السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

الدرويشة.. جماليات المكون الأسطوري في القصة القصيرة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
المجموعة القصصية الدرويشة للقاصة والروائية صفاء النجار الصادرة عن دار بتانة مؤخرا 2019م هي واحدة من المجموعات القصصية المتميزة والثرية بالجماليات والقيم الدلالية، وتملك قدرة خاصة على توظيف الأسطورة وفق منطق تحويلي للواقع يجعله مغايرا ويبدو أكثر قدرة على الإدهاش والمتعة ويبدو مرتبطا في علاقة بنائية مع جماليات لغتها السردية وأكثر توافقا مع هذا الخطاب القصصي الذي يمتلك خصوصية كبيرة، وهو ما يجعل هذا التوظيف للمكون الأسطوري في السرد بحاجة إلى بحث أكاديمي خاص وقائم بذاته، يستكشف معالم حضور الأسطورة في هذه القصص وكيفيات هذا الحضور ومزجها بالواقع على نحو مدهش ويجعلنا في المجمل أمام قصص تملك مواقع خاصة لرؤية العالم وإدراكه، واتخاذ موقف ثقافي يبدو متميزا وجماليا من مفردات الحياة الراهنة وأسئلتها وقضاياها وأوجاعها.
في هذه المجموعة القصصية عدد حافل من القيم الدلالية والأسئلة والقضايا والمضامين؛ منها السياسي وربما تكون جرعته هنا أقل منها في مجموعتها القصصية السابقة "الحور العين تفصص البسلة"، ومنها ما هو إنساني خاص بالعلاقة الأبدية بين الرجل والمرأة وقصص الحب والزواج، ومنها ما يرتبط بالمرض وأوجاعه ويتم عرضه بطريقة أدبية مغايرة تماما، حيث تلك الصياغة التي تؤطر تيمة المرض بالسرطان بإطار أسطورة "الجميلة والوحش" وصراع أبدي بينهما فيه من الموتيفات والمحفزات والعوامل المساعدة الأخرى الكثير. ومنها كذللك ما يرتبط بالأمومة وأسئلتها ومشاعرها ومنها ما يبدو رابطا بين سؤال الأمومة والزواج بالمرض والموت والفراق في غير أوانه بحسب إحساس الذات المسرود عنها أو النموذج الإنساني الذي يتبنى السرد القصصي مشاعره.
في القصة الأولى "يوميات السندريلا في القصر" يمكن أن نرى سمتا فنيا مهما يبدو راسخا في الملامح السردية لخطاب صفاء النجار بشكل عام وهو القدرة على إعادة طرح الواقع وفق منطق مختلف من العرض. فالواقع خارج القصص هو بطبيعته قد يبدو مملا ومستهلكا وبخاصة فيما يتصل بملامحه السياسية التي قد تتكرر أحيانا وتصبح مملة في كثير من الأحيان وعبر مستوى معين من القراءة المدققة للمكون السياسي الذي يدور في إطار الصراع الطبقي ووضع الحاكم في ظل هذا الصراع وموقفه منه، وإلى أي الطبقات قد ينحاز، والعلاقات الخارجية والصراعات على الحكم بين عدد من الأطراف، وهكذا، فيكون ثمة تكرار ورتابة في السردية السياسية بشكل عام ومطلق وبخاصة في هذه العصور المتأخرة تاريخيا، وهذا ما تستشعره صفاء النجار بحسها الإبداعي المرهف وبجزء من ذهنيتها الساردة أو اللاواعية المنتجة لهذه القصص. 
