الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

خطر "أرينا" يهاجم القمح.. مبيد فاسد دمر 20% من المحصول الاستراتيجي.. "الزراعة" توقف استخدامه.. الفلاحون: "خراب بيوت" ونطالب بالتعويض.. وخبراء: تعديل قانون المبيدات أصبح ضرويًا

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تسبب مبيد «أرينا ٧٪» في تدمير ٢٠٪ من محصول القمح هذا العام في العديد من المحافظات، وطالب المتضررون بصرف تعويضات مناسبة عن المحصول، خاصة أن المبيد كان يباع بالجمعيات الزراعية، وأكد المزارعون أن وزارة الصحة حاولت إنقاذ الموقف باستخدام المغذيات، لكنها فشلت في إنقاذ الأراضي ووقف الخسائر. 
من جانبها، قررت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي تعليق استخدام المبيد الأزمة الذي تسبب في خسائر محصول القمح، وجاء هذا الإجراء بعد تسببه في تلف بعض المساحات المنزرعة بالقمح رغم أنه يستخدم لمكافحة الحشائش التي تصيب القمح، واتخذت وزارة الزراعة خطوات في جمع عبوات تلك المنتج من الأسواق والتحفظ عليها بواسطة قسم الرقابة على المبيدات بالمعمل المركزي للمبيدات بالتنسيق مع شرطة البيئة والمسطحات، مع تعليق استيراد كميات جديدة منه لحين اتخاذ الإجراءات التي تضمن عدم تكرار ذلك مستقبلًا.


وأوضح تقرير رسمي، أصدرته لجنة المبيدات، برئاسة الدكتور محمد عبدالمجيد، أن تقارير تحليل المبيد التى تمت بمعرفة المعمل المركزى للمبيدات بمطابقة المبيد للمواصفات من الناحية الطبيعية والكيميائية، توضح أنه لم يتم اكتشاف متبقيات للمبيد في نباتات القمح أعلى من الحدود المسموح بها، حيث تم الكشف عن نسبة قليلة من مبيد Flurasulam (٠.٠٠٧ ملليجرام/ كجم) وهو أحد مكونات مبيد أرينا ٧٪ OD، مشيرا إلى أنه لتفادي تكرار مثل هذه الظواهر فإن اللجنة بصدد اتخاذ قرار بمنع استخدام أي مبيد للحشائش بأكثر من معدل استخدام واحد.
وتابع عبد المجيد، إن تقرير المعمل المركزي لبحوث الحشائش أوضح أن السبب في سمية المبيد لنبات القمح يرجع إلى وجود أخطاء في التطبيق أو عدم مطابقته للمواصفات مع التوصية بإرساله إلى المعمل المركزي للمبيدات لتحليله، موضحا أن هذا المبيد موصى به من العام ٢٠١٦/٢٠١٧ وخلال فترة تجريبه بمحطات البحوث في السنوات الماضية لم يسجل أي أضرار على محصول القمح وحاليًا يتم تقييم المركب مرة ثانية في محطات الجميزة والسرو ولم يسبب أى سمية لنبات القمح.


