الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

علي إسماعيل.. مشوار طويل من الإبداع الموسيقي والفني

على إسماعيل..
على إسماعيل..
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يحتل على إسماعيل مكانة كبيرة فى الحياة الموسيقية المصرية فى العصر الحديث، بما قدمه من إنجازات موسيقية متنوعة ومتميزة فى مختلف المجالات التى ارتادها؛ وقد تمتع على إسماعيل بموهبة موسيقية فطرية متدفقة، صقلها بالدراسة الواعية، وسيطر على كل ما يلزمه من علوم موسيقية، من لغة هارمونية وبوليفونية وبناء موسيقي، وكتابة للأوركسترا بآلاته المختلفة، وكلها علوم موسيقية يتطلب دراستها والتمكن منها سنوات طويلة من الجهد والعمل الشاق، وتساعد المؤلف الموسيقى موهبته الفطرية فى اختصار سنوات دراسته بدرجة أو بأخرى.

كان من حُسن حظ الموسيقيين المصريين الموهوبين أن عددا من كبار الموسيقيين الأوروبيين قد عاشوا فى مصر بعد الحروب الطاحنة التى خاضتها بلادهم، وافتتحوا معاهد خاصة لتعليم الموسيقا، وعملوا فى دار أوبرا القاهرة القديمة، فكان منهم الإيطاليون والألمان والروس وغيرهم؛ وهكذا أتيح للموسيقيين المصريين أن يدرسوا العلوم الموسيقية والعزف على الآلات الموسيقية المختلفة، فبدلا من أن يسافر الموسيقى المصرى الموهوب إلى أوروبا ليدرس فيها جاء الأستاذ إلى مصر وعاش بين أهلها، وأصبح متاحا لكل من يرغب فى الدراسة الجادة أن يجد الأستاذ الذى يُعلمه، وكان الموسيقيون العاملون فى الحياة الموسيقية المصرية يخصصون جزءا من دخولهم ليدرسوا مع هؤلاء الأساتذة.

وفى الذكرى الخامسة والأربعين على رحيله نلقى الضوء على حياة وأهم أعمال مؤلف الموسيقا المصرى الكبير على إسماعيل المولود بمدينة القاهرة فى الثامن والعشرين من ديسمبر ١٩٢٢، لأب موسيقى، ورث عنه «إسماعيل» حبه للموسيقى، وكان «علي» أكبر إخوته، وبعد حصوله على الشهادة الابتدائية انتقلت أسرته إلى مدينة السويس، وعاشوا فيها فترة من الوقت، وهناك التحق على إسماعيل بمدرسة الصناعات البحرية فى السويس، ولكن لم تستهويه تلك الدراسة، فهرب من السويس وتطوع فى موسيقات الجيش، ليشبع حبه للموسيقى، وكان عمره آنذاك أربعة عشر عاما، ولكن أبوه أخرجه من موسيقات الجيش، وألحقه بمدرسة الصناعات الزخرفية، فكان يهرب منها ويذهب لتعلم الموسيقا فى موسيقات الجيش وعندما افتتح المعهد العالى للموسيقى المسرحية فى القاهرة سارع على إسماعيل والتحق به، وفى نفس الوقت قام بالعزف فى الملاهى الليلية ليعول نفسه

موهبة مُبكرة

درس على إسماعيل فى المعهد عزف آلة الكلارينيت، وهى آلة نفخ خشبية، ونظرا لموهبته الفطرية المتميزة فقد ساعده ذلك على أن يحرز تقدما سريعا فى دراسته حتى تخرج فى المعهد عام ١٩٥١، وبعدها كوّن فرقة لعزف موسيقى الجاز. وبدأ نجمه يلمع، ولما كان موهوبا فى التلحين، فقد ظل يبحث عن شكل جديد للأغنية المصرية، فهداه تفكيره إلى تلحين الأغنية القصيرة التى يستغرق أدائها ثلاث أو أربع دقائق، ولينفذ فكرته استخدم ثلاث مغنيات يغنين معا «الثلاثى المرح» أو ثلاثة مغنين يغنون معا «الثلاثى الطروب»، وتقدم بالفكرة للمسئولين فى الإذاعة المصرية، فاشترط عليه رئيسها أن ينفذ الفكرة على نفقته الخاصة، فإن أجازتها لجنة الاستماع صرف له تكلفتها، وإلا رفض الموضوع برمته، ولثقة على إسماعيل فى قدراته، فقد وافق على شرط رئيس الإذاعة، ونجحت فكرته، ووافقت لجنة الاستماع عليها، وأذيعت الأغاني، وبذلك فتحت له تلك التجربة نافذة كبرى لتعرفه الجماهير العريضة من خلال أثير الإذاعة المصرية.

