الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

بوابات السعادة الإلكترونية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يبدو أن المقولة التى انتشرت قديمًا «من يبحث عن السعادة لا يجدها» ستفقد قيمتها الآن. فهذا الشخص الذى كان يتجول من مكان لمكان ومن بلد لبلد ومن قناة إعلامية لقناة أخرى بحثًا عن وقت سعيد يملأ به حياته الحزينة أو حتى المملة، ولن تجده بعد اللهاث وراء شيء يسعده يخبرك أن السعادة بعيدة المنال، وأن أمامه الكثير من السفر والكثير من المجهود حتى يصل لما يريده. فالسعادة الآن تصل للمنازل بأسلوب توصيل الطلبات إلى المنازل.
ظهرت فى خجل منذ نحو خمس سنوات مجموعة من البوابات الإلكترونية أطلقت على نفسها «بوابات السعادة» كتب فى أعلى صفحة مقدمة إحداها «نحن لا نحتاج لأكثر من ابتسامة حتى نستدرج السعادة، وهنا سنجد الابتسامة». تمثل هذه الجملة الاستراتيجية الأساسية لبوابات السعادة. هذه البوابات ببساطة تقدم لك مجموعة من المعطيات التى تجعلك تبتسم بعد أن تدخل على التصنيف الذى يناسب اختيارك، ستقدم لك السعادة فى تصنيفات مختلفة منها: (الموسيقى السعيدة، والرسوم الجرافيكية السعيدة، والأشعار السعيدة، والفيديو السعيد، والموقف الكوميدي، والسينما الكوميدية). حين تختار ما يناسبك تبقى فترة طويلة فى أجواء التصنيف الذى اخترته.
يرى جيرارد هانكس أستاذ الطب النفسى بجامعة ليد أن بوابات السعادة تلك تساعد على إنتاج السعادة المؤقتة لدى مستخدميها، إلا أنها سعادة بطريقة النبضات تنتهى حالما تغلق الجهاز الذى يصدرها لك، بل والأسوأ أنها سعادة تنتهى بمجرد أن ترفع عينيك عن الصفحة وتنظر حولك، لذا علينا أن نحذر جميعًا من هذه السعادة، لا سيما وأنها تحقق الإدمان السريع، فالإنسان يدمن الأشياء التى تحدث وتتحرك لديه بصفة منتظمة، إذا ما حققت لديه أثرًا عاطفيًا معينًا، حتى ولو كان لا يريد هذا الأثر العاطفي، يمكن النظر للأمر تماما كما يمكن النظر لعلاقة المدمن بالعقار الذى يدمنه تمامًا. إذا هجر المدمن بوابات السعادة يحتاج للتعويض عنها بسعادة أخرى، والواقع لا يحفل بتلك البهارات وعوامل الإبهار التى تذخر بها البوابات الإلكترونية، كما وأنه قد يحيلك لحالة من الوحدة، إذ إن التواصل فى الحياة الافتراضية يكون أسهل من الواقع لأنه تواصل تصممه أنت. أنت من يحدد متى يحدث التواصل ومع من والشخصية التى تحب أن تتواصل معها، وتصنع لنفسك تاريخًا وحاضرًا يناسبك، بل ومستقبلًا تنتظره على هواك. يسهم كل ذلك فى أن تكون السعادة التى تصلك عبر البوابات المختلفة مصممة كما تريد.
إن تطبيقات بوابات السعادة على أجهزة الهاتف المحمول، تزيد من تأثيرها قوة. إذ تزودك بإشعارات كل فترة تحددها أنت، وتفاجئك بمحتوى سعيد تطلبه بمواصفات معينة فى أوقات معينة، بل وبطريقة معينة. تعتمد هذه البوابات على تصميمك الشخصى للسعادة كما تريدها، وكأنها تقدم لك خيارًا بأن تسعد على طريقتك ولكن ضمن إمكانياتها المتاحة. فهل فكرت فى يوم من الأيام فى الإجابة على سؤال: «لو أتيح لى تصميم السعادة كيف سأصممها؟». إن تعليقات الكثير من المتعرضين لهذه المواقع تعلقت بهذا التصميم. يتعلق الكثير من هذه التعليقات بتساؤلات حول عجز هذه البوابات عن إمداد مستخدميها بالحب الحقيقى وبالمال، بل إن هذين الأمرين كانا سببًا هامًا فى هجر الكثير من المستخدمين لهذه البوابات، بعد إحباطات متكررة تعرضوا لها دون هوادة.
لا يعد الانخراط فى الحياة الافتراضية أمرًا سهلًا إذ أجمع الكثيرون من علماء بالنفس على أن الانفصال عن الواقع يعتبر سببًا رئيسيًا للاكتئاب، بل إن بلغ الأمر ببعضهم إلى التأكيد على أن كل المتعاطين مع الواقع الافتراضى مصابون بنسب متفاوتة من الاكتئاب، يزيد بزيادة عدد الصفحات والمنصات الإلكترونية التى يتعاملون معها، حتى أن بعضهم يرى من زيادة عدد مرات لمس الموبايل فى الدقيقة الواحدة عرضًا من أعراض الاكتئاب، فكيف يمكن نشر السعادة عبر وسيلة يرى بعض العلماء أن استخدامها لا بد أن يصاحبه قدر من الاكتئاب؟!
من ناحية أخرى يرى المستخدمون أن السعادة يمكن أن تأتى إليهم عبر العالم الافتراضى لأنه ببساطة يقترب من كونه عالمهم الذين يتعاملون معه ربما أكثر من العالم الواقعي، بل إن إنهم يرون أنه قد يسعدهم أكثر من الواقع لأنه لا يخلف وعده بصنع السعادة ولا يفاجئهم بزوالها، فهى موجودة ما دامت أجهزتهم مشحونة كهربائيًا. تنافى هذا الأمر مع ارتفاع معدلات الاكتئاب فعليًا بين صفوف من يستبدلون العالم الواقعى بالعالم الافتراضي. لا يعد الأمر غريبًا فى عالم بدأ يستبدل ذاته بمعلومات يتم تغذية أجهزة الكمبيوتر بها بسرعة نسبية. لم يأخذ هذا العالم احتياطات أمنية تمكنه أن يهرب من الآثار الجانبية لهذا الاستبدال، لا سيما أنه استبدال بلا رجعة، إذ لا يمكنك أن تعيد المعلومات لحالتها الورقية فى ملفات على أرفف بعد أن جعلتها رقمية. ما عليك الآن إلا أن تعالج الآثار الجانبية حتى تفسح الطريق للخطط الرقمية حتى تحقق أهدافها. لا تنسَ أن تلك الأهداف قد وضعناها نحن بإرادتنا فى البداية، ولا يمكن أن تنكر المبدع لما أبدعه.