الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

المسرح وثورة 23 يوليو.. نهضة ثقافية ترجمت مبادئ المرحلة الجديدة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عندما نجحت حركة الجيش في 23 يوليو 1952، واستتب لها الأمر، بدأت تنظر إلى مؤسسات الدولة، ومنها المسرح بوصفه وسيلة إعلام مهمة ومؤثرة، حيث أثرت الثورة بدورها في شتى مجالات الحياة سواء السياسية، الاجتماعية، الثقافية، الاقتصادية، العسكرية، والتي تبنت المشروع القومي وهو الاهتمام بالثقافة ونتج عنها تأسيس مجموعة من الأفكار منها البعثات الخارجية، وتأسيس بعض الفرق المسرح، وغيرها.
كما نتج عنها نشأة وزارة الثقافة على أيدى الدكتور ثروت عكاشة، التى أعطت دفعة قوية لكافة أشكال الفنون والآداب، كذلك مجلس الفنون والآداب، ومصلحة الفنون الذى ترأسه يحيى حقى لحفظ التراث الشعبي، إضافة إلى المسرح القومي، الذى ازدهر في إدارة أحمد حمروش أحد حركة الضباط الأحرار، وتوالى ازدهار الأعمال المسرحية، وكذلك مسرح الستينيات الذى ازدهر في عهد الزعيم جمال عبدالناصر، حيث تأثر كتاب المسرح المصرى بالمناخ الثورى واقتناعهم بأهداف الثورة، التى نجحت في أن توقظ فيهم الإحساس بالقومية والمسئولية والالتزام، فظهر الكاتب المسرحى القادر على استلهام الواقع وربط الفكر بالحياة، والتوغل إلى صميم معترك الأحداث والمتناقضات الاجتماعية.
*مسرحيون: ثورة 23 يوليو ساهمت في نهضة الثقافة والمسرح
* أبو العلا السلاموني: ثورة يوليو هي الأم في المنطقة العربية كلها

قال الكاتب المسرحي محمد أبو العلا السلاموني، إن ثورة يوليو لم تؤثر على المسرح المصري فقط ولكن أثرت في شتى مجالات الحياة سواء السياسية، الاجتماعية، الثقافية، الاقتصادية، وتعد هذه الثورة الأم في المنطقة العربية كلها، ويرجع لها الفضل فيما تحقق من نهضة حديثة في المنطقة العربية ويقظة فكرية وثقافية كبرى أدت إلى نهضة المسرح، والسينما، والتلفزيون، وكل الفنون على مستوى العالم العربي كله.
وأضاف السلاموني، إن ريادة مصر في المسرح، تحقق على يديها إنجازات المسرح العربي حاليا، والبدايات كما هو معروف منذ 150 عاما تقريبا، أن المسرح المصري هو الرائد الأول بالمنطقة في هذا الفن، ثم جاءت الموجة الأولى وهي رواد المسرح على رأسهم توفيق الحكيم، أحمد شوقي، عزيز أباظة، وغيرهم، ثم مسرح الستينيات وعلى رأسهم نعمان عاشور، ألفريد فرج، عبدالرحمن الشرقاوي، صلاح عبدالصبور، محمود دياب، وكثير من الكتاب الذين تلو هذا وجاءوا مع نهضة 23 يوليو، ومن الممثلين أمثال نجيب الريحاني، على الكسار، يوسف وهبي، فتوح نشاطي وغيرهم، هذا المسرح خلق نهضة مسرحية كبرى تعلم منها الوطن العربي، بدليل أن رواد مسرح الستينات ساهموا في تأسيس المسارح في السعودية، الكويت، المغرب، الجزائر، وغيرها من الدول العربية، ولكنهم انتشروا بعد ذلك أمثال زكي طليمات، سعد أدرش، فتوح نشاطي، كلهم انتقلوا بفنون المسرح وأسسوا معاهد الفن في مصر، والدول العربية، والذي تتلمذ على أيديهم كبار الفنانين.
