الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

«حكاية مكتبة الإسكندرية القديمة» كتاب يرصد أسرار أول مكتبة حكومية في التاريخ

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تمتعت الإسكندرية بشهرة واسعة عقب غزو الإسكندر الأكبر للشرق وتأسيسه المدينة، حيث جمعت المدينة بين الكثير من شعوب العالم وأظهرت خليطًا جديدا، وخلال العصر الهلنستى، الذى يؤرخ لازدهار الحضارة اليونانية خارج حدودها حيث الشرق، ظهرت مكتبة الإسكندرية، التى صنعت عالمًا أسطورية حقيقيًا حول المدينة والمكتبة على حد سواء.
ووفق كتاب «حكايات مكتبة الإسكندرية القديمة» للكاتب حسام الحداد، الصادر حديثًا فى طبعته الرابعة عن دار «إنسان» للنشر والتوزيع، فإن المكتبة تعتبر حصيلة جهد بطولى سجله التاريخ، وهنا يتبنى المؤلف رأى كارل ساجان عالم الفلك الأمريكى الذى وصفها «كانت المكتبة الأسطورية عقل ومجد أعظم مدينة على الكوكب، وأول مركز للأبحاث العلمية فى تاريخ العالم»، وذلك عندما يبدأ الـ«تمهيد» بقوله «المعرفة كانت هنا».
أنشأ المكتبة ديمتريوس الفاليرى المكتبة بتكليف من بطليموس الأول، وهو سياسى وفيلسوف أثينى زامل الإسكندر فى دراسته على يد أرسطو فى مدرسة المشائين الفلسفية، وجمع نواة المكتبة وهو فى بلاد اليونان، وقد أطلق المؤلف على الفاليرى إلى جانب الملكين الأول والثانى من البطالمة أنهم نالوا شرف بناء المكتبة، إذ كان بطليموس الأول هو الذى أمر بتأسيسها وتنظيمها على نفقته، ثم أكمل خلفه بطليموس الثاني.
يفرق الحداد بين كون المكتبة أول مكتبة حكومية عامة فى العالم القديم، اكتسبت شهرة واسعة، ليست لأنها أولى مكتبات العالم، فمكتبات المعابد الفرعونية كانت معروفة عند قدماء المصريين، ولكنها أول مكتبة حكومية، ترجع عظمتها إلى أنها حوت كتبًا وعلوم الحضارتين الفرعونية والإغريقية وبها حدث المزج العلمى والالتقاء الثقافى والفكرى بين علوم الشرق وعلوم الغرب.
يتناول الفصل الأول «الإسكندرية القديمة.. نظرة عامة» تاريخ تأسيس المدينة، الذى خُطط لها أن تكون مدينة عالمية تشبه مدينة صور فى أوجها التجارى والبحري، خططها بينوكراتيس الروديسى أعظم المهندسين المعماريين، وبنيت على مساحة ضيقة من الأرض، وقسمت إلى أربعة أحياء.
تأسيس المدينة جاء لسياسة الإسكندر فى الخروج إلى الشرق، وأن يكون ملكًا شرقيًا وخليفة لملوك الفرس العظام، وقد كانت موطنًا لكل الشعوب وملتقى القارات.
وفى الفصل الثانى «جامعة الإسكندرية القديمة وعلماؤها» يخالف المؤلف رأى المؤرخين حول اعتبار الإسكندرية كانت موطنا لأقدم جامعة متكاملة عرفها التاريخ القديم ليضرب المثل بأسبقية جامعة أون القديمة، ويشير إلى تميز جامعة الإسكندرية بالطابع العلمى على يد ستراتون، الذى حاول أن يقيم الطبيعيات على أساس تجريبي، فهو إلى جانب الفاليرى أسسا «الموسيون» على جناحين من الأدب والعلوم، ومن ثم ساهم وجود «الموسيون» والمكتبة فى ازدهار الدراسات الإنسانية ذات الطابع العلمي.
وتتمثل الأبعاد الحضارية للمكتبة فى كونها ظلت لعدة قرون مركز للفكر الإنساني، كما أنها حوت مجموعات فريدة من المؤلفات العلمية والفلسفية والأدبية، وأصبحت ملجأ وملاذًا للمفكرين، وقد جاء إليها الطلاب من كل مكان.
