلق إليها، وانتهى ذلك إلى أن القاعدة أصبحت لها نقطة ارتكاز تعتمد عليها مركزياً، ونشطت عبر عشرات وربما مئات الخلايا في مختلف أنحاء العالم، أو من خلال علاقات تحالفية مع جماعات ولدت محلياً وباستقلال عن التنظيم الأم .

وحينما أعلن الظواهري وقف عملياته في مصر لعدم القدرة، لم تكن عينه تغيب عنها، لأنها المكان الحقيقي الذي يفرز أكبر عدد من القياديين في عمليات القاعدة، ولأن الظواهري وغيره من الجهاديين الإسلاميين حول العالم يرون أنه يجب التركيز على الاستيلاء على الحكم في مصر، لتكون القاعدة والمنطلق الذي تنطلق منه عملية التغيير الإسلامي إلى جميع أنحاء العالم الإسلامي لما لمصر (في رأيهم) من تاريخ ومكانة وإمكانيات وموقع جغرافي هام, وقد ساقوا أدلتهم على هذا الطرح في العديد من أدبياتهم السياسية مثل كتاب “,”فلسفة المواجهة“,” وغيرها .

وقد ظل هذا التنظيم يعتمد على الانتقائية في عدده ولا يعتمد على الكثرة، في الوقت الذي كان الأغلب عناصره القيادية، غير مشهورين بالمرة، وجاءوا من خلفية شبابية عادية، وطبقاً لهذا التصور، تشكلت القاعدة في مصر، وأصبحت أكثر خطراً، وأوسع انتشاراً، لأن خلاياها ومجموعاتها لم تعد تحتاج تخطيطاً أو قراراً مركزياً لتنفيذ هجماتها، وأوسع انتشاراً لأنها لم تعد تقتصر على العناصر والخلايا المرتبطة بقيادة القاعدة المفترض أنها تختبئ في مكان ما على الحدود الأفغانية – الباكستانية، بل تضم قطاعاً كبيراً من العناصر والخلايا والمجموعات .
ورغم أن قيادة الجماعة الاسلامية التزمت المراجعات قبل عقد من الزمن، وتصر علي العمل الدعوي السلمي باعتباره متسقا مع مبادئ الاسلام العظيمة، إلا أن مجموعة من السلفيين الجهاديين بعضهم عاد حديثا لمصر قد قرروا الانضمام إلي جماعة الشيخ حازم في اعتصامهم والمشاركة في التصعيد ضد وزارة الدفاع، ورغم أنهم ما زالوا مجموعات صغيرة للغاية، ولكن يجمع بينهم الميل للعنف وتكفير المجتمع والعمل بمبادئ الجهاد حسب تفسيرات تنظيم القاعدة، وأنهم موجودون في محافظات محدودة من بينها سيناء، ولهم ارتباطات مع مجموعات جهادية في غزة.
و تنقسم الجماعات الإسلامية المنتشرة في مصر خاصة في شبه جزيرة سيناء إلى :
1. التيار السلفي :
وهو أقدم التيارات الإسلامية وأوسعها انتشارًا بمختلف مناطق سيناء. وقد تأسس أواخر السبعينيات على يد القيادي أبو إسلام. ويطلق أتباع هذا التيار على أنفسهم عدة مسميات أبرزها: “,”الجماعة السلفية“,” أو “,”أهل السنة والجماعة“,”. وتنتهج الجماعات السلفية الفكر السلفي السلمي المعروف في أنحاء الجمهورية. ويحظى هذا التيار بشعبية كبيرة بين بدو سيناء؛ نظرًا لاقترابه من الطبيعة البدوية التي تميل إلى التدين والزهد والتقشف.
وتتدرج أفكار هذه الجماعات من الوسطية إلى التشدد، لكنها لا تقبل حمل السلاح والقتال، ويدعمون القضية الفلسطينية بصور أخرى مختلفة، منها جمع التبرعات ونقل البضائع والمواد الغذائية عبر الأنفاق وصولاً إلى نقل السلاح. وشهدت المنطقة الحدودية المتاخمة لغزة اعتقال العديد من قيادات التيار السلفي لعملهم في تهريب السلاح إلى حركة حماس عبر الأنفاق، خاصة في فترات الحصار وغلق المعابر.
