حفر الشاعر الإنجليزي "جون ميلتون" اسمه بين أبرز الشعراء الإنجليز، عبر قصيدته الشهيرة "الفردوس المفقود" التي تعتبر من أعظم الأعمال الشعرية في اللغة الإنجليزية؛ وقد نشأ في العاصمة البريطانية لندن في بيئة يغلب عليها طابع التدين الممتزج بقدر كبير من الالتزام، وكذلك عرف عن هذه الأسرة حبها الشديد للعلم، حيث يذكر التاريخ أن جده عانى كثيرًا في عصر الملكة اليزابيث، وذلك بسبب اعتناقه للمذهب الكاثوليكي.
ومن المعروف أيضًا أن أباه كان شغوفا بالموسيقى، وكان مؤلفا وملحنا موهوبا، وربما كان حب ميلتون للموسيقى نابعا من تقاربه الدائم بأبيه، لذلك امتدت روافد العطاء من الأب للابن، ولا شك أن الموسيقى تركت بصمات لا يمكن تجاهلها على آرائه، حيث كان يرى أنها وسيلة مهمة لجعل الشعر أكثر فعالية وتأثيرًا.
شارك ميلتون الكثيرين من شعراء النهضة وقدرته على استخدام الأساطير الكلاسيكية بطريقة جادة في إطار من الشعر الديني، حيث كتب بكتابه الكثير من الأعمال الدينية وكان من أشهرها "الأعمال الإلهية والأيام" والتي تعطي نبذة عن خلق العالم ومسيرة الإنسان داخل هذا العالم، كما يتحدث أيضًا عن سقوط الإنسان بسبب آثامه المتكررة.
كان ميلتون مولعًا بالحرية وأولاها اهتمامًا كبيرًا، وكان واضحًا في كتاباته، واتخذ رأيا عجيبًا في هذا الصدد فكان دائمًا يقول: "الكفاح من أجل الحرية يتمثل في لغة التمرد"، وربما كان في ذلك متأثرا بالأفكار السائدة في عصره حيث كانت حياة الفرد المسيحي عبارة عن صراع تقليدي يتم بين النفس البشرية التي كانت أشبه ما تكون بميدان للقتال، وطرفًا المعركة هما المسيح والشيطان وكان يتصارعان من أجل الفوز بهذه النفسية البشرية.
يرى ميلتون أن الصراع ينشأ نتيجة للصدام بين إنسان صالح وعالم ظالم وليس نتيجة لأخطاء وذنوب هذا الإنسان، ويوضح في قصيدته "الفردوس المفقود" كيفية فقدان إنسان للجنة بسبب طاعته، ثم بعد ذلك يعرض الأسباب التي أدت لسقوط الإنسان حيث يروي قصة آدم وحواء مع الشيطان، وكيف استطاع الشيطان أن ينجح في إغوائهما بشتى الطرق من أجل معصية الله، وذلك عن طريق تحريضهما على الأكل من الشجرة التي تعرف بشجرة المعرفة.