وأوضح السلاموني، أن هناك العديد من الفرق المسرحية تأسست سواء على مستوى القطاعين الخاص، والعام، ففي الخاص هناك فرق استمرت من عصر الرواد مثل فرقة الريحاني، اسماعيل يس، تحية كاريكا، وغيرها، وتعتبر من الجهود التي بذلت في مسرح الرواد في العشرينيات، والثلاثينيات، ثم بدأ الاهتمام بالمسرح القومي التابع للدولة مع ثورة يوليو، عُين الكاتب والمؤرخ أحمد حمروش مديرا له، الذي بدوره وضع لبنة هذا المسرح وحل كافة مشكلاته، وتأسس دور التأليف المسرحي الذي ظهر خلاله مجموعة من الأدباء منهم نعمان عاشور، سعد الدين وهبة، ألفريد فرج، عبدالرحمن الشرقاوي، يوسف ادريس، وغيرهم، وكذلك البعثات الخارجية لجيل المخرجين وهم: سعد أدرش، كرم مطاوع، جلال الشرقاوي، نجيب سرور، الذين تعلموا، ثم جاءوا بنهضة المسرح وأسسوا "التجريبي" الذي يطلق عليه مسرح الـ100 كرسي، ثم الحديقة الفرعونية، والشعري، والتلفزيون الذي كان له دور في ظهور الكوميديا على رأسهم فؤاد المهندس، عادل إمام وغيرهم، ثم فرقة ثلاثي أضواء المسرح، ساعة لقلبك، وغيرها من الفرق، مؤكدا أن الدكتور على الراعي عندما تولي إدارة المسرح وضع خطة إستراتيجية لمسرح الأقاليم الذي نشأ في عهد الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة، وساهم في إنشاء البنية التحتية للمسرح، وأكاديمية الفنون.

* ناصر عبالمنعم: الثورة لعبت دورا رئيسيا في تأسيس مؤسسات المسرح وفرقه
قال المخرج المسرحي ناصر عبدالمنعم، إن ثورة 23 يوليو هي ثورة فارقة في مكانة الثقافة والمسرح، في ظل المشروع القومي الذي تبنته الثورة في 1952، وهو الاهتمام بالثقافة، والذي نتج عنه تأسيس مجموعة من الأفكار منها الاهتمام بفكرة البعثات الخارجية لكبار المخرجين، الذين سافروا إلى فرنسا، إنجلترا، إيطاليا، وغيرها منهم: سعد أردش، كرم مطاوع، سمير العصفوري، محمد صديق، وآخرين، هؤلاء المبدعون أفادوا الحركة المسرحية وساهموا في خلق جيل جديد من الفنانين، بالإضافة إلى الاهتمام بتأسيس الفرق المسرحية التابعة للدولة من خلال أسس علمية، وكذلك فرقة مسرح التلفزيون التي ضمت 10 فرق مسرحية، وتخرج منها مجموعة من جيل المخرجين من بينهم: المخرج فهمي الخولي، هذه الفرق خلقت نجوم مسرحية كبيرة استفادت منها السينما.
وأضاف عبدالمنعم، أنه نتج عنها أيضا تأسيس فكرة مسرح القاهرة للعرائس، وذلك عندما شهد الرئيس جمال عبدالناصر، عرض لفرقة "تساندريكا" الرومانية في افتتاح أحد المعارض في 1958، وهي من أعظم فرق العرائس المسرحية، طالب عبدالناصر من وزير الثقافة فتحي رضوان حينها، تأسيس فرقة لمسرح العرائس، وبالفعل تم تأسيسها، وتعد من الفرق المسرحية الفريدة من نوعها في الوطن العربي، القائمة حتى الآن، وأسست لفن العرائس في مصر والوطن العربي، مؤكدا أن سنوات المسرح بعد الثورة تسمى بالريادة، والتأسيس، والتخطيط، والمشروع الثقافي المتكامل، فهناك زخم فني كبير خلال فترة الستينيات للمسرح القومي لكبار الكتاب الذين ساهموا في تشكيل تراث المسرح، وأصبحت الثورة بمثابة تحول اجتماعي، وسياسي، وثقافي في شتى المجالات، وكان المسرح من ضمن هذه التحولات. 