وتنتشر الجماعات السلفية بمعظم مدن سيناء، وإن كان الانتشار يتضاعف في منطقة الشريط الحدودي، لكن وسطية فكر هذه الجماعات ومنهجها يجد له أرضًا خصبة في مدن ومراكز سيناء الغربية، مثل مركز بئر العبد، أقرب مراكز سيناء لمحافظة الإسماعيلية. وينتشر أصحاب الفكر السلفي في المدن والمراكز الرئيسية، ويتمركزون بشكل أساسي في مدينة العريش، إضافة إلى مدن الشريط الحدودي، رفح والشيخ زويد، فضلاً عن مراكز وسط سيناء.
الجدير بالذكر، أن عددًا من المنتمين لهذه الأفكار يدير أنفاقًا تنتشر بطول الشريط الحدودي مع مدينة غزة، ويشرفون على نقل البضائع إلى الجانب الآخر من منطلق ديني بالأساس. وفي مدينة رفح المصرية، أكد أحد أصحاب الأنفاق، والذي عرف نفسه بأنه “,”سلفي“,”، أن “,”فك الحصار عن أهالي غزة جهاد أعظم من حمل السلاح في معركة غير متكافئة مع العدو الصهيوني“,”.
ويقوم أعضاء الجماعات السلفية بمنطقة وسط سيناء، بتنظيم بعض الأنشطة الخيرية، خاصة في المناسبات الدينية بقرى وسط سيناء الفقيرة، ويتولى رموز التيار السلفي بهذه المناطق إدارة الجمعيات الشرعية التي تعمل على حل الخلافات العائلية والقبلية، ويحظى قادة التيار السلفي باحترام أبناء سيناء وتقديرهم، على عكس بعض الجماعات الأخرى التي تثير خوف الأهالي، خاصة الجماعات التكفيرية التي تميل إلى العنف .
2. الرايات السوداء:
هي إحدى الجماعات الإسلامية المتواجدة في سيناء. وقد بدأت نشاطها بـ“,”وسط سيناء“,” و“,”الشريط الحدودي“,”، وأعلنت عن نفسها في «العريش»، وهي جماعات تتبنى أفكارًا قائمة على تكفير الحاكم الذي لا يطبق شرع الله، وتنسحب على من دونه من أركان نظام حكمه، وصولًا إلى قاعدة المجتمع البعيدة عن شرع الله، ونشطت هذه الجماعة في عقد التسعينيات. ويمكن القول بأن هناك تشابهًا كبيرًا في أفكار الجماعات التكفيرية المختلفة، وذلك دون أن يجمعها إطار تنظيمي واحد.
ويطلق أهالي سيناء على أعضاء هذه التنظيم اسم “,”التكفير والهجرة“,”، أو “,”التكفيريين“,”، وتنتشر هذه الجماعات بالمنطقة الحدودية ووسط سيناء، بل في بعض المناطق بمدينة العريش، حيث أعلنت إحدى هذه الجماعات عن نفسها بعد ثورة يناير، مستغلة حالة الفراغ الأمني التي عانت منه سيناء، وأطلقت على نفسها اسم “,”تنظيم الرايات السوداء“,”.
ولا ترى الجماعات التكفيرية غضاضة في استهداف المدنيين، كونهم أبناء مجتمع كافر لا يقيم حدود الله، وتسبب بعضها في إثارة الفزع بمناطق مختلفة بالعريش خلال الأشهر القليلة الماضية، بعد تعديها على بعض المواطنين وأصحاب المحال، ودعوة بعضها لتطبيق الشريعة بالقوة؛ لذلك لا يحظى أبناء هذه الجماعات بأي تعاطف من أبناء سيناء.
وينتشر العدد الأكبر من هذه الجماعات في المنطقة الحدودية، خارج المدن، وفي منطقة الوسط. وتمتلك معظم هذه الجماعات أسلحة، لكن بشكل غير تنظيمي، ودون تدريب منظم كالذي تتلقاه الجماعات الجهادية. وتميل معظم الجماعات التكفيرية في سيناء إلى الانغلاق على نفسها، ولا تميل إلى الاتصال تنظيميًّا بأي جماعات إسلامية أخرى، وتقوم أفكارها على تكفير جنود وضباط الشرطة والجيش بشكل واضح، باعتبارهم جنود الحاكم الكافر، وأدواته لتوطيد حكمه المخالف للدين والشريعة، حسب أفكارهم، لكنهم لم يعلنوا مسئوليتهم عن أي من العمليات التي استهدفت قوات الجيش والشرطة بالمنطقة الحدودية على مدار الأشهر الأخيرة، وإن أشارت أصابع الاتهام إليهم في بعض الحالات .