كارثة بيئة
ووصف حسين عبدالرحمن أبوصدام، نقيب الفلاحين المبيد بالكارثة البيئية والزراعية، وأشار إلى أن عددا كبيرا من مزارعي القمح بمحافظة المنوفية، اشتروا مبيدا لمكافحة الحشائش الضارة «حشيشة الزمير»، التي تنمو في زراعات القمح من الجمعيات والإدارات الزراعية الحكومية لقرى ومركز تلا بالمنوفية إلا أنهم اكتشفوا أن المبيد «أرينا ٧٪» كارثة أباد محاصيلهم من القمح. وطالب بلجنة من مجلس النواب لتقصي الحقائق وتعويض هؤلاء المزارعين ومعاقبة المسئولين عن هذه الكارثة. 
وأكد «أبوصدام» أن محصول القمح محصول استراتيجي، والإضرار به هو إضرار بالأمن القومي الزراعي، بالإضافة إلى أن أزمة المبيدات الزراعية غير الصالحة والمغشوشة حذرنا منها مرارًا وتكرارًا، ولكن لم نكن نتوقع أن تلك المبيدات تنتقل من المحلات إلى الجمعيات الزراعية، وأوضح أن معظم الصادرات الزراعية التى نصدرها لدول الخليج مثل السعودية والإمارات وغيرها من الدول يتم ترجيعها مرة أخرى بسبب متبقيات المبيدات الموجودة فيها.
وتابع أبوصدام، أن مصر تستخدم مبيدات ونسب غير مصرح بها عالميًا، بالإضافة إلى أن الفلاح البسيط لا يعرف إذا كانت تلك النسب مصرح بها أم لا، لأن تلك المبيدات تمر على مركز البحوث الزراعية ومعمل متبقيات المبيدات، وأكد أن المشكلة التى حدثت في محصول القمح في وجه بحرى مثل المنوفية والبحيرة وغيرها من المحافظات لم تكن الأولى.. وأوضح أن معظم المبيدات الموجودة في مصر في الوقت الحالي ينقصها الرقابة من قبل وزارة الزراعية وينقصها الجودة الاهتمام بصحة الإنسان والحيوان، مشيرا إلى أن معظم مشكلات المبيدات الموجودة حاليا في السوق سببها المبيدات المصرية لأنه يتم غشها وتصنيعها بصورة عشوائية ولا يفكرون إلا في الربح فقط لأنهم لا يهتمون بجودة المنتج.
وأضاف أبوصدام، أن محصول القمح تضرر بشكل كبير بسبب المبيد الذى انتشر في الفترة الأخيرة موضحًا أن محصول القمح تضرر منه أكثر من ٢٠٪ بسبب ذلك المبيد تحديدا، بالإضافة إلى أن المشكلة ما زالت قائمة ولم يتم حلها حتى الآن والخسائر في زيادة مستمرة ولابد وأن يكون هناك حلول سريعة، قائلا: «الزراعة في مصر في خطر بسبب تلك المبيدات لأن تلك المبيدات لا تؤثر فقط على محصول القمح ولكن يمتد ضررها إلى جميع المحاصيل الزراعية مثل محصول الطماطم والبطاطس والبصل وغيرها من المحاصيل التى تعد محاصيل إستراتيجية.
وأكد أبوصدام أن مصر ليس لديها وعى كامل بالمبيدات أو استعماله ولا يوجد فلاح يستخدم المبيدات مثل فلاح آخر، الفلاح بشكل عام لا يطلب اسما أو نوع مبيد معين ولكن يذهب للجمعية الزراعية أو محل المبيدات ويشرح له الأزمة التي يوجهها ويقوم موظف الجمعية أو صاحب المحل بإعطائه مبيد على حسب وصفه.
وقال إن وزارة الزراعة لا تهتم بالفلاح، وذلك يؤثر بشكل كبير على الزراعة والصادرات الزراعية مع أن مصر تعد دولة زراعية في المقام الأول ونعتمد بشكل كبير على توفير العملة الصعبة من الصادرات الزراعية.. وطالب أن يكون هناك اهتمام من قبل وزارة الزراعة بالفلاحين وأن يكون هناك سيستم متكامل بحيث لا يحتاج الفلاح أي شيء بعيدًا عن وزارة الزراعة بمعنى أن يكون كل مهمة الفلاح الزراعة والإنتاج فقط، والأفضل أن يتم تطبيق الزراعة العضوية في أقرب وقت لأنها مفيدة وصحية ولا تدخل فيها المبيدات الزراعية أو الأسمدة لذلك تطبيقها سيوفر مبالغ ضخمة إلى جانب أن الاتجاه إليها سيجعلنا نلغي المبيدات الزراعية تمامًا.


مصانع بير سلم
فيما وصف الدكتور محمد عبدالهادي قنديل، أستاذ سمية المبيدات بكلية الزراعة جامعة القاهرة، الوضع بـ«الصعب للغاية»، وقال إن مشكلة المبيدات زادت بصورة كبيرة في الفترة الأخيرة، مؤكدا أن المبيدات الفاسدة والمغشوشة تضر بالجميع سواء كانت الدولة أو الفلاح أو المواطن وتؤثر بالسلب على المحصول الزراعي.
وشدد على ضرورة أن يكون هناك وقفة من قبل المسئولين عن الزراعة في مصر، بحيث يكون هناك تحديد من المسئول عن دخول تلك المبيدات إلى مصر، والمسئول عن بيعها في الجمعيات الزراعية، ولابد وأن يكون هناك دور قوي وفعال لشرطة المسطحات المائية للتصدي لتلك المبيدات ومواجهتها بشتى الطرق، من خلال حملات على منافذ البيع والمحلات غير المرخصة.
وأوضح «عبدالهادي» أن معظم المبيدات المغشوشة تصنع تحت بير السلم، مع العلم أن تلك المصانع تعمل في الخفاء دون الحصول على التراخيص اللازمة من وزارة الزرعة، قائلا: «خاصة هذا النوع من المبيدات قاتلة وتضر بصحة الإنسان والحيوان وتسبب أمراضا خطيرة، مثل أمراض الفشل الكلوي وأمراض الكبد والسرطنات الخاصة بالرئة والبورستاتا.
وطالب بالتصدي لتلك المبيدات ومواجهتها بشتى الطرق للحفاظ على الأراضي الزراعية والمحاصيل، بعد انخفاض معدلات الإنتاج الزراعي ونسبة التصدير وارتفاع الواردات في الفترة الأخيرة، مؤكدا أن سبب كل ذلك فساد المبيدات وغشها، لافتا إلى أن أكثر من دولة منعت الاستيراد من مصر وحظر منتجاتها بسبب متبقيات المبيدات الموجودة في الفاكهة والخضراوات.