وكذلك فقد اشتهر على إسماعيل بكتابة التوزيع الموسيقى لأغانى غيره من الملحنين المصريين، وقد لاقت ألحانه لكبار المطربين والمطربات نجاحا كبيرا وتشجيعا وخاصة من الشباب، ومن المطربات اللاتى تغنين بألحان على إسماعيل «أحلام، ثريا حلمي، سعاد مكاوي، شادية، شريفة فاضل، صباح، عايدة الشاعر، لبلبة، مديحة عبدالحليم»، ومن المطربين «عبدالحليم حافظ، عبدالغنى السيد، عادل مأمون، كارم محمود، محمد عبدالمطلب، محمد العزبي، محمد قنديل، محمود شكوكو. بعد ذلك اتجه على إسماعيل لتأليف الموسيقى للأفلام الروائية المصرية ومنها «أبى فوق الشجرة، ثرثرة فوق النيل، مولد يا دنيا، أنف وثلاث عيون» من إخراج حسين كمال. وأفلام «إضراب الشحاتين، بين القصرين، زقاق المدق، قصر الشوق، شفيقة القبطية، هو والنساء، الخرساء، الراهبة، وانتهى الحب، حكايتى مع الزمان»، من إخراج حسن الإمام. للمخرج على رضا أفلام «أجازة نصف السنة، غرام فى الكرنك»، وللمخرج يوسف شاهين أفلام «الاختيار، العصفور، الأرض»، للمخرج حسام الدين مصطفى فيلم «أدهم الشرقاوى»، وللمخرج نيازى مصطفى أفلام «صغيرة على الحب، جناب السفير، عنتر بن شداد»، وللمخرج حلمى رفلة فيلمى «ألمظ وعبده الحامولي، معبودة الجماهير»، وغيرها الكثير من الأعمال.

كما ألف على إسماعيل الموسيقى للأفلام التسجيلية «لونابارك، فن العرائس، نفريتيي»، 

وألف الموسيقا لمسرحيات «النار والزيتون، الأرض، قصة الحى الغربي، إفتح يا سمسم، الحرب والسلام، كباريه.

أعماله الوطنية

قدم على إسماعيل العديد من المنجزات فى مجال الأغنية الوطنية، فأثناء العدوان الثلاثى على مصر عام ١٩٥٦، لحن على إسماعيل نشيد «دع سمائى فسمائى محرقة»، والذى غنته المطربة الكبيرة فايدة كامل، فكان لهذا النشيد أثره القوى على الجماهير وخاصة أهالى مدينة بورسعيد الباسلة، وكذلك فقد كان له إنجازاته الكبيرة فى حرب السادس من أكتوبر١٩٧٣، فقد كان قد سجل نشيد «رايات النصر» فى فيلم «العصفور» للمخرج الكبير يوسف شاهين، وتنبأ فيه باندلاع الحرب بين مصر وإسرائيل، وأن الجيش المصرى سيحقق نصرا كبيرا، هذا ما تنبأ به فيلم «العصفور» ولم يكن الفيلم قد عُرض بعد، وعندما أعُلن البيان العسكرى الأول عن اندلاع حرب أكتوبر ١٩٧٣، سارع على إسماعيل بالاتصال بيوسف شاهين، وطلب منه نقل نسخة صوتية من النشيد، وأسرع الاثنان إلى مبنى الإذاعة والتليفزيون وسلما تسجيل النشيد للمسئولين، وأذيع النشيد على الفور، فأسهم فى رفع الروح المعنوية.

