الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مواجهة الشائعات واجب وطني

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ستظل الشائعات إحدى أدوات الحرب النفسية التي تستخدم في كل زمان ومكان لتحقيق أهداف مختلفة، سواء في أوقات السّلم أو الحرب.. ومن الطبيعي أن تنتشر الشائعات أكثر في ظروف الأزمات والمخاطر وتوقع حدوث الكوارث، وتتزايد المبالغات المرتبطة بمثل هذه الموضوعات، مما يزيد من تعقيد الأمور، ويجعل التعامل مع المخاطر صعبا، وإدارة الأزمات معقدا.
ويطلق على الشائعات التي تنتشر في هذه الظروف، الشائعات المندفعة، التي تنتشر انتشار اللهب، وفي وقت بالغ القصر على مواقع التواصل الاجتماعي كما هو الحال في موضوع فيروس كورونا.. ومع العلم بأنه يصعب منع انتشار الشائعات تماما لأنها جزء من نسيج أي مجتمع وثقافته، وهي أداة فتاكة إذا لم نحسن التعامل معها، ومواجهتها بالصورة الفاعلة، والتقليل من مخاطرها وآثارها السيئة التي تصيب الجميع، ويصبح دور جميع أبناء المجتمع في هذه المواجهة واجبا وطنيا، لا يجب أن يستثنى أحد من الشرفاء والمخلصين المحبين لهذا الوطن الغالي.
وتأخذ الشائعات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة فيس بوك والواتس آب، مسارين أساسيين في هذه الفترة وهما شائعات المسار الصحي وشائعات المسار الأمني، وكلاهما على علاقة وثيقة بالآخر، فبالنسبة للمسار الصحي، يتم التركيز على نشر شائعات تتعلق بأن الدولة ما زالت تخفي الحقائق عن الرأي العام والمجتمع الدولي، وأن كثيرا من الأجانب المصابين بفيروس كورونا كانوا في مصر، وأن هناك حالات كثيرة موجودة في معظم المحافظات لا يعلن عنها، وأنه لا توجد إجراءات وقائية كافية، ووجود نقص في إمكانات المواجهة والتعامل مع المخاطر، وغير ذلك من الشائعات التي تهدف لضرب ثقة المواطنين في الدولة، والتقليل من دورها في إدارة الأزمات، وتسفيه ما تقوم به من إجراءات وقائية وعلاجية.
أما المسار الثاني للشائعات، فهو المسار الأمني الذي يتمثل في محاولات إثارة البلبلة والخوف والرعب والقلق في نفوس الناس، وضرب شعورهم بالأمن في مقتل، وكانت أكثر الشائعات انتشارا خلال الأيام الماضية هي أن هناك مجموعات من المجرمين يدخلون البيوت بحجة تعقيم المكان من فيروس كورونا، ثم يقومون بسرقة هذه الأماكن.. ويقول ناشروا هذه الشائعة إنهم يحذرون الناس من هذه المخاطر، ويذكرون في نهاية هذه الحكاية أن هذا التحذير صادر من عميد شرطة من الجيران، فمن هو عميد الشرطة هذا؟ وجيران مَن؟ وهل جيران المرسل أم المتلقي؟ وكيف أرسل تحذيره هذا؟ ولماذا لم يصدر التحذير عن وزارة الداخلية؟ وكل هذه الشائعات الأمنية امتداد للعديد من الشائعات المماثلة خلال السنوات الماضية، التي كان هدفها ضرب الشعور بالأمن لدى المواطنين، وتناولت خطف الأطفال، وسرقة الأعضاء البشرية وغيرها مما كانت تلقى تجاوبا من الكثيرين من عامة الشعب.
وفي كل هذه الحالات لم يذكر أحد أنه تعرض لمثل هذا الخطر، وجاء مجرمون لمنزله حاولوا سرقته، وحتى لو ذكر شخص ما ذلك، فلا يمكن الثقة به لأنه ربما يكون مغرضا، وصاحب مصلحة في إحداث هذه البلبلة، فضلا عن أنه لا يمكن التعويل على حالة فردية مفبركة، فلو كان ذلك حقيقيا كنا سنسمع عن جهود تقوم بها وزارة الصحة في هذا الموضوع، ويتم الإعلان عنها، هذا على الرغم من أن جانبا مهما مما نتعرض له هو التشكيك في مصداقية الدولة ووسائل الإعلام، مما يمهد لزيادة القابلية لتصديق ما يُحاك، ويتم تناقله بهذه الصورة السريعة.
والسؤال المهم هنا: كيف يمكن مواجهة الشائعات والتغلب على مخاطرها كأحد واجباتنا الوطنية؟ أول خطوة لمواجهة الشائعات هو تنمية الوعي لدى الناس بالفرق بين الشائعة والخبر، لأنه مع التقدم التكنولوجي الرهيب واتساع نطاق مواقع التواصل الاجتماعي أصبح من الصعب لدى الكثيرين التمييز بين الخبر والشائعة، ويحدث انتشار للشائعات على أنها أخبار، فالشائعة تنتشر في غياب المعايير المؤكدة لصدق ما يتم تداوله. وعلى الرغم من صعوبة أن نجزم بتوفر معايير الصدق، فإن الخبر المشمول بتاريخه والمنشور في جريدة مشهورة في متناول القراء، أو الذي يعلن عنه في إحدى القنوات الفضائية الموثوق بها، ومنسوب لأحد المسئولين الكبار ربما يتخذ دليلا على الصدق، وهذا ما يحدث الآن، حيث تعلن وزارة الصحة يوميا آخر التطورات المتعلقة بفيروس كورونا، وعدد الحالات المصابة، وما تم بخصوصها، والحالات الجديدة التي تم اكتشافها.
