الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حواديت عيال كبرت١١١.. تأملات ليلية في عقارب الساعة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من ذا يوقف ذلك الهدر من العمر في ليالي الشتاء الطويلة، تلك التي كان يقتلها تجمع الأهل والأصدقاء، وتلك الكتب التي كانت مليئة بالونس، ممحاة الزمن سارت على كل كلمات الدفء فمحتها، صوت المذياع بح، وتوارت الألفة خلف شاشات باتت تصدر ضجيجا مقيتا، انفضت موائد السمر وباتت حكايات القرى عداوات جعلت الليل ضيفا ثقيلا تنغلق أمامه الأبواب والنوافذ رافضة استقباله.
ليل يعوي كذئب منفرد لا يصمد أمامه نباح صفحات التواصل الاجتماعي المتشابهة، أبواب موصدة أغلقتها الأيام عنوة، حينما أكلت الغربة أرواحنا، وسرقت أطيط نعال الأطفال من الشوارع، وأفرغت مدواة الحب فهجرت الحبيبات مخادعهن، أين رحل الناس؟
أبحث عن أصدقائي الذين استأذنتهم قبل سنوات لبضع دقائق وهم يركضون على أجولة القمح، حتى أذهب إلى دارنا لاطمئن جدتي العجوز أني ألعب بجوارها، دفعت الباب لم أجدها هناك، وقفت أفكر أين ذهبت؟ ربما فكرت لسنوات قبل أن أعود إلى أصدقائي فلم أجدهم ولا أجد أجولة القمح ولا حتى الجرن الكبير الذي كنا نركض فيه فنسابق الريح.
حبيبتي تلك التي كان ظلها ينعكس من ضوء القمر فتنير حارتنا، هي الأخرى لملمت ضفائرها وغادرت على غير عادتها مع أن أوراق التاريخ على جدارنا ما زالت تؤكد أننا في أولى الليالي القمرية.
صوت أبي الذي كان يؤنس الجدران لكيلا تأخذها سنة من نعاس فتميل، ابتعد ثم اختفى لا أدري، أم أن طبقة من التيه غطت أذني ومنعتني من سماعه مع أن وقع ترنيمته مازال في قلبي.
لم يعد شيء يربط بيني وبين هذا الليل سوى أقصوصات من زمن مضى، أخفيتها حتى لا يأكلها الحريق في عقلي.
أحاول استعادة مشهد واحد من تلك التي مضت لكني أفشل في إتمام أركانه، فلو نجحت في إقناع أم أكلثوم أن تغني لي هذه الليلة، فكيف أقنع حبيبتي أن تسمعها، لو أخرجت الورقة والقلم لأكتب، من ذا يستطيع أن يقنع الكلمة أن تأتي، ولو جاءت فلمن أقرأها وكل الحاضرين في ذاكرتي سئموا من ثرثرة الليل فوضعوا أصابعهم في أذانهم.
كل ليلة أنتظر الصبح أن يأت حتى يستيقظ الكون، حتى لا أكون وحيدا، لكني كل صبح اكتشف أنني ظلمت الليل والوحدة كانت في نفسي.
ربما تعجلت في ضبط عقارب ساعتي، قدمت عقرب الساعات فيها وكان من المفترض أن أؤخره، بل كان من المفترض في وقت ما أن أنزعها من يدي أو أنزع منها بطارية الشحن، فقط لبعض الوقت، لفصل الوقت، ليبقى الوقت ولو قليلا، فقارئ التاريخ قد أخطأ في حساب عمري، وكان لا بد من أن يكون أكثر إنصافا ويسقط منها بعض ساعات من ليل.