وأكد عبدالمنعم، أن ثورة يوليو لعبت دورا رئيسيا في تأسيس مؤسسات المسرح وفرقه، وتأهيل فنانيه على أعلى مستوى، متمنيا استعادة فكرة اهتمام ودعم الدولة بدور المسرح، وإعادة ترتيب الأولويات، ومعرفة الدور الذي تلعبه الثقافة والمسرح عموما في بناء أجيال أكثر استنارة، وأقل تشدد، ومتسامحه، ومعرفة الحوار وآدابه، أي متذوقه للفنون وحامية للمجتمع، مشيرا إلى أن القوى الناعمة لعبت دورا كبيرا في ثورة 30 يونيو، وترسيخ قيم المجتمع، فالثقافة والمسرح بشكل عام تساهم في بناء الإنسان المصري. 

* أحمد عبدالرازق أبو العلا: الثورة حددت مجموعة من المبادئ عكست فكر رجالها وأيديولوجيتهم
قال الناقد المسرحي أحمد عبدالرازق أبوالعلا، إن ثورة يوليو 1952 قامت وحددت مجموعة من المبادئ عكست فكر رجالها وأيديولوجيتهم، وعُرفت بالمبادئ الستة "القضاء على الإقطاع، والاستعمار، وسيطرة رأس المال على الحكم، وإقامة حياة ديمقراطية سليمة، وجيش وطني قوي، وعدالة اجتماعية " تلك المبادئ آمن بها - في تلك الفترة - معظم كتاب المسرح، وكانوا شبانا، تحمسوا لفكر الثورة، وزعيمها، فكتبوا أعمالا وعالجوا أفكارا لم تبتعد كثيرا عن تلك الأفكار التي طرحتها الثورة، فشاهدنا أعمالا لسعد الدين وهبة تدين الإقطاع وتتحدث عن الفساد الإداري، وشاهدنا أعمالا أخري تدين الاحتلال وتدعو إلى التحرر الوطني، وكتب نعمان عاشور عن واقع مصر الاجتماعي قبل الثورة وواقعها الذي يحلم به بعدها.
وتابع، استحضر كثير من كتاب المسرح نماذج الانتهازيين الذين أرادوا ارتداء قميص الثورة نفاقا، ليس إيمانا بها وانتقدوهم في أعمالهم، وبعض الكتاب ومنهم "يوسف إدريس" عارضوا فكر الثورة، والنظام الذي اعتبره شموليا، وكان سببا من أسباب هزيمة 67، في تلك الأجواء التي آمنت بالتغيير، وسعت إليه، ظهرت أعمال مسرحية لعدد من الكتاب، من أهمهم "سعد الدين وهبة، نعمان عاشور، يوسف إدريس، عبدالرحمن الشرقاوي، ميخائيل رومان، محمود دياب، نجيب سرور، ألفريد فرج، رشاد رشدي"، كلهم قدموا أعمالا عكست الفكر الجديد للمجتمع الاشتراكي - إيمانا به أو نقدا له- أو الذي كان يطمح للتحول الاشتراكي، الذي أجهضته هزيمة 67، فسقط الحلم "حلم التغيير" فظهرت في أعمال هؤلاء الكُتاب نزعة المواجهة، أو جلد الذات، أو إدانة النظام، وكلها توجهات فرضتها ظروف الهزيمة، تلك التي أحس بها جيل الستينيات وشعر أنه كان شريكا للنظام حين صدق نواياه، خاصة فيما يتعلق بالمبدأ الخامس من مبادئ الثورة والخاص بإقامة جيش وطني قوي، فكيف لهذا الجيش القوي أن يُهزم؟ كان هذا هو السؤال الكبير الذي أثر على توجهات كتاب المسرح بعدها، بل وأثر تأثيرا كبيرا على المسرح المصري ربما حتى الآن! 