جاء إلى المكتبة كثير من العلماء، وارتبط اسمها بأسمائهم، ويثبت المؤلف فى كتابه أسماءهم وتواريخ وجودهم الزمني، وأدوارهم العلمية والثقافية، وما قدموه للبشرية من فكر وعمل، فكان منهم: إقليدس من أهم علماء الرياضيات وله آثار باقية حتى اليوم، هيروفليوس من الأطباء، وقد وضع أسس علم التشريح من خلال تشريح الحيوانات، إريستاركوس طور الأفكار الكونية حول مركزية الشمس لما حولها من كواكب، أرازيستراتوس أبو علم وظائف الأعضاء، أرشيميدس عالم رياضيات وصاحب قانون طفو الأجسام، ديونيسيوس واضع قواعد اللغة والصرف، هيرون صاحب كتاب «القياسات»، بطليموس صاحب كتاب «البصريات»، جالينوس له أدوار كبيرة فى الطب والتشريح، ثيون فلكى يسجل كسوف الشمس، أفلوطين فيلسوف مصرى صاحب الأفلاطونية الحديثة، فهو شارح ومفسر لأفلاطون، ويشير المؤلف إلى أن فلسفته أثرت كثيرا على التصوف الغربي، فرفوريوس الصورى الذى ألف كتابًا عن حياة فيثاغورس، هيباشيا عالمة فلسفة ورياضيات وتعرضت للقتل على يد متشددين مسيحيين.
يقرأ الفصل الثالث «مكتبة الإسكندرية القديمة وتأسيس العلم الحديث» كيف كانت المكتبة صاحبة بذور النظرة العلمية الصحيحة، حيث يتتبع الكاتب بدايات العلوم فى المكتبة: الفلك- ساهمت الأفكار التى نشأت فى أحضان المكتبة فى كسر مركزية الأرض، وإثبات مركزية الشمس، وكانت الفكرة آنذاك صادمة للفكرة الدينية السائدة، وفى مجال تطبيقيات تكنولوجيا العلم قدمت المكتبة من الاختراعات التكنولوجية مثل بريمة أرشيميدس «الطنبور»، وفى الرياضيات والهندسة شهدت المكتبة وضع أسس الرياضيات والهندسة على يد إقليدس وأرشيمدس، وفى الجغرافيا كروية الأرض وقياس محيطها، وفى الطب قدمت التشريح ووصف الأعضاء وطبيعة النبض، وفى مجال التاريخ خرج أول كتاب يخلو من الخرافات وهو كتاب إيرانوسثينوس وذلك عن تاريخ اليونان وطروادة.
يناقش الكاتب فى فصله الرابع «حريق المكتبة» ويفند المقولات التى تفترض تورط يوليوس قيصر فى فناء المكتبة، ويذهب إلى أنه حرق مخزنا يحتوى على أوراق بردية، وأنه قد يعود الفناء إلى استهلاك الكتب دون ضخ نسخ جديدة، وذلك تماشيًا مع رأى الدكتور سليم حسن صاحب موسوعة «مصر القديمة»، إلى جانب تدخل أياد فى إنهاء تلك المكتبة مثل تعرضها للسرقة والنهب.
وفى قضية دخول العرب لمصر، وأن عمرو بن العاص قد يكون قد حرق المكتبة بعدما استأذن الخليفة عمر بن الخطاب، الذى رأى أن القرآن الكريم عوضنا عما فى هذه الكتب إن كان فيها خير وإن كان فيها شر فإن حرقها أفضل، وهنا لا يتدخل المؤلف، فقط يسرد الروايات التاريخية حول تلك المسألة، فثمة رواية عند عبداللطيف البغدادى فى «الإفادة والاعتبار»، ورواية عند ابن القفطى فى «مختصر تاريخ الحكماء» ورواية أبوالفرج المالطى فى «تاريخ مختصر الدول»، وتلميح للمسألة عند إيجون لارسن فى كتابه «تاريح التكنولوجيا- الكلمة المطبوعة»، ثم يختتم بدراسة وتحليل الكاتب والأديب جورجى زيدان للموضوع، ويفتقد المتلقى رأى المؤلف الذى وضع الروايات وترك الرأى الأخير للقارئ، لكنه قد ألمح إليه فى المقدمة بقوله: «إلا أن هناك روايات تؤكد أن فناء المكتبة فناء تامًا كان على يد عمرو بن العاص بعدما دخل الإسكندرية وأمر بإحراق مكتبتها».