ونتيجة هذا الشعور لديها بأن السياسة مكون مستهلك تجنح بعفوية إلى أن تمنح القصة ذات الأبعاد السياسية ملامح أسطورية تكون لها منجزاتها الكثيرة منها الجمالي ومنها ما يخص المعنى أو الدلالة، فأول هذه الآثار الناتجة عن المكون الأسطوري هو ما يخص اللغة ويجعلها أقرب إلى لغة قديمة عابرة للثقافات وللتاريخ وتبدو القصة برغم عصريتها قادمة من أعماق التاريخ وذات ارتباط بالمطلق الإنساني أكثر من كونها مرتبطة بلحظة تاريخية معينة، فهذه الحكاية عن الأميرة أو السندريلا في القصر تتماس مع حكايات قديمة وراسخة في الوجدان الإنساني عن قصة حب الأمير والسندريلا وهي حاضرة في كثير من الثقافات الأخرى حتى تبدو مكونا ثقافيا مشتركا وراسخا، نجدها في التراث الشرقي في الصين بحسب كتابات دارسي الأساطير وتاريخ الأديان مثل جوزيف كامبل وميرسيا إيلياد وكارين آرمسترونج وغيرهم وحاضرة كذلك بكثرة في ألف ليلة وليلة، ولكن الجمال والخصوصية هنا في العمليات التحويلية التي يقوم بها العقل المبدع في هذا الخطاب السردي لهذه القصة حيث يتم منح هذه القصة الرومانسية الأسطورية الراسخة ملامح عصرية تجعلها تنتمي للقارئ أو تصبح جزءا من الذهنية المتلقية أو القارئة، فنجد أن هذا القصر وتلك الحياة تتشكل من عالمنا ومفرداته، فنجد إشارات عصرية مثل الكهرباء والسد الذي يقع جنوب المدينة ونجد الأعمال الكاملة لفرانز كافكا وغيرها الكثير من العلامات الحديثة التي تتضافر مع مكونات القصة الأسطورية فنكون أمام منتج جديد يجمع مزايا مختلفة تماما وله هويته النابعة في الأساس من هذا المزج.
وفي آخر القصة تحضر بشكل رمزي أسطورة مصرية شهيرة، عبر إدراك الأميرة لمهمتها في القصر وهي أنها تحقق وجود الأمير وتبعثه من جديد وذلك بأن تناديه باسمه، وفي أسطورة البعث المصرية القديمة "لقد نوديت باسمك لقد بعثت". فهي بالحب تبعثه من مواته وتحقق ذاته، وهذه هي مهمتها الأعظم مما كانت تؤدي من أعمال الخدمة في بيت أبيها، وهو يعني حالا من التقديس لعلاقة الحب والزواج وأنها أشبه بالبعث وتحقيق الذات والآخر وإكمال صورة الوجود.
إذا كانت العجائبية وتجاوز رتابة الواقع وصنع زاوية إدراك جديدة تاتي في هذه القصة من مزج الأسطوري والشعبي بالواقعي فإن هذه المنجزات الجمالية في قصة أخرى تصبح نابعة من فاعلية الحُلم وتوظيفاته في السرد، ذلك أن الحلم يشكل عالما مغايرا ويبدو أكثر من مجرد جزء من القصة يحدث في أثناء النوم، فيبلغ في قصة "الحلم الذي لن أرويه لجدتي" أن يكون نظاما سرديا ونسقا بنائيا فاعلا في كافة عناصر القصة ويتشكل به بناؤها السردي. يأتي الحلم ممتدا من بداية القصة حتى نهايتها، فيكون ثمة نسق من التبادل بين الوحدات السردية التي من الصحو والأخرى التي من النوم/الحلم، أو ما يمثل انسلالا وخروجا متواترا من الحلم والعودة إليه مرة أخرى في نوع من المرونة والارتباط بين الوحدات المسرودة من الحلم ومن خارجه، أي من "الواقع أو الصحو". على أن هذا النسق التبادلي بين الحلم والواقع أو الصحو يسهم في كسر الرتابة والجمود والنمطية في تراتب أحداث القصة، ويسهم كذلك في صنع حال من الترقب والانتظار لأحد الطرفين عبر هذا التقطيع لكليهما. 
