الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"البوابة نيوز" تضع روشتة حماية المجتمع من حوادث الانتحار

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لحظة فارقة بين الحياة والموت، دقائق قليلة تفصل الإنسان بين هذه الحياة التى قرر أن يتركها.. وبين الموت الذى قرر أن يذهب إليه طواعية أو مرغما، هذا سر لا يعلمه سوى من اتخذ هذا القرار.


تفكير مشوش لا يستطيع الإنسان أن يميز به بين ما يجب عليه فعله وبين ما هو مُساقٌ إليهِ، دون وعى ودون تحكم كأنه تحت تأثير مخدر، نبضات قلب تتسارع تعجز عن إيقافه عن قراره الذى لا رجعة فيه حسبما يرى، أنها آخر خمس دقائق قبل أن يُقدِمَ الإنسانُ فيها على الانتحار بمحض إرادته أو مسلوبًا منها.
من قرر أن ينهى عمره في لحظة لم يفكر فيمن سيحزنون لفراقه أو فيمن سيتركهم وراءه يحملون له ذكرياتٍ مختلطةً بالدموع، لم يفكر في مستقبله الذى اختار أن ينهيه الآن، ولكن لا يرى سوى تلك الغشاوة التى نزلت على عينيه فأعمته عن رؤية الحياة وأخذته نحو الموت الذى قرر أن يختم به مصيره. تساؤلات عديدة نطرحها لنصل إلى أسرار هذه الدقائق الأخيرة في حياة المنتحر، في ماذا يفكر؟ ولماذا قرر الانتحار؟ وما دور المجتمع والدين ووسائل التواصل الاجتماعي في هذا القرار؟، وكيف يمكن تقليل نسبة معدلات الانتحار ومواجهة هذا السلوك الذى يقضى على حياة الإنسان؟.
في الآونة الأخيرة انتشر على السوشيال ميديا واقعة انتحار شاب في كلية الهندسة من أعلى برج القاهرة، مما تسبب في حزن الجميع، خاصة أن المشهد تم تداوله من خلال كاميرة مراقبة، فكان الحادث أشد تأثيرا على كل من شاهد مقطع الفيديو.

وقبل أيام لقى شابٌ مصرعه دهسًا تحت عجلات المترو بمحطة أرض المعارض بالخط الثالث، بعدما ألقى بنفسه أمام القطار لحظة دخوله للمحطة، وفارق الحياة في الحال.
وفى شهر يوليو من العام الجاري، قام شاب في المنوفية ببث فيديو مباشر على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وهو يشكو سوء معاملة والده ولن يستطيع أن يكمل الحياة ويقوم بشنق نفسه أمام المشاهدين.
وفى شهر أكتوبر الماضي، أنهى طالب يبلغ من العمر ١٦ عاما حياته بشنق نفسه بمحافظة قنا؛ لمروره بأزمة نفسية وحالة اكتئاب حادة طبقا لشهادات طبية موثقة، تثبت معاناته من هلاوس وانفصام بالشخصية واكتئاب حاد.


الانعزالية السبب
يقول الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع والإعلام السياسي، إن مصر ترتيبها تقريبا ١٥٣ في معدلات الانتحار، ولكن الذى يحدث أن الإعلام يبرز حالة واحدة ويثير ضجة حولها ويلصق الاتهامات بأسباب سياسية أو اقتصادية خاصة بأحوال البلد، وهذا ما يسعى إليه الإعلام المضاد للدولة، أما إذا تناولنا قضية الانتحار بشكل موضوعي، فسنجد أن من أبرز أسبابها هو الانعزالية التى تجعل الإنسان فريسة للاضطرابات النفسية وعدم القدرة على التأقلم وهذا يتم أخذه في الاعتبار، وأغلب المنتحرين من الشباب وليس البنات؛ لأن الضغط يكون أكبر على الشاب الذى لا يستطيع الوصول إلى مرحلة تحمل المسئولية والقيام بالالتزامات المطلوبة منه، فيستقر في وجدانه أنه فاشل لا يستطيع القيام بشيء، ومن هنا تأتى أولى خطوات التفكير في الانتحار ومن ثم اتخاذ القرار.
ويشير سعيد صادق إلى أن الذى يقرر أن ينتحر لا شيء يوقفه، وهناك فارق بين من يقرر الانتحار ومن يفكر في الانتحار، فالذى أخذ القرار لن يرى شيئا يمنعه وبداخله إيصال رسالة للمجتمع بأنه مجتمع سيئ وأنا كاره لكم، فيقوم بإلقاء نفسه من أماكن عالية لجذب الانتباه وإثارة الرأى العام، وهذا جزء من المشكلة، وهو الانتحار الاستعراضي، ويتجمع الناس ويصورون ويتناقلون الخبر، فلا بد من وجود توعية بموضوع الانتحار، ونريد أن نؤكد على أن نسبة الانتحار في مصر ليست من النسب العالية عالميا، وتوجد دول أقل مننا اقتصاديا وتكثر فيها حالات الانتحار؛ لذلك فأنا لا أعدها ظاهرة حيث يوجد في مدارسنا وجامعاتنا ٢٢ مليون طالب ونسبة الانتحار تكاد لا تذكر قياسا بهذا العدد، ولكن علينا الأخذ في الاعتبار برفع معدل التوعية في التعليم والإعلام والاهتمام الزائد بالإخصائيين الاجتماعيين والاهتمام بالنشء والمراهقين وملاحظة المرضى النفسيين، ووضع الحلول المجتمعية المباشرة.