3. الجماعات الجهادية:
تنتشر في “,”رفح“,” و“,”الشيخ زويد“,” وتتلقى تدريبات عسكرية شبه منتظمة وتنقل السلاح للجهاديين الفلسطينيين.
تلك الجماعات تتبنى أفكار تنظيم القاعدة، لكنها لا تتصل به تنظيميًّا، وتقترب أفكار هذه الجماعات من فكر الجماعة الإسلامية فيما يخص الجهاد باعتباره الفريضة الغائبة عن حياة المسلمين. والهدف من الجهاد من وجهة نظر هذه الجماعات إقامة الدولة الإسلامية، وإعادة الإسلام إلى المسلمين، ثم الانطلاق لإعادة الخلافة الإسلامية من جديد، وذلك حسبما أكد أحد أعضاء هذه الجماعات، ولا تأخذ الجماعات الجهادية في سيناء شكلًا تنظيميًّا واحدًا، حيث يتواجد على أرض سيناء عدد كبير من الجماعات الجهادية مختلفة المسميات والأهداف، أشهرها وأكبرها “,”الجهاد والتوحيد“,”، و“,”أنصار الجهاد“,”، و“,”السلفية الجهادية“,”، وأحدثها تنظيم “,”مجلس شورى المجاهدين- أكناف بيت المقدس“,”.
ويجب الإشارة هنا إلى أن أعضاء هذه الجماعات يحملون السلاح، ويتلقون تدريبات عسكرية شبه منتظمة على يد بعض أعضاء الجماعات الجهادية الفلسطينية، حيث يتصل عدد من هذه الجماعات بجماعات جهادية فلسطينية، خاصة أن عددًا كبيرًا من المنتمين للجماعات الجهادية الفلسطينية كان ينتقل لسيناء هربًا من الحصار، أو للتدريب في بعض المناطق الصحراوية البعيدة عن أي رقابة بوسط سيناء، فضلًا عن تعاون الجماعات الجهادية الفلسطينية مع نظيرتها المصرية في نقل السلاح لغزة عبر الأنفاق، وفي إخفاء بعض عناصرها حال توتر الأوضاع بالقطاع.
وشهدت سيناء في الأشهر الأخيرة إعلان عدد من التنظيمات الجهادية المرتبطة بتنظيمات جهادية فلسطينية عن وجودها بشكل رسمي، وإعلان بعضها مسئوليته عن تنفيذ بعض العمليات داخل الحدود الإسرائيلية، وتنتشر معظم الجماعات الجهادية في منطقة الشريط الحدودي، خاصة مدينتي رفح والشيخ زويد، وفي منطقة الوسط، وترتبط فكرة الجهاد عند هذه الجماعات بالقضية الفلسطينية بشكل أساسي، لكن بعض الجماعات الجهادية انحرفت عن هذه الأفكار إلى فكرة تكوين إمارة إسلامية مركزها سيناء؛ لتكون نواة لدولة الخلافة، وينسب إلى هذه الجماعات -مع بعض الجماعات التكفيرية-استهداف نقاط وكمائن الشرطة منذ بداية ثورة يناير لمنع عودة الأمن إلى رفح والشيخ زويد، لإحكام سيطرتها على منطقة الشريط الحدودي استعدادًا لإعلان الإمارة، حيث وصل عدد الهجمات التي تعرضت لها الأكمنة والنقاط الأمنية التابعة لوزارة الداخلية إلى أكثر من 20 هجومًا، بالإضافة إلى الهجمات الأخيرة التي استهدفت النقاط التابعة للقوات المسلحة.
واللافت للنظر، أنه لم تعلن الجماعات الجهادية، حتى الآن، موقفًا واضحًا من العمليات التي تستهدف نقاط التأمين والكمائن التابعة للشرطة أو للقوات المسلحة، وإن نفى بعضها مسئوليته عن الحادث الأخير الذي استهدف نقطة حرس الحدود قرب قرية الماسورة بمدينة رفح، دون أن يعلن موقفه من استهداف جنود الجيش المصري، ودون أن يصف أيًّا من ضحايا الحادث بـ“,”الشهداء“,” أو يستنكر الهجوم عليهم بأي شكل .