يسهم الحلم كذلك في هذه القصة في تشكيل ملامح المكان بملامح غرائبية وأقرب للسريالية وهذه هي طبيعة الرؤية والإدراك في الحلم حيث يكون هناك إدراك مغاير سواء للمساحات أو الألوان أو لأشياء المكان وعناصره، فبعض التفاصيل تبدو في أقصى درجات الجلاء والوضوح وأخرى تبدو ظنية وباهتة ولا يمكن إدراك إذا ما كان الحلم كله بالأبيض والأسود أم بالألوان على سبيل التمثيل أو أن حدثا معينا لا يمكن التيقن من حدوثه. وفي ترتيب أحداث الحلم نفسها يكون هناك نوع من العبثية وغياب الترتيب المنطقي القائم على السببية، ويبدو المكان كذلك ذا طبيعة سائلة وينفتح على بعضه بلا حدود أو حواجز، وتبدو فيه الطرق الكثيرة أو المسارات المجهولة هي الأكثر هيمنة، وبخاصة الطرق الجانبية التي هي دليل على أن الشخصية أمام خيارات كثيرة وأنها في حال من التيه ويفتح الحلم كذلك أبعادا تنبئية عبر تضافره مع العلامات الواقعية أو علامات الصحو المؤكدة التي يطرحها السرد عن الشخصية. فالأولاد والأقارب والقاهرة بوصفها مكان الإقامة والأصول الريفية للشخصية وللزوج وللشغالات اللائي يعملن عندهما، وبعض الأقارب والذكريات الحقيقية مثل قصة العمة التي أصابتها لعنة ما أو مرض وربط الأمر بسحر ما يجعل الواقعة غامضة.
تمثل شخصية الجدة بشكل خاص عنصرا من عناصر إنماء الغرائبية الكلية التي ينتجها الحلم، وبخاصة حين تكون ملامح هذه الشخصية أقرب إلى العرافة أو النبوءة والحدس الصوفي، فهذه الجدة كانت دائما قادرة على مشاركة الحفيدة في رؤية أحلامها وتملك القدرة على أن تقص أحداث الحلم الذي رأته الحفيدة كأنه حلقة من المسلسل الذي يتابعانه معا، وهي حال غريبة تجعلنا أمام نموذج خارق أو أقرب إلى روح الأساطير والفنتازيا، ولكن الجمال الأدبي يأتي بعد ذلك من هذه الشخصية نفسها حين تتحول من القوة إلى الضعف والعجز، فتكون ضحية هذه القوى الخفية من السحر حين تساند ابنتها في رفض الزواج من ابنة عمها وتصاب بالجنون أو المرض الخطير الأشبه بلعنة فتتشكل الجدة بملامح القدرة والتفوق في حال وعاجزة ومريضة في حال أخرى، ومن هذا التحول من الحال إلى نقيضها تنتج مفارقة مهمة تصبح رافدا من روافد شعرية السرد القصصي وغرائبية عالمه.
يبدو الريف في هذه القصة عبر تصوير الحلم أقرب للمتاهة التي تكون في الغابة أو نموذج الغابة في الأساطير، وهي تلك الأماكن غير الحضرية أو البدائية التي تصبح مصدرا للجديد والمجهول وعرضة للتيه ومقابلة الوحش، في حين أن المدينة وبخاصة القاهرة هي الحضن الدافئ والمستقر الآمن والأكثر تواؤما مع روح هذه الشخصية التي تجد فيها التنظيم والدقة والهروب من مجاهل الريف بانفتاحه على المطلق وعناصر الطبيعة الأولية التي مثلت دائما مصادر للخوف وتضع الإنسان أمام مواجهته الأزلية والقديمة جدا مع الطبيعة من أجل ترويضها وإخضاعها لمصالحه، فنكون أمام نموذجين متناقضين للمكان، المدينة والريف يتم تصويرهما عبر هذه الرؤية الحلمية بصورة أكثر عمقا مما يتم طرحه لدينا في أدبنا القصصي السابق، وفي تصوير أقرب للنموذج الشعري المعتمد على التكثيف والإشارات المتوارية وغير المباشرة التي تحتاج إلى طاقات تأويلية كبيرة. فلدينا في هذه القصة من ملامح الريف أشياء كثيرة خاصة بالشجر وأنواع من النباتات والطرق والممرات والمجاهل غير المستوعَبة من الشخصية المسرود عنها وهي الشخصية الرئيسة في القصة.