نشر فيديو الانتحار
وعن نشر فيديو الانتحار، يلفت الدكتور جمال جبريل، أستاذ القانون الدستوري، إلى أنه لا توجد في القانون نصوص لتجريم نشر الفيديو عن واقعة انتحار طالب الهندسة من أعلى برج القاهرة، وأما إذا تحول الانتحار عندنا لظاهرة وقتها يجب وضع قوانين لتجريم مثل هذه الأفعال للحد من انتشارها، ولو اعتبرنا نشر فيديوهات الانتحار من باب العبث بحرمة الموتى فهذه في القانون جنحة، ولكن لا يوجد قياس في التجريم، بحيث لا يمكن اعتبار أن من ينشر فيديوهات الانتحار، هو يعبث بحرمة الموتى فالقانون ليس فيه ذلك.
ويبدى جمال جبريل تعجبه ممن يسترخص حياته بهذه الصورة، فهذه مسألة تحتاج إلى دراسة، وهى مسألة خطيرة جدا موجودة منذ زمن، ونحن الآن تقريبا يوميا توجد حالة انتحار وأغلبها من فوق البرج أو تحت القطار وكل يوم نسمع عن ذلك، وعن دور القانون في الانتحار يوضح أنه ليس للقانون علاقة بالانتحار، فأنا سمعت إعلاميا يمزج ويقول لا بد من تشديد العقوبة على المنتحر، بالطبع هذا كلام غير منطقي، ولا نستطيع في حالات الانتحار تحديد متهم أو توجيه تهمة وتجريم لفعل ليس خاضعا في باب الجريمة ولا يوجد على تجريمه نص قانوني.

علماء الدين والفتوى
نشرت دار الإفتاء المصرية على صفحتها فتوى حول حكم المنتحر، وجاء في نص الفتوى: «الانتحار كبيرة من الكبائر وجريمة في حق النفس والشرع، والمنتحر ليس بكافر، ولا ينبغى التقليل من ذنب هذا الجرم وكذلك عدم إيجاد مبررات وخلق حالة من التعاطف مع هذا الأمر، وإنما التعامل معه على أنه مرض نفسى يمكن علاجه من خلال المتخصصين».


