الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عندما يتحدث ترامب عن سد النهضة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
السؤال الذى يدور في ذهن الجميع الآن هل استوعبت إثيوبيا رسالة الرئيس الأمريكى ترامب عندما قال تصريحا وليس تلميحا أن مصر قد تلجأ للخيار العسكرى بتدمير سد النهضة في حالة استمرار الحكومة الإثيوبية في موقفها المتصلب؟
وبصراحة موقف إثيوبيا حتى الآن، رغم عودتها للمفاوضات أذن من طين وأذن من عجين، حيث يبدو إصرارها واضحا على استمرار أسلوبها العقيم في مفاوضات لا تنتهى وتستمر إلى مالا نهاية ودون نتيجة، بدأت منذ نحو 10 سنوات وتدور رحاها بلا جدوى حتى الآن. فما شاهدناه من مفاوضات سابقة بيننا والإثيوبيين لم تكن سوى مماطلات تدور في حلقة مفرغة لا تغنى ولا تسمن من جوع، وكانت باختصار ضحكًا على الجميع من جانب الإثيوبيين بالمجتمع الدولى. 
ولا أدرى على ماذا يراهن المسئولون الإثيوبيون؟ على اختبار صبر مصر أم الانتهاء من بناء السد وفرض الأمر الواقع؟ وبعدها نضرب راسنا في الحيط ونقبل بما تهدف إليه بأن نحصل على الفتات من مياه النيل وإذا احتجنا المزيد نشتريه منها فهذا ما سبق وأن أعلنه أحد كبار مسئوليها بأن المياه هى الثروة التى تمتلكها إثيوبيا.
بأمانة الرئيس الأمريكى في مشكلتنا مع إثيوبيا بشأن سد النهضة لم يقصر رغم تحركه متأخرا جاء بعد أن وصلت المشكلة أو الأزمة إلى عنق الزجاجة، ولكن يحسب له في النهاية أنه كان واضحا وحاسما عندما أبدى غضبه من الموقف الإثيوبى ولم يقف يتفرج فقد قدم ببداية التدخل الامريكى كطرف محايد بالدعوة لمفاوضات في واشنطن لحل المشكلة بصورة مرضية لجميع الأطراف بحضور البنك الدولى وأثمرت المفاوضات عن الوصول لاتفاق، ولكن إثيوبيا عند التوقيع كانت مثل فص ملح وذاب وعاد وفدها لبلاده داعيا لمفاوضات جديدة برعاية أفريقية وصمتت أمريكا لبعض الوقت، وعندما تيقن ترامب من سوء نوايا إثيوبيا وصدق نية مصر استخدم أسلوب العصا مع إثيوبيا بقطع معونة كانت في طريقها إليها، ولكن الإدارة الإثيوبية واصلت حالة العناد والاستهبال فجاء التحذير الامريكى الأخير فاضحا إثيوبيا. 
وبعيدًا عن موقف ترامب، وهو موقف أعتبره نادرا له بالنسبة للقضايا العربية باعتباره مناصرا لإسرائيل لدرجة كبيرة فلا بد أن نثمن هنا ذكاء الرئيس السيسي الذى أدار ملف قضية السد بعقلية رجل الدولة الحكيم ذي العقلية المخابراتية التى تعرف أين تضع أقدامها ومتى يحقق أهداف مصر فلا مجال للشك أن الرئيس السيسي يعرف كيفية إدارة الملفات الشائكة للوصول بها إلى بر الأمان سلما والتأكيد على جعل كل الخيارات مفتوحة في حالة تعنت الأطراف الأخرى، وهو الأمر الذى شهدناه عبر موقفه مع الأشقاء بليبيا وإعلانه سرت خط أحمر يستدعى تدخل الجيش المصرى لحماية الأمن المصرى والليبى والعربى ضد الغزو التركى المدعم بالمنظمات الإرهابية ثم تلميحاته لإثيوبيا بأن مصر لن تفرط في حقها في المياه التى تعنى الحياة لشعبى مصر والسودان.
ولن نبالغ إذا قلنا إن السيسي دون إطلاق رصاصة واحدة كشف الوجه القبيح لإثيوبيا التى تريد تعطيش شعب مصر الذى يعد النيل بالنسبة لها هو الحياة، وبهذا أصبح المسرح العالمى خاصة بعد كلمات الرئيس ترامب مهيئًا لأصعب السيناريوهات لأجل حصول مصر على حقها في المياه.
ولاشك أن التحرك المصرى نحو جنوب السودان بإعادة مشروع قناة جونقلى للحياة وهو من شأنه وبعيدا عن إثيوبيا زيادة حصة مصر من المياه بعد أن سبق علما أن هذا المشروع الذى سبق ونفذنا 75% منه توقف بسبب عدم تنفيذ حكومات ما قبل ثورة يناير ما طلبته القبائل السودانية التى تتبعها الأراضى التى تمر بها قناة جونقلى مشاريع خدمية إنسانية، ولكن الأمر اختلف تماما مع القيادة المصرية الحالية بعدما فتحت مصر أبوابها وقلبها وخبراءها لمساعدة البلدان الأفريقية.
ورأينا في هذا الجانب التحرك الإيجابى لمصر نحو الكونغو حيث تقوم مصر بمساعدة جيشها وخبرائها بعدة مشروعات من بينها توليد الكهرباء بنهر الكونغو تعود بالفائدة على الكونغوليين، وهو الأمر الذى ينتظر أن ينعكس إيجابا على فكرة ربط النيل بنهر الكونغو، وهو المشروع المائى العملاق الذى يحلم به الشعب المصرى حيث إنه في حالة تنفيذه سيوفر لمصر ما تحتاجه الأجيال المقبلة من مياه.
ولن نبالغ إذا قلنا إن هذا المشروع الضخم لن يستطيع أحد تنفيذه سوى الرئيس السيسي عاشق المشاريع الجبارة والتحديات الصعبة.
وفى كل الأحوال مصر لن تفرط في قطرة مياه واحدة من مياه النيل وسترضخ إثيوبيا في النهاية سلما أو حربا للإرادة المصرية، ولكن يبقى أن حلم ربط نهر الكونغو بالنيل سيظل قائما لأجل مصر المستقبل.