جهاز الإرشاد
فيما قال الدكتور جمال صيام، خبير الاقتصاد الزراعي، إن انتشار المبيدات الزراعية وزيادتها بصورة كبيرة تعد كارثة كبيرة تهدد المجال الزراعي، خاصة عندما تكون المبيدات المغشوشة موجودة داخل الجمعيات الزراعية، وهي الجهة التي من المفترض أن تحارب تلك المبيدات والقضاء عليها.
وأوضح «صيام» أن وجود تلك المبيدات في الجمعيات الزراعية جريمة، ولابد من إجراء تحقيق في أقرب وقت من قبل الجهات المختصة والحكومة عن المتسبب في دخول تلك المبيدات إلى الجمعيات.. وطالب بتفعيل دور جهاز الإرشاد الزراعي الذي بدوره يقوم بتوعية الفلاحين بطرق استخدامها وخطورتها، وأن يكون الاعتماد على مصادر موثوقة لشراء المبيدات وجميع مستلزمات الإنتاج الزراعي.
وتساءل «صيام» أين دور وزارة الزراعة في هذا الشأن والوقوف بجانب الفلاح في الفترة المقبلة لزيادة الصادرات الزراعية والنهوض بالاقتصاد المصر، وأوضح أن مصر تعد من أهم الدول في منطقة الشرق الأوسط في المجال الزراعي، لذلك لا بد من الاستفادة بتلك الخبرات وتخطى تلك الأزمات لكي نصبح من أكثر الدول المتقدمة في مجال الزراعة.


فوضى سوق المبيدات
وكشف الدكتور خليل المالكي، خبير المبيدات بمركز البحوث الزراعية، عن أن فوضى سوق المبيدات، مشيرا إلى انتشار المبيدات المغشوشة بصورة كبيرة، والتى تضر بمصلحة المحاصيل الزراعية من ناحية التلوث وتضر بالإنتاجية، وأرجع ذلك إلى ضعف الرقابة على سوق المبيدات سواء في القائمين على الرقابة في المعمل المركزى للمبيدات أو في وزارة الزراعة.
وأكد «المالكي» ضرورة الاهتمام بالرقابة على المبيدات من قبل وزارة الزراعة، وأن يكون هناك تدريب كوادر من الجهات التي يوجد لديها عمالة زائدة عن الحاجة وإدخالهم في منظومة الرقابة على المبيدات لسد عجز العنصر البشري، والذي يعد سببا مهما ورئيسيا في انتشار تلك المبيدات.
وأوضح «المالكي» أن هناك قصورا في قانون غش المبيدات، مشيرا إلى أن القانون الحالي يتعامل مع غش المبيدات على أنها قضية غش تجاري وعقوبتها لا تزيد على غرامة أو حبس ستة أشهر، وتلك العقوبة ليست رادعة بالنسبة للذين يقومون بعملية الغش، مطالبا بتعديل القانون، ووجود مادة تنص على أن من يقوم بغش المبيدات يعتبر قضية شروع في قتل وإتلاف مزروعات لأنه يضر بصحة الإنسان والحيوان.
كما أكد «المالكي» ضرورة توعية المزارعين، وطالبهم بسرعة إبلاغ شرطة المسطحات المائية عن أي تاجر يقوم ببيع تلك المنتجات، قائلا: «لا بد من تضافر جهود شرطة المسطحات المائية والمنوط بها القيام بهذا الدور تجاه المبيدات المغشوشة وغير صالحة للاستخدام».
وشدد خبير المبيدات بمركز البحوث الزراعية على ضرورة عمل دورات تدريبية لشرطة المسطحات المائية والعاملين بها لمعرفتهم بالمبيدات الحديثة التى دخلت السوق في الفترة الأخيرة، خاصة أن معظم المبيدات الموجودة في السوق لا تصلح للاستخدام لأن معظمها مغشوش ومصنوع في مصانع تحت بير السلم، لذلك يجب غلق أى مصنع أو محل تجارى يضبط لديه تلك المبيدات، بالإضافة إلى سحب رخصته ومنعه من مزاولة مهنة التجارة في المبيدات نهائيًا، لأن وزارة الزراعة هي التي تملك التراخيص الخاصة بتلك المصانع والمحلات.
وكشف «المالكي» أن المعمل المركزي للمبيدات يوجد به قسم للرقابة على المبيدات، ولكن الأعداد البشرية الموجودة به لا تكفي إلى جانب الرقابة على المحلات بأخذ العينات من المبيدات المستوردة وتحليلها ونقلها للمعمل، كما طالب بدور للإرشاد الزراعي في تلك القضية لأن خطر المبيدات من قضايا الأمن القومي.