الانتحار من الكبائر
وتعليقا على ذلك، تقول الدكتورة إلهام شاهين أستاذ العقيدة والفلسفة بكلية الدراسات الإسلامية، إن الانتحار من الكبائر التى يخلد صاحبها في النار، وليس المنتحر بكافر ولكنه يخلد في النار، مثل المنافق الذى يظهر حبه للإسلام وفى الحقيقة هو يسعى في محاربة الإسلام وتشويه الإسلام، المشكلة أن المنتحر بالتأكيد لا يثق في رحمة الله تعالى وأى إنسان في الدنيا يبتليه الله لكى يرى مدى صبره ورضاه بالابتلاء ويختبره، والمؤمن يصبر ويرضى أما من يقنط من رحمة الله وييأس من رحمته في الدنيا والآخرة فهذا يهرب بالانتحار، فثقته ضعيفة بالله، وقال النبى محمد «مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِى يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِى بَطْنِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ»، والأحاديث كثيرة حول عقاب من يقتل نفسه يتعذب بنفس الوسيلة التى أزهق بها روحه لأنه هو من اختارها بنفسه، ولا يمكن أن نحكم بالكفر على أحد ما لم يقر بنفسه بكلمة الكفر، ولا يعنى أن المنتحر مخلد في النار ألا نترحم عليه فيجب أن نكون رحماء وندعو بالرحمة له ويقبل الله منا أو لا هذا الله به أعلم.
وتتابع شاهين قائلة: «إن المرض النفسى ليس بمبرر في الأفكار الانتحارية، ولكنه مبرر للتقرب من الله والمحاولة على مواجهة أنفسنا الأمارة بالسوء، فالمريض نفسيا هو يأسه من نفسه أولا قبل يأسه من الأشياء الأخرى خارجه، فمرضه ناتج من ضعفه الداخلى وضعف ثقته بنفسه، فلا بد للإنسان المريض نفسيا أن يخرج من دائرة ضعف ثقته بنفسه والانغلاق على نفسه، ويرى الابتلاءات في المجتمع حوله حتى يعرف النعمة التى في يده، فيذهب للمستشفيات ويرى حال المرضى الحقيقيين، ويرى المرضى العقليين فعلا كيف حالهم، والمرض النفسى يمكن أن يتحول إلى عقلى من طول التفكير والتركيز مع الأفكار السيئة ممكن أن يتحول لمرض عقلي، فيجب أن يخرج من دائرة الانغلاق على نفسه ويرى المبتلين حقا، والرسول يقول: كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح، فجزع، فأخذ سكّينًا فحز بها يده، فما رقأ الدم حتىٰ مات، قال الله تعالىٰ: بادرنى عبدى بنفسه، حرمت عليه الجنة، وقد لا تنجيه أعماله الصالحة في الدنيا حال ارتكابه لهذه الجريمة الشنعاء من العقاب إلا من رحم الله، ونوضح أن المسلم مُبتلى والمؤمن الصادق يعلم أن هذه الدّار ليست دار راحة، بل هى دار عناء وتعب، ومواجهة هذه المتاعب لا بد لها من إيمان ويقين».


مجتمع سلبى
وعن الأسباب، تقول إلهام شاهين: «نحن مجتمع سلبى ولا نملك إلا الكلام بين بعضنا البعض، ولا نملك إلا المواساة والطبطبة، أما المريض فيحتاج أن تأخذ بيده فعليا وتقف إلى جانبه، فيوجد شباب صغير يائس وفاقد الأمل يحتاج إلى من يمد إليه يده، فإذا كان لدى أحد منا في المجتمع أن يساند أحدا ويقف بجواره فلا يتردد في ذلك، وهذا مسئولية مجتمعية تتعلق بنا جميعا، وأنا حين أتكلم مع صديقتى أو أخى أو أقاربى يجب أن أشعرهم بأن الدنيا فيها خير من خلال الفعل فالمرض النفسى معالجته ليس بالكلام وإنما بالصمت، فجميع الوساوس التى تجتاح عقل المريض يجب أن يفعل عكسها، فالشفاء لن يأتى إلا من داخل المريض نفسه».

الوقاية خير من العلاج
وتختتم كلامها بطرق العلاج من الناحية الدينية، فتؤكد أنه توجد قاعدة وهى «الوقاية خير من العلاج»، فمن البداية عندما يأتى هاجس أو وسواس يخيفك لا بد من طرده فورا وعدم التفكير فيه كثيرا، فكثرة التفكير في الشيء والكلام عنه يزيده في داخلنا ومن الممكن أن يتخذ من الواقع ذريعة، ولكن دائما الوساوس غير حقيقية ولكنها أوهام، ويجب ذكر الله كثيرا ألا بذكر الله تطمئن القلوب، فمهما جاءت وساوس داخل الإنسان أن الله بعيد عنه ولا يشعر به ولا يساعد في شفاء الإنسان ولا يطمئنه فهي غير حقيقية وهي أوهام.