وأضاف أبو العلا، أن الفرق المسرحية التي ظهرت بعد الثورة هي فرق كثيرة ومتنوعة، بما يكشف أن الثورة كانت تؤمن بدور المسرح وأهميته، وقدرته على مواكبة التغيير، ودفعه للأمام، فكان المسرح الحديث، والكوميدي، ومسرح الحكيم، والعالمي، والجيب، والقاهرة للعرائس، والأطفال، والغنائي، كلها مسارح لم تكن موجودة قبلها، فيما عدا المسرح القومي الذي تغير اسمه إلى هذا الاسم في 1958، وهو الوحيد الذي أنشئت فرقته وتكونت في 1935، وكان لهذا المسرح دور كبير في تقديم كل الأعمال التي كتبها كتاب مسرح الستينيات، هذا فضلا عن وجود بعض فرق القطاع الخاص، لكنها لم تعمل بالشكل اللافت الذي يمكنها من منافسة مسرح الدولة، "فرقة إسماعيل يس، تحية كاريوكا، الريحاني، الفنانين المتحدين، وهي الفرقة التي استمرت فيما بعد، وانتهزت فرصة تراجع المسرح المصري الرسمي عن دوره بعد الهزيمة، فراجت الكوميديا لهذا السبب، إضافة إلى فرق التلفزيون المسرحية التي قدمت أعمالها منذ 1961، وتخرج منها معظم نجوم الكوميديا الذين تبناهم مسرح القطاع الخاص، حين لقى رواجا كبيرا حتى بعد انتصار أكتوبر 73.

* مهرجان التحرير.. أول مهرجان مسرحي لثورة يوليو 1952
تناول الدكتور سيد على إسماعيل، أستاذ المسرح بكلية الآداب – جامعة حلوان، في دراسته التي نشرت في مجلة "المسرح" فكرة أول مهرجان مسرحي لثورة يوليو 1952، بعنوان "مهرجان التحرير" ضمن مهرجان فني كبير بمناسبة نجاح الثورة، بوصفه أول مهرجان مسرحي أقيم في العهد الجمهوري، ولم تعد فكرة المهرجانات ظاهرة حديثة، وبعد قيام الثورة بشهور قليلة، تحديدا في نوفمبر، عقد مجلس الوزراء اجتماعا برئاسة سليمان حافظ، نائب الرئيس محمد نجيب، ووزير الداخلية، وقرروا إنشاء وزارة الإرشاد القومي؛ التي تقلدها فتحي رضوان بجانب منصبه "وزير دولة"، وتم اختيار يوم 23 يوليو ليصبح العيد القومي لمصر، وعلى الفور تحرك الفنانون من خلال نقابتهم مقترحين على المسئولين - في قيادة الثورة - إقامة مهرجان فني يستمر أسبوعا باسم مهرجان الفن، ويشترك فيه أكبر عدد من الممثلين، والموسيقيين، والمطربين، ويخصص نصف إيراد المهرجان لمشوهي حرب فلسطين، والنصف الآخر للعجزة من أعضاء النقابة، وتم تأليف لجنة له، تكونت من: محسن سرحان، فريد شوقي، حمدي غيث، لدراسة المشروع، ووضع برنامج الحفلات وتقديمه لمجلس النقابة.
بدأ الأمر باجتماع الفنانين بقيادة يوسف وهبي، مع قائد الجناح العسكري وجيه أباظة مدير الشئون العامة للقوات المسلحة بمسرح حديقة الأزبكية، وذلك لإعداد برنامج ضخم للاحتفال بمرور ستة أشهر على حركة التحرير - حيث إنها لم تُعرف باسم ثورة في هذا الوقت - وقرر المجتمعون الاحتفال بهذه المناسبة يوم 23 يناير سنة 1953، ووقع اختيارهم على أرض الجمعية الزراعية لإقامة مسرح كبير، يسع لخمسة آلاف مشاهد، وعهد إلى شكري راغب، مدير الأوبرا، إقامة هذا المسرح خلال أسبوع واحد، وبالفعل أُقيم المسرح بفضل جهود السيد "ريمون كحلا"، الذي تبرع بأخشاب المسرح وأستاره وعماله.
يصف لنا شكري راغب – في مقالة منشورة في مجلة "أهل الفن" - ما حدث في الافتتاح، قائلًا: "وفي الثالث والعشرين من شهر يناير 1953، وقف يوسف وهبي ليتحدث إلى 5000 مشاهد، وليقدم نجوم المسرح والسينما في شكل عرض كبير، بينما تعزف الموسيقى ألحان الجهاد، ثم ألقى كلمة الافتتاح، كما ألقى في آخر أيام المهرجان كلمة الختام، التي أعلن فيها أن أهل الفن في مصر هم أخلص الناس للثورة، بل هم أنفسهم الثورة الكامنة، وأنهم على استعداد لتلبية النداء وتنفيذ الأمر، وتقديم ما يطلب إليهم تقديمه من أنواع الترفيه، وهكذا انتهى المهرجان الأول".