وأبرز هذه الجماعات الجهادية:
أ‌) جماعة التوحيد والجهاد:
تأسست هذه الجماعة عام 2002 على يد الطبيب خالد مساعد (لقي مصرعة في مواجهه أمنية)، وتعتنق فكرًا تكفيريًّا جهاديًّا قائمًا على التوسع في عملية التكفير. ولا شك أن منشأ هذا الفكر أساسًا بالعراق وانتقل إلى فلسطين ثم إلى سيناء.
وقد قامت عناصر هذا التنظيم بعدة عمليات إرهابية من قبل في المدة بين عامي (2004-2006)، استهدفت من خلالها بعض المناطق السياحية بمنطقة جنوب سيناء، خاصة تلك التي يتردد عليها سائحون من إسرائيل (طابا/ شرم الشيخ/ دهب). ومن أشهر قادة عناصر هذا التنظيم حاليًّا “,”حمادة أبو شتية“,”، والذي سبق ضبطه في الأحداث المنوه عنها، وقد تم إخلاء سبيله“,”، وكذا “,”أبو منذر الشنقيتي“,” والذي أصدر فتوى بتكفير الرئيس محمد مرسي وحكم الإخوان.
وهناك عدة قرائن على أن التنظيم على اتصال ببعض العناصر الجهادية التكفيرية بغزة، وأبرزها: جيش الإسلام بقيادة “,”ممتاز دغمش“,”، و“,”ألوية صلاح الدين“,”، و“,”أسلاف بيت المقدس“,”، ويتلقى منهم الدعم اللوجستي والتدريبي. وقد تورطت عناصر هذا التنظيم في الهجوم على قسم ثاني العريش في منتصف العام الماضي؛ مما أدى إلى مصرع ضابط بالقوات المسلحة. وقد حكم على 14 من عناصره بالإعدام، إلا أنه لم يتم التصديق على هذا الحكم حتى الآن. وقد أباح مفتي هذا التنظيم إمكانية السفر إلى سوريا للجهاد ضد نظام الأسد.
ب) السلفية الجهادية:
مجموعة جهادية تنتهج الفكر القطبي القائم على التكفير وعلى صلة بالتنظيم الأم في غزة بقيادة
أبو الوليد المقدسي (هشام السعدني)، والذي لقي مصرعة مؤخرًا إثر قذف من قوات الاحتلال. وقد أعلنت تلك الجماعة عن نفسها في أعقاب وفاة 6 من عناصرها في مواجهة مع القوات المسلحة القائمة على تنفيذ العملية نسر.
ولقد أصدرت الجماعة بيانًا شديد اللهجة مفاده أنها ستقوم بقتال الجيش في حال استمرار العمليات بهذة الطريقة في شمال سيناء، وأفصحت أنها تمتلك القدرة والعتاد على مواجهة الجيش حتى عشرين عامًا. وقد صدرت مؤخرًا، من أحد قيادتها، المدعو أحمد عشوش (وهو من قيادات تنظيم طلائع الفتح بالبحيرة)، فتوى بتكفير الحاكم.
ج) مجلس شورى المجاهدين (أكناف بيت المقدس):
سبق أن أعلنت مسئوليتها عن إطلاق صاروخين “,”جراد“,” على مدينة إيلات بإسرائيل، وأنها تمتلك أسلحة ثقيلة. كما سبق أن تبنت العملية التي استهدفت دورية تابعة لجيش الاحتلال داخل الحدود الإسرائيلية في ١٨ يونيو الماضي عبر شابين مصري وسعودي، وتحدّث منفذا العملية وكوادر هذه الجماعة عن تفاصيل العملية في مقطع فيديو تم نشره عبر موقع يوتيوب، وتناقلته المواقع الجهادية المصرية والفلسطينية على نطاق واسع بمجرد نشره في 19 يونيو، بعد يوم واحد من تنفيذ العملية، كما تبنت الجماعة نفسها التفجير الأخير لخط الغاز قرب مدينة العريش.