استمرار الاستيراد من الخارج
كشف تقرير رسمي لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي عن إجمالي الاستيراد من القمح من دول شرق أوروبا وآسيا، بلغ 10 ملايين طن قمح و97 ألفًا و160 كيلو عام 2018، وتشير الأرقام الرسمية إلى أن مصر تستورد ما يُقارب 55% من احتياجاتها من الأقماح سنويًا، ويُقدر الاستهلاك السنوى بنحو 16 مليون طن، في حين أن الإنتاج المحلى من القمح يتراوح بين 7 إلى 8 ملايين طن سنويًا، وهو ما يجعل من مصر على رأس قائمة الدول عالميًا، مُنذ موسم 2008/2007، كأكبر مستورد للقمح، حيث تستورد مصر ما يُقارب 7 ملايين طن قمح سنويًا ويصل في بعض الأحيان إلى 10 ملايين طن، من دول روسيا ورومانيا وأوكرانيا، لمنظومة رغيف الخبز المدعم فقط.
الفلاحون: المبيد دمر المحصول
التقت «البوابة نيوز» ببعض الفلاحين الذين تضرروا من استخدام مبيد «أرينا ٧٪»، وقال محمد جمعة مزارع، بمحافظة المنوفية، إن محصول القمح أصبح لا يصلح بسبب هذا المبيد الذى دمر أكثر من ٢٠٪ من إجمالى محصول القمح هذا الموسم. 
وأضاف، المبيد كان يباع في الجمعيات الزراعية وليس من أحد المحلات كما يدعى البعض، مؤكدا أن المبيد قضى على القمح وأصبحت الأرض لا تستخدم للزراعة ولابد من إزالة القمح وتروية الأرض وإزالة أكثر من ٣٠ سم من التربة لكى تصلح للزراعة فيما بعد.
وطالب جمعة، أن يكون هناك تدخل من قبل وزارة الزراعة لصرف تعويضات للفلاحين عن الأضرار التى لحقت بهم خاصة أن الفلاحين يعتمدون بشكل أساسى على محصولى الذرة والقمح في تسديد مبالغ الأسمدة والتقاوى وغيرها من التكاليف التى زادت بصورة كبيرة في الفترة الأخيرة.
فيما أكد عمرو العبد، أحد المزارعين المتضررين، أن الفلاح يضطر لشراء أصناف كثيرة من المبيدات المغشوشة والنتيجة خسائر بالملايين، وأضاف محصول القمح أصبح لا يصلح بسبب مبيد أرينا الذي استخدمناه في زراعة القمح والذي يتبع شركة الشورى»، وتابع العبد، أن الشركة تلك متعاقدة مع الزراعة وتورد لها المبيدات وتباع في الجمعيات الزراعية رغم ثبات عدم جودة المبيد على مدى الفترة الماضية وخلال تجريب مع أكثر من محصول، موضحًا أننا قمنا بشراء ذلك المبيد من الجمعية الزراعية في ظل الأزمات التي حدثت مؤخرًا بسبب المبيدات المغشوشة التي تباع في محلات المبيدات.
وأضاف حررنا محاضر في قسم الشرطة ضد شركة الشورى المنتجة للمبيد الفاسد، وفوجئنا بمساع من جانب الشركة للتنازل عن المحاضر في المقابل تعويضات، وبعض المزارعين قبلوا بالتعويض والبعض الآخر أصر على استمرار الشكاوى ومحاضر الشرطة.