ويستكمل راغب، وصفه لهذا الحدث، قائلًا: "إن فكرة مسرح التحرير دفعتني لأن أرفع إلى أولي الأمر اقتراحات الترفيه، فقوبلت بالرضا، وكان اقتراحي الأول إنشاء مسرح عالمي صيفي في حديقة الأندلس، ثم إعداد مرسى على النيل بجواره، لإقامة مسرح عائم، وقد تحقق هذا أيضا في الباخرة سودان، وطالبت أن يقام معرض لإظهار ما حققته الثورة وفعلا أقيم المعرض، ورجوت أن تخصص حديقة الحرية كمدينة للملاهي، وقد خصصت لذلك الغرض، كما التمست أن تخصص الحدائق العامة والميادين في هذا اليوم للفرق الموسيقية التابعة للجيش، وللمسارح الشعبية، وضروب التسلية، وقد علمت أن النية قد اتجهت إلى تحقيق هذا الالتماس، كما طلبت أن تخصص في عدة أماكن هادئة كالساحات الشعبية، حدائق للأطفال بها "المراجيح" وضروب التسلية الخفيفة كل ذلك مجانا يتمتع به الشعب صغيره وكبيره حسب هواه".
ووصل اهتمام رجال الثورة بهذه الاحتفالات – من أجل إسعاد الشعب بحركة التحرير – إقامة مسرح مكشوف على سفح الأهرامات، وقام بتنفيذه أيضا شكري راغب بنجاح كبير، وكانت عروضه في مهرجان التحرير – بمناسبة مرور عام على الثورة – تتمثل في: الباليه، والموسيقى، والمسرحيات الغنائية الاستعراضية؛ حيث قام مخرجو السينما بإخراج أربعة استعراضات كبيرة، اشترك فيها: بيرم التونسي، جليل البنداري، أحمد صدقي، عبدالعزيز محمود، أحمد بدرخان، السيد زيادة، محمود السباع، كامل التلمساني، فؤاد الجزايرلي، محمد حسن الشجاعي، إضافة إلى فرقة باليه بإشراف سونيا إيفانوفا، وكذلك شارك سيرك الحلو، أما رواد هذا المسرح، فكانت الأغلبية من ضيوف مصر الأجانب، ومن السودانيين الذين حضروا جميع أيام المهرجان، وكان عددهم يزيد على الثلاثمائة في كل ليلة، أما المصريون فقد فضلوا مسرح الأندلس؛ لأنه يقدم الريفيو الموسيقي، والغناء المتنوع من فريد الأطرش، ليلى مراد، صباح، مع رقصات لتحية كاريوكا، سامية جمال، والجدير بالذكر إن المهرجان لم يكن مقصورًا على القاهرة فقط، بل شمل أيضًا الإسكندرية، لا سيما النشاط الفني والمسرحي الملحوظ، الذي قُدم في مسرح أنطونيادس، ومسرح السلسلة.