وتوالت ألحان على إسماعيل لمساندة الروح المعنوية، للقوات المسلحة ولأبناء الشعب أثناء المعارك فقدم أغنية «رايحة فين يا عروسة يا أم توب أخضر» من كلمات زوجته الشاعرة نبيلة قنديل، التى شدت بها المطربة العظيمة «شادية»، وأتبعها بأغنية «أم البطل» كلمات نبيلة قنديل أيضا، وغنتها المطربة الكبيرة «شريفة فاضل»، التى استشهد ابنها فى الحرب، فقدمت الأغنية بكل مشاعرها، وصارت الأغنية تُعبّر عن مشاعر أم كل شهيد، وكذلك قام على إسماعيل بالتوزيع الموسيقى للأغانى الوطنية التى قدمها العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، والتى تعتبر تأريخا فنيا لإنجازات ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، ومنها «صورة، المسئولية، إحنا الشعب، وغيرها».

الساخر

فى ميدان المونولوج الانتقادى الذى يسخر من بعض الأوضاع الخاطئة فى المجتمع لإلقاء الضوء عليها بهدف إصلاحها، قدم منولوج «عيب اعمل معروف» غناء ثريا حلمي، و«فلوس الست» غناء محمود شكوكو. حصل على إسماعيل على العديد من التكريمات عن مشواره الفنى منها، «وسام العلوم والفنون عام ١٩٦١، الجائزة الأولى عن موسيقى فيلم «إجازة نصف السنة» عام ١٩٦٤، وسام من الملك حسين، شهادة تقدير من المهرجان العالمى التاسع بصوفيا عام ١٩٦٨، جائزة المهرجان القومى الأول للأفلام الروائية المصرية عام ١٩٧١، جائزة عن موسيقى فيلم «الأرض»، جائزة مهرجان جمعية الفيلم عن موسيقى فيلم «العصفور» عام ١٩٧٣، جائزة عن موسيقى فيلم «حكايتى مع الزمان» عام ١٩٧٣، جائزة الدولة التشجيعية فى التأليف الموسيقى لاسمه عام ١٩٧٥، جائزة تقديرية من جمعية «نقاد وكتاب السينما» فى مصر، عن مجموع الموسيقى التى ألفها للأفلام الروائية المصرية، وقد منحت لاسمه عام ١٩٧٥، ولعل أكبر تكريم ناله مؤلف الموسيقى المصرى الراحل على إسماعيل، عندما اعتبره الرئيس الراحل محمد أنور السادات من شهداء حرب السادس من أكتوبر ١٩٧٣، وقام بافتتاح متحف لمقتنياته فى منزله بحى الدقى بالقاهرة، فى حفل رسمى حضره كبار رجال الدولة ونقله التليفزيون المصرى على الهواء مباشرة، فكان ذلك خير تكريم له، ولكل موسيقى مصرى.

وأخيرا فقد احتل على إسماعيل مكانة رفيعة بين مؤلفى الموسيقى المصريين فى النصف الثانى من القرن العشرين، وقد تميز أسلوب «إسماعيل» بالتمكن من الكتابة للأوركسترا، وحسن اختياره للآلات الموسيقية التى تناسب ألحانه، مع استيعابه الكامل للموسيقى العربية، واستخدامه لآلات الموسيقى العربية مع الأوركسترا، للتأكيد على الطابع المصرى لمؤلفاته، وقبل ذلك وبعده فقد عبّر بصدق عن الروح المصرية، ونبعت مؤلفاته من صميم البيئة التى نشأ فيها، وبعد حياة فنية ثرية رحل على إسماعيل عن عالمنا فى السادس عشر من يونيو ١٩٧٤، فى مسرح فرقة الفنانين المتحدين بالقاهرة، وهو يضع اللمسات الأخيرة لتدريبات عرض مسرحية «كباريه».