الاكتئاب العقلى
ويصرح الدكتور جمال فرويز، استشارى الطب النفسي، بأن الشخص المصاب ببعص الأنواع من الأمراض النفسية تظهر عليه الكثير من العلامات التى يجب على من يعيش معه الانتباه لها وسرعة التوجه به إلى طبيب نفسى لبدء العلاج، ومنها الاكتئاب السوداوي، وهو من أخطر الأمراض النفسية التى تؤدى إلى الانتحار، ويعرف بأنه «الاكتئاب العقلي»، وهو نوع من أنواع الاكتئاب العظمى، الذى يتسم بالنظرة السوداوية، ويؤثر على عمل المصاب ودراسته وعلاقاته الاجتماعية، ويصيب الفرد في حالة تعرضه إلى ظروف نفسية قاسية، مما يجعل الأفكار السلبية البائسة تسيطر على تفكيره، وفى هذه الحالة يكون هذا الشخص خطرا على نفسه وعلى أفراد أسرته أو من يعيش معه.
ويتابع، كذلك مرض الفصام واحد من الأمراض التى يؤدى إلى الانتحار إذا لم يتوجه المصابون به للعلاج، في الغالب يكون مرضى الفصام انطوائيين ومنعزلين عن المجتمع وعن أسرهم ولا يفضلون الاختلاط كثيرا في العمل أو التجمعات، ويكون المريض بهذا المرض أكثر عرضة للهلاوس السمعية التى تتمثل في سماع همسات وأصوات لأشخاص غير موجودين وأوامر من مجهولين لتشجيعهم على الانتحار في بعض الحالات، وأنصح بالاهتمام بالمريض بشكل خاص في هذه الفترة، وأيضا مرض الوسواس القهرى هو كذلك واحد من الاضطرابات النفسية التى تؤدى في بعض الأحيان إلى الانتحار، والوسوسة تؤدى في الغالب إلى الشك والتوهم بالمرض وعند تملك فكرة معينة على عقله لا يستطيع السيطرة عليها خاصة الأفكار السلبية.
ويضيف دكتور جمال أن المريض الذى يعانى من الاضطرابات النفسية التى تستدعى لتدخل الطبيب ولاتخاذ العلاج من خلال العقاقير أو الجلسات حتى لا تتدهور حالته وتصل إلى الانتحار، وأن الكثير من المرضى الذين يعانون من الأمراض العضوية المزمنة والقاسية، مثل السرطان أو الإيدز والأمراض الخطيرة معرضون كذلك لاضطرابات نفسية شديدة في مراحل العلاج المختلفة، والمريض العضوى يتأثر بالحالة النفسية خلال تلقيه العلاج بشكل كبير، لذلك يجب مراعاة الحالة النفسية للمريض العضوى خاصة في فترة العلاج حتى لا تتملك الأفكار السلبية عقله وتتراجع حالته الصحية، ووفقا لإحصاءات منظمة الصحة العالمية، يموت شخص كل ٤٠ ثانية منتحرًا، ومقابل كل شخص منتحر يوجد أكثر من ٢٠ شخصًا حاولوا الانتحار، ويبلغ عدد المنتحرين سنويًّا ٨٠٠ ألف منتحر.
ويطالب جمال فرويز بإرجاع كل تخصص إلى متخصصيه، فرجل الدين مختص بالدين ورجل الطب مختص بالطب، فلا يناقش رجل الدين حالات الانتحار ويشخص الحالة فهذا مرض في المخ يتم فحصه بالرنين المغناطيسى يتم تشخيص حالات الوسواس والانفصام والأمراض النفسية، فهو يتخلص من ذاته نظرا لكراهيته الشديدة لنفسه وللمجتمع، وأنا كطبيب أؤكد لك ذلك حيث يوجد بروتوكول نلتزم به وطرق متبعة لمعالجة الشخص الذى يعانى من الرغبة في الانتحار، وعمل جلسات تنظيم إيقاع كهربة المخ، وإبلاغ الصحة النفسية بتقرير شامل عن الحالة، فعلى مريض الاكتئاب والذين يعانون من عدم الرغبة في الحياة التوجه للطبيب النفسي.


