السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

جرائم السلطان التركي 4.. "سنوات سوداء".. الدخول في نفق مظلم على يد الأتراك.. وسليم الغازي جرد كنوزها حتى رخام الأرضيات نقله إلى إسطنبول

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عانت مصر في ظل الحكم العثمانى من التدهور، في جميع المجالات سواء الاقتصادية، أو الزراعية أوالصناعية، أو الاجتماعية، فالعثمانيون رغم عمر دولتهم الطويل الذى امتد نحو ٦ قرون لم يخلفوا وراءهم معلما حضاريا واحدا يحمل اسمهم.
وأجمع المؤرخون على أن حكم الولاة العثمانيين لمصر هو أسوأ فترة شهدتها في تاريخها الإسلامى، وتسبب في أطول فترة اضمحلال وسبات عميق في العصر الإسلامى، وفقدت مصر موردًا اقتصاديًا هائلًا، واقتصرت صلاتها التجارية على حوض البحر المتوسط والسودان وبلاد الحبشة والحجاز واليمن.


وينقل عن المؤرخ المصرى ابن إياس الذى عاصر الغزو العثمانى لمصر أن سليم الأول أمر بجمع ألفين من المصريين من رجال الحرف والصناعات وكبار التجار والقضاة والأعيان والأمراء، وأرسل بهم للقسطنطينية، كما عمد العثمانيون مع بداية ولايتهم لنزع ما في بيوت مصر والقاهرة وأثمن ما فيها من منقول وثابت، حتى الأخشاب والبلاط والرخام والأسقف المنقوشة ومجموعة المصاحف والمخطوطات والمشاكى والكراسى النحاسية والمشربيات والشمعدانات والمنابر ونقلوها إلى اسطنبول.
كما ذكر الرحالة ليون الأفريقي في درة أعماله «وصف أفريقيا»، التحولات التى شهدتها مصر على يد العثمانيين قائلا: «في خارج القاهرة قرب باب زويلة توجد قلعة السلطان المشيدة على رأس جبل المقطم، أسوارها شاهقة متينة، وتكتنفها قصور بديعة يعجز القول عن وصفها، وهى مفروشة بقطع من المرمر مختلفة الألوان منسقة بكيفية عجيبة، سقوفها كلها مكسوة بالذهب وأحسن الألوان، ونوافذها مزدانة بالزجاج الملون مثل ما يشاهد في بعض أماكن أوروبا، وأبوابها الخشبية منقوشة بفن رائع مزدانة بالألوان مموهة بالذهب، كل ذلك اختفى، وأمر السلطان، بخلع الفسيفساء وأعمدة الرخام ثم نقلها معه إلى إسطنبول».
وقال ليون الأفريقي في كتابه أنه شاهد تخريب ضريح السيدة نفيسة على يد الإنكشارين ونهبوا كنوزه و٥٠٠ ألف دينار أموال الصدقات.
لقد كان العثمانيون ينظرون للمصريين بنظرة تعال واحتقار، وقصروا الوظائف الإدارية على نفس عنصرهم التركى وعنصر المماليك الشركسى، فانحط المستوى الاجتماعي للشعب المصرى، وشاع الاعتقاد في السحر والخرافات، وراجت أسواق المشعوذين والدجالين، وقل ظهور العلماء وانحطت اللغة العربية نتيجة استخدام اللغة التركية كلغة رسمية للبلاد.
وضع الأتراك نظام حكم هدفه الأساسى ضمان بقاء تبعية مصر للدولة العثمانية يقضى بتوزيع السلطة على ثلاث قوى يكون لها من التشاحن والتنافس ما يضمن ضعف هذه الهيئات والتجاءها الدائم إلى الباب العالى بالآستانة، وهى الوالى والجيش والمماليك.


وكانت السلطة الرئيسية في يد الوالى يعينه السلطان لفترة قصيرة تتراوح ما بين سنة وثلاث سنوات، ووظيفته نقل أوامر السلطان والعمل على تنفيذها واختيار حكام الأقاليم وإرسال الخراج للسلطان كل عام والإنابة عنه في جميع المناسبات الرسمية.
ولإبقاء سلطة الوالى تحت السيطرة، دشنت الدولة العثمانية القوة الثانية وهى الديوان الذى يمثل هيئة الرقابة على الوالى، وقام السلطان سليم بتقسيمه إلى الديوان الأكبر المكلف بالأعمال المهمة وله الحق في إيقاف أوامر الوالى والرجوع إلى ديوان الدولة العثمانية، وكان يرأس جلساته وكيل الوالى ويتشكل من الضباط والعلماء.
وتمثلت القوة الثالثة في المماليك الذين تولوا سلطة المحليات، وكانت مصر مقسمة إلى ١٢ إقليما تولى إدارتها المماليك من خلال حفظ الأمن والنظام وتقوية الترع والمصارف ووضع تسعيرة للسلع ومراقبتها وجباية الضرائب.
نظام الحكم الذى وضعه العثمانيون كان أهم أسباب تدهور الأوضاع، حيث كان الولاة يصبّون اهتمامهم على جمع المال عن طريق الضرائب التى فرضوها على المصريين والحصول على أكبر قدر من المنافع، ولم يشغلوا أنفسهم بما يمكن وصفه بتحقيق تنمية وتطوير حقيقى.
هذه الأوضاع السيئة انعكست بطبيعة الحال على كل مجالات الحياة في مصر فالزراعة انهارات بسبب إهمال إنشاء الترع والمصارف وتكبيل الفلاح بالتزامات كبيرة جعلته يهرب بحثا عن مصدر رزق آخر كما تدهورت الصناعة نتيجة نقل العمال المهرة إلى عاصمة الدولة العثمانية.
الخلاصة أن الدولة العثمانية فرضت عزلة عالمية على العرب، بحجة حمايتهم من الاستعمار الأوروبى، رغم أنها منحتهم تسهيلات تحولت إلى امتيازات مهّدت للهجمة الاستعمارية الشرسة على الدول العربية وعلى رأسها مصر بعد ذلك، مما أسفر في النهاية على وقوعها فريسة سهلة في يد الفرنسيين بقيادة نابليون بونابرت في يوليو ١٧٩٨، وفشلت الدولة العثمانية في الدفاع عنها، ولم يكتشف المصريون حجم الدمار الذى لحق ببلادهم منذ عام ١٥١٧ إلا مع مدافع الحملة الفرنسية.