في الحلم ثمة نوع من البتر السردي والانتقال العشوائي من حدث إلى آخر، وهو ما يجعل الأحداث غير المنتظمة على قدر كبير من التشويق وثمة ألغاز وأسرار كثيرة مختبئة في هذه المساحات المحذوفة والنموذج المثالي لهذا المونتاج أو الحذف ما نجده في تصفح الشخصية لرسائل الموبايل بينها وبين زوجها وعدم قدرتها إلا على قراءة الرسالة الأخيرة التي توحي بأمر غامض وحاجة الزوج لزوجته ويتم إقحام شركة الاتصالات الشهيرة فودافون بوصفها فاعلا في القصة حيث تأتي إحدى الأخطاء منها وكأنها مزحة تتسبب في واقعة معينة غامضة أو مختفية الملامح ولا يمكن إدراكها إلا من الرسائل التسعة الأخرى وهو ما لا تتمكن الشخصية من معرفته، فهذا النمط من الحذف أو تحرك الشخصية بلا إرادة وتنقلها بين أحداث غير متراتبة يجعل القصة في أعلى مستويات التشويق وتصبح مادة محفزة لمخيلة المتلقي ومنفتحة على تأويلات كثيرة منه.
في قصة الدرويشة نصبح أمام مكون صوفي وديني يجعل عالمها أكثر انفتاحا على المطلق الذي يمثل قوة خارجية تتحكم في حياة البشر وتكشف عن قدر عجز الإنسان سواء في الحب والزواج أو التقييد بقيود القدر أو فيما يخص المرض وموت أحد الأبناء وما يمكن أن يقدمه الإنسان من قرابين أو تضحيات وعطايا تخفق أو تصيب ولكنها في النهاية حاسمة فيما يخص تأكيد هذا العجز الإنساني المتطلع دائما إلى تلك القوى الإلهية العليا التي تحكم مصيره ولا تعرف ماذا ستفعل معها، ويصبح مصير الإنسان دائما غامضا ومنفتحا على الأسرار سواء كانت مهمة وخطيرة أو كانت عادية وسهلة ترتبط مثلا بشعور الزوجة بخيانات زوجها وانتظارها لظهور زوجات سريات بعد موته.
يحضر الأولاد في خلفية هذه القصة بوصفهم دليلا على جيل آخر أكثر ارتباطا بالعلم وتحصنا به، أو أقرب إلى درجة من الطمأنينة وعدم الاستسلام التام لهذه القوى الغيبية ويتأكد الفارق عبر اختلاف الطقوس العبادية التي تبدو لدى هذا الجيل الجديد أقرب إلى القواعد الصارمة، والمفرغة من مضمونها الروحي، وهو ما يشكل لدينا في هذه القصة تيارين من الحياة لأجيال تبدو على قدر كبير من الاختلاف أو التباين الذي يمنح العالم المسرود عنه أبعاده الشعرية النابعة من التنوع والاختلاف الذي يصل حد التناقض أحيانا. ويتلازم مع الخط الروحي أو الصوفي والارتباط الدائم بالذات الإلهية بنوع من الضراعة والمناجاة المستمرة خط آخر خاص بالعشق العفيف الذي يبدو هو الآخر نموذجا يحمل العديد من المفارقات مع الزوج.
في هذه القصة كذلك يصبح للحلم دور كبير في بنائها وتشكيلها وفق نظام معين يجعلها على قدر كبير من التشويق والغموض ويمنحها أبعادا سحرية وغرائبية فيما يخص المكان والشخوص، الحفيد الذي يقود الجدة إلى مكان سحري وإلى شجرة تبدو أقرب لنموذج الشجرة المقدسة عند كثير من الأمم والديانات، وتبدو رحلة التطهر عند مساحة واسعة خضراء عند هذه الشجرة. تطهير غريب للروح وللذاكرة عبر عملية سحرية هي مزيج من علامات الحلم وعلامات الواقع التي يبدو الفاعل فيها جراحة أو عملية طبيبة قادرة على أن تنتزع من القلب الأشخاص المرفوضين وبترهم نهائيا لكي يتخفف منهم. وطقوس التطهير هي بذاتها من الأفعال الأسطورية الراسخة في العقل الجمعي تبدأ منها ولادة جديدة أو تسمح بتجدد الشخصية ومنحها حياة جديدة وتصبح هذه العملية دليلا على الانتقال بين حياتين أو عالمين بينهما هوة من نوع ما، مثل مرحلتين من الألم والراحة أو الحياة والموت أو النوم والصحو أو الكفر والإيمان أو النقص والاكتمال أو المرض والشفاء وهكذا، المهم أنه دليل على العبور من حال إلى أخرى.
