الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

موسيقى بيتهوفن

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«إن كل عمل موسيقى يؤدى إلى إشعاع فكرى ولونى يتشكل فى صيغة قالب جمالى يسبح فى الفضاء، ويتم تحديد القيمة الجمالية للعمل الموسيقى وفقًا لهذا القالب الجمالى الروحى المحسوس». هذا الحديث الذى أدلى به المؤلف الموسيقى الشهير «سبريل سكوت» ينطبق على «بيتهوفن»، الموسيقى الفنان المبدع الذى أعطى للبشرية خلاصة فكره وحسه ونضاله ومأساته. كان عطاؤه تراثًا إنسانيًا رائدًا لكل اتجاهات التطور الموسيقى من بعده سواء أكان مسرحية درامية أم سيمفونية بحتة - كما أوضح ذلك يوسف السيسى فى كتابه: «دعوة إلى الموسيقى».
فى عام ١٧٩٨ بدأ «بيتهوفن» يشعر بالصمم - وهو التاريخ الذى حدده بنفسه لبداية الكارثة - وأخفى المرض على جميع الناس لأنه شعر بالمهانة والعذاب مع ما كان يشوه وجهه من مرض لازمه منذ طفولته، وهو آثار لمرض الجدري. كتب لصديقه الدكتور «فيجلريبون» يقول: «إن أذنى تصفر وتؤلمنى بشكل دائم ليل نهار، وإن الله وحده يعلم ماذا سيصير إليه أمري». إن صراعه مع المرض قد بدأ بعد لحظات اليأس هذه، وبدلًا من أن ينتحر أبدع أعظم إنتاجه. وكلما اشتد عليه الصمم، زاد إمكانية على سماع الأصوات الإلهية التى دونها فى موسيقاه. لذلك عندما وصل صممه إلى منتهاه أبدع أعظم أعمال البشرية على الإطلاق، أى «نشيد السلام» الذى دعا فيه إلى قمة الوحدة والحب والإخاء بين البشر.
كان «بيتهوفن» كلاسيكيًا رشيقًا فى سيمفونيته الأولى ولم يسمح لآلام أذنيه ولا أوجاعه العاطفية أن تتدخل فى تشكيل وجدان اللحن أو مضمونه. ولكن سيمفونية «البطولة» الثالثة أصبحت مجالًا خصبًا للتعبير الشخصى ولتدخل أحاسيسه بغير موضوعية مجردة، لقد وجد فيها متنفسًا للإفصاح عن إعجابه ببطل كان يراه يعمل لخلاص البشرية ومعاداة الملكية المستبدة؛ فأهداها إلى نابليون. وعندما كان يهم بإرسالها إليه بباريس، جاءته الأنباء التى أعلنت خيانة نابليون لمبادئه وتنصيب نفسه إمبراطورًا؛ ثار «بيتهوفن» ومزق صفحة الإهداء وكتب بدلًا منها «سيمفونية البطولة فى ذكرى رجل عظيم». وأفصح أن هذا الرجل مازال يحيا بجسده، أما روحه فقد ماتت. 
يقسم النقاد حياة «بيتهوفن» إلى ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى تمتد من عام ١٧٩٥ إلى عام ١٨٠٣، وتتسم فيها أعماله بالطابع الكلاسيكى لـ«هايدن» و«موتسارت»، وتشهد هذه الفترة ما يقرب من خمسين عملًا موسيقيًا تتضمن العديد من سوناتات البيانو، وأهمها «ضوء القمر»، و«المؤثرة» و«السيمفونيات الأولى والثانية».
المرحلة الثانية تمتد من عام ١٨٠٤ إلى عام ١٨١٦، وتتسم بالشاعرية والثورية وشخصيته الرومانتيكية، وخلالها كتب سيمفونيته الخامسة وأوبرا «فيديليو» وافتتاحيات «كوريولان» و«أجمونت».
المرحلة الثالثة وشملت العشر سنوات الأخيرة من حياته، وقد تضمنت سيمفونيته التاسعة و«القداس الكبير» و«سوناتاته» ورباعياته الوترية الأخيرة. وفى هذه المرحلة ارتفع صراعه الشخصى مع القدر، وتعبيره عن فرديته وشاعريته وفلسفته. لقد تخطى نفسه واجتازها إلى شعور أعم وأعمق، إلى وحدة مع الإنسانية وصفاء وسلام وتعانق بين كل البشر.