د) الخلايا النائمة
هي جماعات إسلامية تنتهج خليطًا من الأفكار السلفية والجهادية والتكفيرية، لكن معظمها لا يعمل بشكل تنظيمي، ولا يوجد بينها رابط فكري. وتنتشر هذه الجماعات بمناطق مختلفة في سيناء، بدءًا من مدينة (بئر العبد) البعيدة عن سيطرة الجماعات الإسلامية المعروفة، وصولًا إلى منطقة الشريط الحدودي، مرورًا بمنطقة وسط سيناء، وحتى مدينة العريش.
واللافت، أن هذه الجماعات لا تعلن عن نفسها تنظيميًّا، حيث تظهر في صورة مجموعات صغيرة من الإسلاميين، تواظب على الاجتماع بشكل منظم، وتعد الأكثر خطرًا بين الجماعات الإسلامية؛ لأنها يسهل تنشيطها للعمل المسلح ودفعها لتنفيذ عمليات جهادية بمجرد وجود من ينظم أفكارها أو يوفر لها الدعم، سواء من ناحية التمويل أو التدريب؛ وبالتالي يمكن استغلالها بسهولة في تنفيذ عمليات ضد أي أهداف داخل سيناء أو خارجها، وقد تكون متورطة في العملية الأخيرة التي استهدفت نقطة قوات حرس الحدود بقرية الماسورة؛ لأنها عملية نوعية مقارنة ببقية العمليات التي استهدفت قوات الأمن بسيناء خلال الأشهر الماضية .
بين التوغل للعمق والانتشار على الأطراف
وجود القاعدة في مصر وانتشار عناصرها ليس عشوائياً، فقد تم الكشف مؤخرا، منذ أواخر 2012، إلى تغير في استراتيجية الانتشار والانتقال لعدد من قادة التنظيمات الجهادية والتكفيرية إلى محافظات مصرية، بعد تضييق الخناق عليهم في سيناء، فقد اخترقت القاهرة الجديدة، والسيدة زينب، وطنطا، والدقهلية، والأكاديمية الإسلامية للتنمية والإبداع بالأسكندرية، وهو ما استدعى تدخل الأجهزة الأمنية للبدء البدء في تعقبهم؛ وللحد من انتشار عمليات العنف من جديد.
جاءت الإسكندرية لتصبح أكثر محافظات الوجه البحري التي تضم عناصر جهادية، فقد ضبط فيها عناصر تم إيفادها للجهاد في سوريا، وعلى رأسهم المجاهد المصري “,”محمد مدحت“,”، الذي سافر مع مجموعة من أربعة مجاهدين بالإسكندرية في مايو الماضي إلى أرض الشام، وكونوا “,”جهادية الكنانة“,” التي ساهمت مع الجيش السوري الحر في فتح معبر “,”باب الهوى“,” على الحدود السورية – التركية .
كما كشف محضر رقم 8446 لسنة 2012- إداري مركز قطور- عن وجود عناصر تابعة لتنظيم الجهاد داخل الغربية والمنتشرة داخل قرى مدينة قطور مركز طنطا، فقد أُلقي القبض في 25 أكتوبر 2012 على اثنين من العناصر الجهادية، واعترفا بالتسلل عبر الحدود المصرية وصولاً إلى ليبيا حيث تعطلت سيارتهما بعد اصطدامهما، وعثر معهما على عبوات متفجرات وطلقات عيار 9، بالإضافة إلى قنبلة يدوية .
كما تتواجد عناصر جهادية بالدلتا، وتحديدًا بمحافظة الدقهلية حيث ينتشر عدد من العناصر الجاهدية المعتتنقة فكر تنظيم الجهاد، خاصة وأنه قبل قيام الثورة مباشرة تم كشف الستار عن أعضاء تنظيم جهادي بالمحافظة اتُهم بنشر أفكار تكفيرية والتخطيط لاغتيال السياح والأجانب .
إن خروج تلك التنظيمات من سيناء وانتشارها في عدد من المحافظات المصرية عقب التضييق عليها في سيناء؛ يمثل خطرا داهما على مصر خلال المرحلة المقبلة، لأن الهدف من هذا الانتشار هو تفكيك مصر أولا ثم الوطن العربي كله كخطوة تالية، ضمن إطار حملات منظمة تحت غطاء ما يسمى “,”بالحرب على الإرهاب“,” .