في قصة الدرويشة والمريد حين يحدث الخروج من الحلم إلى ذكريات الواقع نجد أن العبث هو ما يكوّن الواقع ويشكله عبر تناقضات شخصيتي ابني العم، اللذين يكونان حياة مصائرها تمضي على نحو غريب وغير منطقي، فالمتعلم هو الذي لا يعرف كيف يحدث حبيبته وغير المتعلم هو الذي يحصل على كل شيء، على الحبيبة وعلى المال والتجارة والقدرة على الكلام، فنكون أمام حال من التناقض المدهش، فالحلم تسيطر عليه الرصانة والتطهر والمنطقية بخلاف الواقع أو الصحو الذي يكون هو الأقرب للجنون على نحو ما قالت الشاعرة البولندية الحاصلة على نوبل فيسوافا شيمبروسكا مقولة شهيرة "الأحلام ليست المجنونة.. المجنونة هي اليقظة". فهنا يمكن القول إن لدينا نوعا من النزوع إلى الهرب إلى عالم أكثر مثالية أو عالم جديد يمكننا فيه التخلص من أوجاعنا ومن الشخصيات التي أرهقتنا أو من ميراث الذاكرة الموجع. 
يأخذ حضور الأسطورة شكلين في هذه المجموعة، شكل مباشر يتم التصريح فيه بأسماء الأساطير وشخصياتها القديمة، وأخرى تأتي بدون هذا التصريح وتلك اللغة المباشرة. في قصة "أنا جميلة لأني أشبه أمي" نجد هذا التصريح وتلك اللغة الشعرية الجامحة والخطابية الأقرب لأن تكون ملحمية، فالشخصية صاحبة الصوت السردي تكرس أسطورتها وتفوقها على أكثر من مستوى عبر هذا الترابط النموذجي بالأب والأم، فهي تأخذ الجمال الأسطوري الخالد من الأم، بينما العلم والأدب والذكاء أي الشق المعنوي من الأب، فكأنها نتاج زواج إلهين يكمل أحدهما الآخر. أو أنها رمز للطبيعة بكُلِّيتها أو زواج السماء بالأرض. فالأم نموذج أسطوري قادرة على أن ترى ما يحدث وراء ظهرها، لأنها تنتمي لجبل الأوليمب والأرباب القادرين. الأم في هذه القصة هي نموذج "المكتمل بذاته"، وهذا لا يتحقق إلا مع أبطال الملاحم والأساطير بحسب ما يصف جوزيف كامبل في كتابه البطل بألف وجه، وتقريبا هي نفسها ملامح الأخت عبر وصفها في المتوالية السردية التي تحتل ثلث فضاء هذه المجموعة تقريبا، في تصوير ثري ونادر حولت فيه المريض إلى نموذج الجميلة التي تصارع الوحش وهي في موتها لا تنهزم بل تبدأ من جديد حياة أخرى بحسب شروطها هي، ولا تبدو فيها منتقصة أو مهزومة بل كاملة منتصرة. والحقيقة أن المجموعة كلها في غاية الثراء بما يجعلها بحاجة إلى نظر وبحث أوسع فيما هو حاصل من علاقات بين القصص وبعضها أو ما يسمى بالأنساق العابرة للقصص وكذلك لغة السرد التي تتأتي متوائمة تماما مع النماذج القصصة المطروحة، وكذلك القصص التي كانت بضمير المخاطب وفيها ما يقترب كثيرا من المناجاة الصوفية والتضرع حتى لو كانت أحيانا مخاطبة للذات نفسها. فنكون بحاجة إلى بحث في كل قصة أو وحدة سردية منفصلة ثم كذلك نظر وبحث في المجمل أو فيها جميعا بوصفها ذات ارتباط أو اتصال مهم على المستويين الدلالي والجمالي وطرائق السرد الذي هو أساس الخصوصية.