نماذج غير حقيقية
وعن دور السوشيال ميديا في وقائع الانتحار بما لها من صلة مباشرة من خلال نشر فيديوهات الانتحار أو البث المباشر لعملية الانتحار، يؤكد المخرج تامر الخشاب، أن مواقع التواصل الاجتماعي يظهر عليها نماذج غير حقيقية لا تعبر عن واقعها كما هو في الحقيقة، فعلى سبيل المثال الشاب الذى يريد أن يظهر نفسه معشوقا للنساء يفعل ذلك على الواقع الافتراضي، والشخص الذى يريد أن يظهر في صورة الثورجى والمناضل يفعل ذلك في العالم الافتراضي، فالشخص الذى لم يكن يستطيع أن يرسم شخصيته بالشكل الذى يريده لنفسه في الواقع بدأ يفعل ذلك في العالم الافتراضي، والذى عنده نقص مالى أو اجتماعي يبدأ يصور نفسه بهذه الصورة في العالم الافتراضي، فكأن الأمر داخله مبارزة تحدث بين البعض لا نعلم حقيقتها ولكنها أدت بالبعض إلى الوقوع في الاكتئاب والشعور بأن الجميع سعداء وناجحون ومستمعون بحياتهم إلا أنا، وهذا في أغلبه غير حقيقى مثل الذى يصور نفسه دائما مع زوجته وأطفاله لتأكيد أنه سعيد معهم هذا سببه الشعور بالنقص، والذى يصور نفسه مع المشاهير والفنانين يريد أن يعوض شعوره بالنقص فمن المستحيل أن ينشر شخص أذى تعرض له أو شيئا يخجل منه أو مشكلة تعرض لها داخل بيته أو مع زوجته.
ويشير إلى أن العالم الافتراضى غير حقيقى حيث يظهر عليه فقط ما يريد البعض أن يظهروه للآخرين، ولكن مشكلة مواقع التواصل تكمن في زرع شعور لدى البعض بالتأثر عند رؤية الشاب أثناء الانتحار في خلق حالة من التعاطف معه أو بالشعور بانتشاره بين الناس مما يهيئ البعض لتقبل ارتكاب نفس الفعل لكسب تعاطف الآخرين ولفت انتباههم، ونحن حتى لا نعرف لماذا أقدم الشخص على الانتحار فليس من الضرورى أن كل انتحار سببه الأزمات النفسية والاكتئاب فأعلى نسب الانتحار تنتشر في الدول الأكثر رفاهية، ولكن السوشيال ميديا تجرئ الناس على الانتحار لما لها من مردود إيجابى قد يراه البعض في فكرة الإقدام على الانتحار، وأنا حزنت كثيرا من فكرة نشر فيديو طالب الهندسة وهو يقفز من أعلى برج القاهرة بهذا الشكل على السوشيال ميديا لأن الانتحار يكمن فيه فكرة شيطانية يطرحها الشيطان في عقول الناس بنسب متفاوتة فيبدأ التفكير لدى الأشخاص للإقدام على الانتحار، فيظن البعض أن الانتحار سينقله إلى عالم خيالى آخر فيتسبب في فضول لدى البعض بالرغبة في الانتقال إلى هذا العالم.


مجتمع يجرى نحو المال
فيما تقول دكتورة سامية خضر، الغريبة في الموضوع أننا لا نعرف ملابسات ووقائع من يقوم بالانتحار فنحن هكذا نعمل في الخيال فمن الممكن أن المنتحر يتعاطى المخدرات أو مصدوم عاطفيا أو يعانى من دراسته، ومن المُلاحظ أن الانتحار ينتشر في الدول الجليدية لأن العلاقات الإنسانية ضعيفة، أما الدول الحارة فتكون العلاقات الإنسانية أكثر دفئًا ولكن في مجتمعنا نفقد دفء العلاقات الإنسانية بالتدريج، فالأب لا يرى أولاده بسهولة والأم لا تجلس مع أولادها بسهولة وأنا أرفض عمل المرأة ليلا خارج بيتها بعيدا عن أبنائها، فلا أحد يعلم حال الأبناء هل يشعرون بالوحدة أم يشعرون بالتنمر عليهم أو يتعرضون للإهانة فهناك عناصر متداخلة لا بد أن نتفهم حقيقتها وعادة الشاب الصغير المراهق تكون عاطفته زائدة في الغالب.
وتكمل سامية خضر قائلة، نحن في مجتمع يجرى نحو المال والجميع ينظر إلى غيره ونسى القيم والعلاقات الجميلة ودفء الأسرة نفسها فعدم الرغبة في الحياة قد يكون لها أسباب كثيرة منها الأمراض النفسية ومنها المخدرات ومنها البعد عن القيم والدفء والعلاقات الجميلة، نحن نسينا الكلمة الطيبة صدقة، وذهب اللين والتراحم فكثر القتل وكثر الانتحار، فيجب العودة إلى دفء الأسرة ويجب تفعيل دور الإخصائيين الاجتماعيين، والاهتمام بالأنشطة الجامعية ولكننا نفتقد قيام كل شخص بدوره كما يجب، وكذلك الاهتمام بدور الإعلام التوعوى الذى يوجه الناس ويخاطب عقولهم، ونحن نعانى حاليا من التأثر بمعاناة بعضنا البعض فالاكتئاب قد ينتقل بين الناس كالعدوى، وأخير لا بد أن تكون هناك قدوة يتم الرجوع إليها.