يؤكد لنا إسماعيل، أنه بعد نجاح مهرجان التحرير الفني، نقلت لنا جريدة "المصري أفندي" – في مارس 1953 – لقاء جمع الرئيس محمد نجيب مع الفنانين منهم: يوسف وهبي، محمد عبدالوهاب، أنور وجدي، فريد الأطرش، إسماعيل يس، حسين فوزي، حضر اللقاء أعضاء لجنة المهرجان الفنية المتكونة من البكباشي وجيه أباظة، مصطفى نجيب، على كامل الدين، وما يهمنا من هذا اللقاء، الكلمات التي ألقاها الرئيس محمد نجيب، ونشرتها الجريدة؛ لأنها تُعد وثيقة حية، يجب الحفاظ عليها:
قال الرئيس محمد نجيب: "في الواقع لو أنني أردت أن أشكركم لما وجدت عبارات أفيكم بها، لأنكم جميعا أديتم الواجب عليكم نحو وطنكم فاعتبروا عجزي عن وفائكم حقكم من الشكر هو أكبر دلالة على تقدير الوطن لكم، فقد نجحت حفلات التحرير بفضل الجهود التي بذلتموها"، وقال: "وبهذه المناسبة لا يمكنني أن أدع هذه الفرصة تمر دون أن أصارحكم بما في نفسي، فإنني أرجوكم رجاء حارا أن تقلعوا في المستقبل، بل والآن عن الإنتاج السينمائي الرخيص الذي يمتلئ بالأغاني الخليعة"، وقال أيضا: "إن على الفنانين قسطا كبيرا جدا من نهضة الوطن الحديثة وتهذيب الشعب تهذيبا فنيا، وأن أغنية حماسية كالتي تنشدها أم كلثوم، ليلى مراد، لتخلق روحا وطنية مشتعلة في النفوس، وقد سرني أن وجدت هذه الأناشيد يحفظها أفراد القوات العسكرية في منطقة سيناء ويبلغ عددها عشرين ألفا، وقد لاحظت عند زيارتي لهم أخيرا أنهم يرددونها في طوابيرهم، وكل ما أرجوه هو أن الواحد منكم عندما يقدم على إنتاج فيلم أو يلحن أغنية، عليه أن يفكر في مصر أولا وينسى كل شيء عداها"، وقال الرئيس كذلك: "إننا نريد أن نمحو الأغاني الخليعة والمبتذلة ونريد أن نقلع عن عرض المناظر المخزية كرقص البطن الذي يظهر كثيرا في أشرطة سينمائية تقابل بالاستنكار الشديد والاستياء"، ومضى الرئيس يقول إنه "يريد أن يساهم الفنانون في تقويم الأخلاق وبث الروح الشجاعة والجرأة والإقدام، وحب العمل"، ثم نوه الرئيس "عن السودان ويجب أن نحترم السودانيين، عندما نقدمهم في السينما".
يوضح لنا إسماعيل، أن مهرجان التحرير – لم يقتصر بوصفه مهرجانا مسرحيا حكوميا– على عروض فرقة المسرح العسكري، وفرقة مسرح التحرير، وفرقة المسرح الحر.. فقط، بل هناك فرق أخرى شاركت في المهرجان بعروضها، مثل: فرق المسرح الشعبي، والفرقة المصرية وكذلك العروض، لا سيما وإن عرف القارئ أن عدد الحفلات، التي أحياها المسرح الشعبي في مهرجان التحرير، وصلت إلى أكثر من خمسين حفلة في أقل من شهر واحد، قامت بها الشُعب المختلفة للمسرح الشعبي في القاهرة وأقاليم مصر، هكذا أوضحت مجلة "الفن" في فبراير 1953.
أما الفرقة المصرية، فقدمت في المهرجان مسرحيتين: الأولى "صلاح الدين"، وحضرها الرئيس اللواء محمد نجيب، والأخرى المسرحية الاستعراضية " 70 سنة" ليوسف وهبي، التي اشترك فيها أكثر من مائة ممثل وممثلة؛ حيث تقع المسرحية في خمسة عشر منظرا، تمثل كفاح مصر ضد الاستعمار؛ وذلك من خلال جهود: أحمد عرابي، عبدالله النديم، مصطفى كامل، محمد فريد، سعد زغلول، وثورة 1919.. إلخ.
وآخر ما نختتم به تاريخ هذا المهرجان المسرحي، خبر نشرته مجلة "الهلال" – في سبتمبر 1953 – تحت عنوان "قبيل الفجر"، جاء فيه: "تمثيلية شعرية ألفها حُزَين محمد سلامة في أربعة فصول، صور فيها الحياة المصرية قبل فجر الثورة المباركة، ومما كانت تعج به من عبث، واستهتار، وظلم، وعدوان، وفساد، واستبداد، ورشوة دنيئة في سبيل الحصول على الوظائف والصفقات والأتعاب، ولا سيما في حياة رجال الحاشية، وبعض الأثرياء، كما صور كيف بدأت يقظة الشعب، وكيف اتجه إلى الخلاص، وقد كتب أمين عبدالمجيد بجامعة فؤاد مقدمة تاريخية لهذه التمثيلية، فوصفها بأنها خير ما يخاطب به رجال الثورة أحاسيس الشعب، وتقرر إخراجها وتمثيلها بواسطة الفرقة المصرية للتمثيل المسرحي في مهرجانات 23 يوليو".