رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

«نحن نقص عليك»|| لوط ( ١) دعا قومه لعبادة الله

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يزخر القرآن الكريم بالقصص التى لم تكن مجرد عرض للتسلية وإنما ليزداد المؤمن ثباتًا على الحق وإصرارًا على مواجهة الباطل، من خلال إطلاعه على مواقف الأنبياء والمرسلين وقصصهم. وكان القصص القرآنى له النصيب الأكبر من قبل علماء المسلمين والباحثين والمفكرين، وخلال شهر رمضان المبارك نستعرض سيرة الرسل والأنبياء حتى تكون عبرة ونهجًا وصراطًا مستقيمًا نسير عليه.
{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ}
ولما وصل سيدنا إبراهيم ولوط عليهما السلام إلى فلسطين بعدما خرجًا من العراق، أرسل لوطًا نبيًا ورسولًا إلى قوم كانوا يسكنون فى الجنوب الشرقى منها، فى عدة قرى مجتمعة، فلم يكن سيدنا لوط واحدًا من هؤلاء القوم الذين يسكنون تلك المنطقة، وإنما وجه لهم. 
ووجد لوطًا قومه يرتكبون فاحشة إتيان الرجال شهوة من دون النساء، فدعاهم إلى ترك هذه الفاحشة، وأنكر عليهم هذا الشذوذ إنكارًا شديدًا، وقد بدأ سيدنا لوط بداية مغايرة، والتى كانت من المفترض أن تبدأ بالدعوة إلى عبادة الله ولكنه عندما وصل إليهم فوجدهم عما هم عليه من انحراف ولكنه ليس انحرافًا فكريًا، بل انحراف من نوع آخر، خاص بهم، ولم يكن عند الأقوام السابقين. 
إنه لم يكن انحرافًا فكريًا عقليًا يقوم على الشرك بالله عز وجل، ليبدأ معهم بنفى الشرك وتقرير التوحيد، لكنه وجد أنهم لديهم انحراف سلوكى، حيث إنهم كان لديهم ممارسات شاذة، وإغراق فى الشهوة، والتى تتنافى مع الطبيعة الإنسانية، حيث إنهم كانوا يأتون الرجال من دون النساء، وما فعل قوم قبلهم مثل فعلهم، وكانوا غارقين فى ذلك الشذوذ والشهوات. 
لقد أراد سيدنا لوط تطهير أجسامهم من هذه اللوثة الشهوانية الشاذة، ليسمو بهم إلى العفة والطهارة ويُعدهم للخطاب العقلى التوحيدي، فكانت دعوته هى الإقلاع عن فاحشة الشذوذ، ومن ثم التخلى عن الشرك، لأن الدعوة إلى التوحيد لا تنفع مع قوم ملوثين شاذين شهوانيين، فكان يقول لهم طهروا أجسامكم وأبدانكم أولًا، وعودوا إلى الفطرة التى فطر الله الناس عليها، وتوجهوا فى قضاء الشهوة للنساء. 
ولقد كان قوم لوط مُجاهرين بانحرافهم وشذوذهم، مُعلنين له، لا يتورعون ولا يتحرجون ولا يستحون، وهذا دليل على أن انحرافهم وفسادهم وشذوذهم لم يكن فرديًا، ولا جزئيًا، وإنما استشرى هذا المرض ليصبح وباء عامًا، وأدى هذا الانحراف إلى تلويث وإفساد الأذواق والأعراف والعادات والأوضاع، حتى أصبح ذلك الفساد هو الأصل وظاهرة عامة، ووباء عريض يُقره المجتمع ويلتقى عليه، بينما العفة والطهارة أصبحت هى الشذوذ.
وكانوا يمارسون الشذوذ فى أماكن اجتماعاتهم العامة، ولقد أنكر لوط عليه السلام على قومه هذا الشذوذ ووصفهم بأنهم قوم مسرفون وقوم عادون، وقوم يجهلون، وهو ما قابله قوم لوط بالرفض وسخروا منه واستهزأوا بحديثه، وبدعوته، ولم يتوقف لوط عن دعوتهم حتى قاموا بتهديده والتوعد له، وقالوا: «إن لم تتوقف يا لوط عن كلامك فسنعاقبك، وإن أصررت على الاستمرار فى لومنا وتقريعنا فسنخرجك من بيتنا» واستمر لوط فى دعوته، ومضى فى الإنكار عليهم، حتى قاموا بإخراجه من القرية. 
حيث أخرجوا لوطًا وأهله المؤمنين من قريتهم، ولقد فضل لوط وأتباعه المؤمنون البقاء مع الطهارة والعفة، حتى وصلت قصة لوط عليه السلام مع قومه إلى نهايتها، وطلبوا منه أن يأتيهم بعذاب الله إن كان صادقًا، وأصدروا أمرهم بإخراج لوط وأتباعه من قريتهم، لأنهم اناس يتطهرون. 
وأمر الله ملائكته أن تتوجه إلى قرى قوم لوط لتدميرها، ولما وصلوا حاول قوم لوط الاعتداء عليهم والفجور بهم وطلبوا من لوط أن يسلمهم ضيوفه، واشتد العراك بين لوط وقومه حتى كشف الملائكة عن حقيقتهم، وأن الله أرسلهم بهذه الصورة لإقامة الحجة على قومه، والإشهاد على جرائمهم، وإيقاع العذاب والدمار بهم.