أما بالنسبة للشائعات، فنجد أن دليل الصدق معتم وغامض، بل وغائب، وينحصر معيار الصدق في ضمير الغائب دون ما تحديد لما يعود عليه. وفي أحيان أخرى يكون معيار الصدق مائعا لا يمكن الإمساك به، فلا تتعدى الرواية التي يتم نشرها الصيغات الشهيرة: سمعت من فلان.....أو قالوا.... أخبرني مسئول في وزارة الصحة..... أو كل الناس تتحدث في هذا الموضوع.... أو نقلا عن أحد المواقع الإخبارية دون ذكر اسم هذا الموقع... أو علمت من مصدر ثقة... أو أخبرني أحد أصدقائي أو زملائي موضع الثقة..... أو غير ذلك مما لا يمكن الإمساك به أو الوصول إليه.. وفي كل هذه الحالات نكون بصدد شائعات لا يمكن تصديقها لغياب الدليل على صدق ما ينشر أو يقال.
وتتمثل الخطوة الثانية في تقليل الغموض المرتبط بالموضوع الذي يحظى باهتمام الناس في اللحظة الراهنة، فالشائعة تنتشر في ظل عاملين أساسيين هما أهمية موضوع الشائعة والغموض الذي يحيط بهذا الموضوع وعدم توفر المعلومات الكافية عنه، والعلاقة بينهما علاقة تضاعفية، أي أن الشائعة تنتشر نتيجة حاصل ضرب عامل الأهمية في عامل الغموض، ولما كان من الصعب إزالة أهمية الموضوع لدى الناس، فإن تقليل الغموض الذي يرتبط به يكون هو السبيل لإيقاف مسار الشائعة وعدم تصديقها.
وهو ما يتم بصورة مميزة من قبل المسئولين في وزارة الصحة وعلى رأسهم الوزيرة، فهي تقدم يوميا البيانات الدقيقة بنفسها، إما في مؤتمرات، وإما لقاءات تليفزيونية أو تصريحات صحفية منسوبة إليها.. وكل ذلك من شأنه أن يزيد من ثقة المتلقي في الأخبار الموثقة التي يسمعها، ومن ثم يقلل من استعداده لتصديق ما يسمع أو يشاهد من روايات وحكايات غير حقيقيةن وعليهم أن يستمروا يوميا بتقديم كافة المعلومات عن فيروس كورونا وتطوره وعدد الحالات الجديدة التي أصيبت، والوضع الصحي للحالات المصابة، وغير ذلك من الحقائق التي يتم إبلاغ منظمة الصحة العالمية بها، ويجب أن يتعرف عليها كل أبناء الوطن.
والخطوة الثالثة هي تفنيد هذه الشائعات وعدم تمريرها لأي سبب، وأن يبذل العقلاء جهودا مخلصة على مواقع التواصل الاجتماعي لإقناع أصدقائهم بصدق المعلومات الرسمية التي تقدمها الدولة، وضرورة الثقة بها لأن ذلك واجب وطني على الجميع، وأن الحفاظ على أمن واستقرار الوطن مسئولية الجميع.. والعمل على تفنيد ما ينشر وبيان عدم صدقه بل وعدم معقوليته، فهل يصل الحال لدى بعض الرموز والمثقفين أن يمرروا حكاية يذكر في نهايتها أن عميدا من الجيران هو الذي يحذر الناس بالمخاطر، فلا بد أن نعي وبثقة تامة خطورة الحرب النفسية الشرسة التي يشنها علينا أعداء وطننا، وتوظيف قنوات فضائية عديدة تبث سمومها من الخارج على مدى أربع وعشرين ساعة، مما يجعل الأمر صعبا لدى الكثيرين في التمييز بين الشائعة والخبر، ويجعلهم يميلون إلى تصديق ما يسمعونه دون أدنى مستوى من التمحيص النقدي، والقدرة على تفنيد الأقوال التي يسمعونها، والبحث عن معيار الصدق الذي يكون غائبا في كل هذه الافتراءات والأقوال المغرضة.
وإن شاء الله سوف نتجاوز هذه الأزمة، فكل العاملين في وزارة الصحة جنود مخلصون يبذلون قصارى جهدهم للحفاظ على صحتنا ورعايتنا الرعاية الواجبة بكل إخلاص وتفانٍ في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها الوطن، ويجب علينا مساندتهم والثناء على جهودهم، بدلا من الاستخفاف بهم والتقليل من قيمة ما يقومون به، وكفانا استهزاء وسخرية في ظروف لا تحتمل ذلك، علينا جميعا واجب وطني في التصدي لكل الشائعات التي تهدف للنيل من وطننا، سواء كنا واعين بذلك أو غير واعين، مدركين للمخاطر أو غير مدركين.
فحتى اليوم لم تتجاوز الإصابات بالفيروس (59) حالة طبقا للبيانات الرسمية التي أعلنتها مصر ومنظمة الصحة العالمية، وهذا دليل على المصداقية من شأنه أن يقلل من مخاوف الناس وقلقهم، وزيادة ثقتهم في الأخبار الرسمية والمعلومات التي تعلن، فلا يمكن الآن إخفاء أي معلومة مهما كانت لأن ذلك ليس من صالحنا، فضلا عن أن الإجراءات الوقائية التي تقوم بها وزارة الصحة في الموانئ والمطارات جيدة، وكذلك إجراءات الحجر والرعاية الصحية للحالات المشتبه بها أو المصابة فعليا، ولا داعٍ لتعزيز حالة الخوف والقلق والرعب التي تنتاب البعض من خلال بث الشائعات المغرضة والهدامة، وزيادة وعي المواطنين بالإجراءات الوقائية التي يتعين عليهم الالتزام بها، وهي بسيطة للغاية، وتم نشرها في سياقات عديدة.